مدينة أفلاطون الفاضلة
الفلسفة
توجد العديد من الأفكار الفلسفيّة القديمة التي ارتبطت بفلاسفة العصور الماضيّة، وخصوصاً ما ظهر من فلسفة في اليونان القديمة، والتي ما زالت أغلب أفكارها تُدرّس إلى هذا اليوم، وضمن كلّ هذه الآراء في الفلسفة اليونانيّة. ظهرت أفكار الفيلسوف اليونانيّ المشهور أفلاطون الذي قدّمَ العديد من أفكاره حول الكثير من الموضوعات، وتُعتبر فكرة المدينة الفاضلة من أهمّ هذه الأفكار، بل وأكثرها انتشاراً بين النّاس والمُهتمّين بدراسة الفلسفة، ونشر أفلاطون أفكاره هذه في كتاب أطلق عليه مُسمّى (الجمهوريّة)، إذ أضاف فيه مَجموعةً من التصوّرات حول العصر الذهبيّ القادم برأيه؛ وخصوصاً عندما يُصبح المُجتمع مثاليّاً بعد دراسة المُشكلات الاجتماعيّة، ومُحاولة البحث عن حلول جذريّة لها، ممّا يُساهم في الوصول إلى مدينة أفلاطون الفاضلة.[1]
أفلاطون
من أحد الفلاسفة المَشهورين تاريخيّاً، عاش في مُنتصف القرن الرّابع قبل الميلاد في اليونان، وانتشرت كتاباته ومُؤلّفاته في اليونان القديمة، ومن ثمّ وصلت إلى العالميّة مع وجود القليل من الجدل حول مدى أصليّة بعض هذه المؤلفات، ولكن يُعتبر كتاب الجمهوريّة من أشهرها، والذي خلط فيه أفلاطون بين الفلسفة، والأخلاق، والسّياسة، وعلم النّفس، وغيرها من المعارف الأُخرى، والتي ربطها معاً وفقاً لمنهجيّة مُحدّدة، عَكَس فيها أفضل الأفكار التي جمعها من هذه العلوم في صورةٍ عن مدينةٍ تتميّزُ بانتشار الفضيلة، والأخلاق، والمثاليّة بين سُكّانها.[2]
حياته
وُلِدَ أفلاطون في مدينة أثينا تقريباً في عام 428 قبل الميلاد، أمّا عائلته فهي من الطّبقة العُليا في اليونان القديمة، وكان والد أفلاطون يتفاخر بأنّه يتبع إلى سُلاسة ارستقراطيّة، وفي مرحلة الشّباب تعرَّف أفلاطون على الفيلسوف اليونانيّ المشهور سُقراط وأصبح واحداً من تلاميذه، الأمر الذي ساعد أفلاطون على بناء أفكاره الفلسفيّة الأولى التي ساهمت في بناء شخصيّته في العديد من مراحل حياته. تُوفّي أفلاطون في أثينا في عام 347 قبل الميلاد.[3]
فلسفته
تُعتبر فلسفة أفلاطون مُتنوعةً في الأفكار والآراء التي اقترحها أثناء فترة حياته؛ إذ لم يعتمد فقط على الفلسفة اليونانيّة أو ما تعلمه من سقراط؛ بل حرص على أن يُسافر إلى مُجتمعات مُتنوّعةٍ وأماكنَ أُخرى من أجل زيادة معرفته وعلمه في الفلسفة الإنسانيّة، الأمر الذي أثّر كثيراً في أفكاره، وظهر هذا الأثر بوضوح في كتابه الجمهوريّة، كما أنّ فلسفته عموماً اعتمدت على فكرة الرّبط بين الكيانات المُتنوّعة، وتحديداً الأساسيّة منها، والتي يُفتَرض أنّها أبديّة ولا نهائيّة، ولكن يجب الوصول لها عن طريق العقل وليس بالاعتماد على الحواس، لذلك حرص على تفعيل دور العقل في فلسفته، ولكنّه رأى بأنّه توجد ضرورةٌ لتطبيق الخصائص الجماليّة للمجتمع، كالعدالة، والصّلاح، وغيرهما.[3]
مدينة أفلاطون الفاضلة
إنّ مدينة أفلاطون الفاضلة هي من الأحلام التي تمنّى تحقيقها، وحاول تحويلها إلى حلم عامّ عند جميع النّاس، ولكن لم تتمكّن أيٌّ من المُجتمعات الإنسانيّة من تنفيذ هذا الحلم على أرض الواقع منذ عهد أفلاطون حتّى الوقت الحالي؛ بسبب غياب الواقعيّة عن العديد من الأفكار التي طرحها أفلاطون، والتي تُعتبر فقيرةً وغير قادرةٍ على مُحاكاة الفكر البشريّ؛ لأن أفكار أفلاطون ارتبطت مع مفهوم اليوتوبيا، والتي تُشير إلى مصطلح يونانيّ قديم يُعبّر عن فكرة عدم وجود المكان؛ أيّ يستحيل تطبيق مدينة أفلاطون الفاضلة.[4]
الفكرة العامّة للمدينة الفاضلة لم تظلّ مَرهونةً في الأفكار التي قدمها أفلاطون، بل انتشرت أفكارها في الفلسفة الإسلاميّة القديمة، وتحديداً في القرن الرّابع للهجرة عندما ظهر المُفكّر والعالم العربيّ المُسلم الفارابيّ، والذي قام بتأليف كتاب حول فكرة المدينة الفاضلة، وطرح فيه مجموعةً من المبادئ التي تُشير إلى المُجتمع الإنسانيّ الفاضل المُعتَمِد على فكرة تحالف الأمم معاً في مُجتمع واحد، بعكس مدينة أفلاطون التي اهتمّت بفكرة المدينة الضيّقة، أيّ المجتمع الواحد الذي يتمُّ بناؤه وفقاً لمبادئ الفضيلة وضمن حدوده فقط، وبعد أفلاطون والفارابي ظهرت مجموعةٌ من الفلاسفة الذين اهتمّوا أيضاً في أفكار المدينة الفاضلة، ولكن لم ينجح أحدٌ منهم حتّى الآن في تعميم أفكاره على المُجتمعات الإنسانيّة.[4]
مبادئ مدينة أفلاطون الفاضلة
تعتمد مدينة أفلاطون الفاضلة على مجموعة من المبادئ، ومن أهمّها:[5]
- مدينة خياليّة قد تُطبَّق في الواقع، وتُساهم في توفير السّعادة لكلّ شخص يسكن فيها.
- عدد سُكّان المدينة الفاضلة قليل؛ إذ لا يمكن لهم التعرّف على بعضهم بسهولة.
- كافّة المُمتلكات والأشياء الموجودة في المدينة تُعتَبر مُلكيّةً عامّةً، ولا يوجد أيّ شيء ضمن نطاق المُلكيّة الخاصّة.
- تتكوّن المدينة من ثلاث طبقات من السُكّان، وهم: الأوصياء، والمحاربيّن، والمزارعيّن، وكلّهم يعملون في المدينة الفاضلة، ولكلٍّ منهم عمله الخاصّ.
- يعتمد تحقيق الرفاهيّة لمُجتمع المدينة الفاضلة على التّعاون بين كافّة سُكّانها؛ أيّ أن تتكامل وظائفهم معاً في وحدةٍ واحدة.
الخلاصة
إنّ للفلسفة اليونانيّة تأثير واضح على معالم الفلسفة العالميّة، وظهر هذا الشّيء واضحاً في مُؤلّفات الفلاسفة القُدامى، ومن أشهرهم أفلاطون الذي حرص على صياغة أفكاره الفلسفيّة ونشرها في مُؤلَّفات مُتنوّعة، ويُعتبر كتاب الجمهوريّة (المدينة الفاضلة) لأفلاطون من أهمّ هذه الكُتب الفلسفيّة، واهتمّ أفلاطون بفكرة المدينة الفاضلة، والتي حاول أن يُحقّقها من خلال طرح مجموعة من الأفكار حولها، وبعد أفلاطون ظهرت العديد من الأفكار حول المدينة الفاضلة؛ وتحديداً الآراء الفلسفيّة الإسلاميّة التي ارتبطت بالعالم المُسلم الفارابيّ، والذي حرص على تأليف كتاب حول منظورٍ أكثرَ عموميّةٍ للمدينة الفاضلة، كما إنّ أفلاطون عمل على طرح مجموعة من المبادئ حول هذه المدينة، والتي رأى بأنّها ستُساعد المُجتمعات الإنسانيّة على تطبيقها في يوم ما.
المراجع
- ↑ ماريا برنيري، سلسلة عالم المعرفة 225 - المدينة الفاضلة عبر التاريخ، صفحة 11، 12، 13. بتصرّف.
- ↑ Thomas Brickhouse and Nicholas Smith, "Plato (427—347 B.C.E.)"، Internet Encyclopedia of Philosophy, Retrieved 4-12-2016. Edited.
- ^ أ ب Constance Meinwald (29-1-2016), "Plato"، britannica, Retrieved 4-12-2016. Edited.
- ^ أ ب د. محمد الخشت (8-12-2013)، "المدينة الفاضلة"، صحيفة الأهرام، اطّلع عليه بتاريخ 4-12-206. بتصرّف.
- ↑ أفلاطون - ترجمة عيسى الحسن، الجمهورية - المدينة الفاضلة، صفحة 19. بتصرّف.