ما هي واجبات المرأة تجاه زوجها
الزواج
جعل الله سبحانه وتعالى الزواج سَكينةً ومودّةً بين الزوجين، ويسّر فيه الألفة والرحمة بينهما، قال تعالى: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)،[1] وحتى تستمر الحياة الزوجية باستقرارٍ وسكينة وطمأنينة ومحبة؛ فإنه يجب على كلّ واحدٍ من الزّوجين أن يَعرف واجباته فيؤدّيها، وأن يَعرف حقوقه فلا يتجاوزها أو يطلب أكثر منها؛ حيث إنّ للزوج حقوقٌ وعليه واجبات، كما أنّ للزوجة حقوقٌ وعليها واجبات، وتختلف وَاجبات وحقوق كل منهما.
أشارت السنّة النبويّة المُطهّرة إلى حقوق الزوجين في الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة، فمن ذلك ما رواه ابن عباس - رضي الله عنها - قال: (جاءتِ امرأةٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالت: يا رسولَ اللهِ ! ما حقُّ الزوجِ على زوجتِه؟ قال: أن لا تمنعَ نفسَها منه ولو على قَتَبٍ ، فإذا فعلتْ كان عليها إثمٌ، ثم قالت: ما حقُّ الزوجِ على زوجتِه ؟ قال: أن لا تُعطِيَ شيئًا من بيتِه إلا بإذنِه).[2]
واجبات الزوجة تجاه زوجها
أوجبت الشريعةُ الإسلاميّة السمحة على الزوجة حقوقاً يجب أن تؤدّيها لزوجها، وقد كانت تلك الواجباتُ من مُستلزمات عقد النكاح، فكما أن الزوج مُلزمٌ بدفع المهر والإنفاق على بيته وأسرته وتحمّل مؤونتهم وأداء الواجبات الخاصة به، فإنّ له حقوقاً يجب على الزوجة أن تؤديها له، ومن حقوق الزوج على زوجته وواجبات الزوجة تجاه زوجها الآتي:
- وجوب الطاعة من الزوجة: فإن الله عزَّ وجلَّ قد جعل القوامة للرجل على المرأة بالتوجيه والإرشاد والرعاية والإنفاق وتولي المسؤولية المالية والإدارية، كما أنّ الحاكم يقوم على صالح الرعية وتحمّل همومهم وقضاء حوائجهم، وذلك لما اختص الله به الرجال على النّساء من خصائص جسميّة وعقليّة وفِطريّة؛ حيث أوجب عليه الإنفاق وألزمه بها،[3] قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)،[4]
- يجب على الزوجة أن تُمكِّن زوجها من الاستمتاع بها وفق الضوابط الشرعية - وذلك بمقتضى عقد النكاح - حيث إنّ أساس عقد الزواج مبنيٌ على تمكين الزوجة لزوجها من الاستمتاع بها، فمن حق الزوج على زوجته أن تُمكّنه من نفسها، فإذا طلب الزوج من زوجته ذلك بعد العقد وكانت من أهل النكاح وكان قد سلّمها مهرها المعجل، ثم امتنعت من إجابة زوجها في الجماع وتمكينه من الاستمتاع ومنعته من حقه فإنها تكون قد ارتكبت محرماً بل معصيةً كبرى، ويجوز لها الامتناع إن كان لها عذرٌ شرعي أو مرضٌ طارئ يمنعها من ذلك،[5] وذلك لما روي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح).[6]
- من وَاجبات الزّوجة تجاه زوجها أيضاً أن لا تسمح لمن يَكرهه زوجها دخول بيته إلا إذا سمح وقبل ووافقَ على إدخاله إلى بيته ما دامت علمت بكُره زوجها من دخول ذلك الشخص إلى منزله، حتى إن كان المعني أقرب الناس إليها كأبيها أو أمها أو شقيقها،[7] فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه).[8] وعن جابر - رضي الله عنه - قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( ... فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه فإن فعلن ذلك فاضربوهنّ ضرباً غير مبرح ولهنّ عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف).[9]
- من واجبات الزوجة تجاه زوجها كذلك أن لا تخرُج من بيت الزوجية حتى تُعلمه بخروجها فيأذَن لها، فإن لم يأذن لها لم يجز لها الخروج، حتى إن كانت تريد زيارة والدها أو والدتها المريضين.[10]
واجبات الزوج على زوجته
لكلّ واحد من الزوجين على الآخر مجموعة من الحقوق والواجبات، فكما أنّ للزوج حقوقه فإن عليه أيضاً واجبات يجب عليه أداؤها لزوجته، وتنقسم واجبات الزوج أو حقوق الزوجة على زوجها إلى حقوق ماليّة أو واجبات مالية، وحقوق غير مالية، وبيان هذه الواجبات على النحو الآتي:
واجبات الزوج المالية
قسّم العلماء حقوق الزوجة إلى مالية ومعنوية، وكذلك قسّموا الحقوق المالية إلى حقوق مالية متجدّدة يجب أداؤها يومياً، وحقوق مالية غير متجدّدة تؤدّى مرّةً واحدةً في العمر؛ فالحقوق الماليّة المُتجدّدة من الأمثلة عليها حقّها في أن يُنفق عليها يومياً بقدر حاجتها فيطعمها بالمعروف، ويُسكنها في بيت يحوي جميع احتياجاتها الحياتية، ويؤمن لها الملبس المناسب الذي يسترها ويكفيها في الشتاء وفي الصيف، وأمّا الحقوق غير المتجددة التي تؤدّى مرّةً واحدةً ثم تسقط إن استوفتها كاملة فمثاله حقها في المهر الذي يُفرض لها مرةً واحدة وقت العقد وتفصيل ذلك كالآتي:[11]
- المهر: فالمهر حقٌ ماليٌ يجب على الزوج أن يوفيه للزوجة حسب ما اتفقا عليه، ففي الغالب تقبضه الزوجة حين العقد أو بعده بفترة وجيزة؛ لقوله تعالى: (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً)،[12] وينقسم المهر في الوقت الحاضر إلى معجّل تأخذه الزوجة حالاً، ومؤجّل يستحق لها بوفاة الزوج أو حصول الطلاق بينهما.
- حقّ النفقة واللباس والمَسكن: يَجب على الزّوج أن يؤمّن زوجته بكل ما تحتاج ويكفيها من النفقة بكل ما يختص بالمأكل والمشرب والملبس والمسكن والتطبيب ونفقاتها الخاصّة الأخرى؛ وذلك لقوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)،[13] ولقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ).[14]
واجبات الزوجة المعنوية
للزوجة على زوجها العديد من الواجبات المعنويّة التي هي أهمّ من أيّ شيءٍ آخر، وكان تحصيلها هو ما يهدف له عقد الزواج ويدعو له، وتتمثّل هذه الواجبات وتنحصر في الآتي:
- أن يُحسن معاشرتها: فإنّ أوّل ما يلزم على الزوج أن يؤديه بمجرد العقد لزوجته أن يكرمها ويعاملها بالمعروف، ويحسن معاشرتها، ما يؤدي إلى تأليف ذات بينهما، كما يجب عليه تحمّل كل ما يصدر منها من أخطاء والصبر عليها، لقول الله سبحانه وتعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً)،[15] ومن مظاهر اكتمال الرجولة، وصدق الإيمان وقوته أن يكون المرء متسامحاً مع أهله، يقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم: (أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا، وخيارُكم خيارُكم لنسائهم)،[16] وإكرام المرأة دليل الإيمان والعقلانية، وإهانتها دليلٌ على النذالة واللؤم، وذلك لما ورد عن عمرو بن الأحوص - رضي الله عنه - قال: (شَهِدَ حجَّةَ الوَداعِ معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فحَمدَ اللَّهَ وأَثنى علَيهِ وذَكَّرَ ووعظَ ثمَّ قالَ استَوصوا بالنِّساءِ خيرًا فإنَّهنَّ عندَكُم عَوانٍ ليسَ تملِكونَ منهنَّ شيئًا غيرَ ذلِكَ إلَّا أن يأتينَ بفاحشةٍ مبيِّنةٍ فإن فَعلنَ فاهجُروهنَّ في المضاجِعِ واضرِبوهنَّ ضربًا غيرَ مبرِّحٍ فإن أطعنَكُم فلا تَبغوا عليهنَّ سبيلًا إنَّ لَكُم مِن نسائِكُم حقًّا ولنسائِكُم عليكُم حقًّا فأمَّا حقُّكم على نسائِكُم فلا يُوطِئْنَ فرُشَكُم من تَكْرَهونَ ولا يأذَنَّ في بيوتِكُم لمن تَكْرَهونَ ألا وحقُّهنَّ عليكم أن تُحسِنوا إليهنَّ في كسوتِهِنَّ وطعامِهِنَّ)،[17] فيجب إكرام النساء والمرح بحضورهن، ومعاملتهن بأحسن ما يعامل به الناس حوله.[18]
- إعفاف الزوجة بالجماع؛ وذلك مراعاةً لحقها ومصلحتها في النكاح، وحفظاً لها من الفتنة، وذلك لقوله سبحانه وتعالى: (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّه)،[19] وقوله تعالى: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)،[20] ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وفي بُضعِ أحدِكمْ صَدقَةٌ ، قالوا يا رسولَ اللَّهِ يأتي أحدُنا شهوتَهُ ويكونُ له فيها أجرٌ ؟ قال أرأيتُمْ لو وضعها في حرامٍ أكان يكونُ عليه وِزْرٌ ؟ قالوا : نعمْ ، قال فكذلِكَ إذا وضعها في الحلالِ يكونُ لهُ أجرٌ)،[21] والمقصود بذلك الجماع.[11]
- أن يُعاملها وفق ما أمره الشارع الحَكيم أثناء العلاقة الزوجيّة بينهما، فلا يَأمرها بمحرم، ولا يأتِ منها ما حُرم عليه فعله كأن يأتيها من الدبر، أو أن يجامعها في الحيض، أو ما شابه ذلك.[22]
- أن يرعاها ويرعى شؤونها، ولا يجعلها تحتاج غيره من الناس، ويقوم بكلّ ما يَنبغي عليه القيام به لضمان الأمن والاستقرار والحياة الهنيئة لها، فتستقرّ نفسها وتطمئن.[23]
- أن يسعى لإصلاحها إن رأى منها ما يستدعي ذلك، وأن يُعينها على الطاعة ويَأمرها بها ويشجّعها عليها.[24]
المراجع
- ↑ سورة الروم، آية: 21.
- ↑ رواه البيهقي، في السنن الكبرى، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 7/292.
- ↑ "ما هي حقوق الزوج وما هي حقوق الزوجة"، الإسلام سؤال وجواب، 25/2/2001، اطّلع عليه بتاريخ 8/1/2017. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 34.
- ↑ مجموعة من المؤلفين (1424هـ)، الفقه الميسر في ضوء القرآن والسنة، السعودية: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 306. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3065.
- ↑ محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، بيروت: بيت الأفكار الدولية ، صفحة 142-145، جزء 4. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4899.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن جابر بن عبدالله السلمي، الصفحة أو الرقم: 1218.
- ↑ كمال بن السيد سالم (2003)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، مصر: المكتبة التوفيقية، صفحة 192-195، جزء 3. بتصرّف.
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (1424هـ)، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 304-305. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 4.
- ↑ سورة البقرة، آية: 233.
- ↑ سورة النساء، آية: 34.
- ↑ سورة النساء، آية: 19.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1162، حسن صحيح.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجة، عن عمرو بن الأحوص، الصفحة أو الرقم: 1513، حسن.
- ↑ سيد سابق (1977)، فقه السنة (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 185-186، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة ، آية: 222.
- ↑ سورة البقرة، آية: 223.
- ↑ رواه ابن القيم، في إعلام الموقعين، عن أبي ذر الغفاري، الصفحة أو الرقم: 1/181، صحيح.
- ↑ وهبة مصطفى الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، بيروت: دار الفكر، صفحة 6846، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ فقه الأسرة، أحمد علي طه ريان، صفحة 179.
- ↑ فقه النكاح والفرائض، محمد عبد اللطيف قنديل، صفحة 57.