أنزل الله -سبحانه وتعالى- على نبيّه محمد -صلّى الله عليه وسلّم- رسالة الإسلام، وجعل سبحانه دين الإسلام هو الدين الخاتم لكافة الأديان والشرائع السماويّة، وإنّ لله -سبحانه وتعالى- مُنزّل هذا الدين ومشرّع أحكامه، حقوقاً على عباده الذين خلقهم، وإنّ من أبرز هذه الحقوق وأجلّها: حقّ العبوديّة؛ فعبادة الله -سبحانه وتعالى- وحده لا شريك له، حقٌّ له متفرّدٌ، وواجبٌ على عباده الذين خلقهم تأديته، وقد بيّن الله تعالى ذلك فقال -عزّ وجلّ- في كتابه الكريم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)،[1] وهذا الحقّ واجبٌ على كلّ مسلمٍ، في كلّ زمانٍ وكلّ مكانٍ، ومن أجل هذا الحقّ خلق الله -سبحانه وتعالى- الثقلين؛ الإنس والجن، ومن أجله أرسل الرسل والأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام، وأنزل الكتب السماويّة؛ لهداية الناس ودعوتهم إلى عبادة الله وحده، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)،[2] والعبادة في الدين الإسلاميّ شاملةٌ لحياة الإنسان جميعها؛ لحركاته وسكناته في أيّ زمان وأيّ مكانٍ كان، وهي ملازمةٌ للعبد حتى موته، بها شرّف الله تعالى الأنبياء والمرسلين عليهم الصّلاة والسّلام، وبها يسمو الإنسان إلى أعلى المراتب والدرجات، وبها يلتحق بعباد الله المُنَعّمين، وبالتالي يكون الفوز والنجاح ونيل الجنّة التي وعد الله عباده الصالحين، قال الله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ* وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ).[3][4]
العبادة مصطلح كغيره من المصطلحات العربيّة التي لها معنيان؛ أحدها في اللغة، والآخر في الاصطلاح، وفيما يأتي بيانٌ لكلا المعنيين:
الملائكة عبادٌ مكرمون، خلقهم الله تعالى من النور، لا يأكلون ولا يشربون، منّ الله -سبحانه وتعالى- عليهم بعبادته بأشكال العبادات المختلفة، قال الله سبحانه وتعالى: (وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ)،[7] ومع ما وصفهم الله تعالى به من العبادة، وأنّ منهم من هو ساجدٌ منذ خلقه الله لا يرفع رأسه إلى يوم القيامة، ومنهم من هو راكعٌ منذ خُلق، ولا يرفع رأسه إلى قيام الساعة، ومع ما هم عليه من عبادة، يقولون: سبحانك ما عبدناك حقّ عبادتك؛ محتقرين عبادتهم وأعمالهم في جنب الله تعالى؛ لأنّه لا يقدر أحدٌ أن يعبد الله -سبحانه وتعالى- حقّ عبادته، أو أن يعرف الله حقّ المعرفة، أو أن يعظّمه حقّ التعظيم؛ فمهما عُبد الله -سبحانه وتعالى- كان ذلك قليلاً في حقّه سبحانه وتعالى.[8]
لعبادة الله -سبحانه وتعالى- ضوابط وأسسٌ تُبنى عليها، وهذه الأسس والضوابط هي:[9]
تتجلى الحكمة والغاية من القيام بالعبادة في أمورٍ عدّةٍ، ومن هذه الحِكم:[10]
تُبنى عبادة الله -سبحانه وتعالى- على أصلين عظيمين، هما: الحب الكامل لله، والذلّ التامّ له سبحانه، وهذان الأصلان يبنيان على أصلين عظيمين أيضاً: مشاهدة منّة الله سبحانه وفضله، وإحسانه ورحمته الموجبة لمحبته، ومطالعة ومتابعة عيوب النفس، والعمل المورث للذلّ التامّ لله سبحانه وتعالى، ويُعدّ الافتقار إلى الله أقرب الأبواب التي يدخل منها العبد إلى ربّه، قال الله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).[11][12]