-

ما هن الباقيات الصالحات

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

السبيل لمرضاة الله والتقرّب منه

يتقرَّبُ العبدُ المؤمنُ من ربِّه -عزَّ وجلَّ- بجميعِ الأعمالِ والأقوالِ الحسنةِ طمعاً في الحصولِ على الأجرِ العظيمِ من اللهِ تعالى، حتى في النومِ يستطيعُ المرء أن ينوي التقرُّبَ من اللهِ -سبحانهُ وتعالى- فالعبدُ المؤمنُ يُدركُ أنَّ جميعَ أمرهِ بيدِ خالقهِ فيصرف جميعَ أفعالهِ وأقوالهِ ونيّاته للهِ تعالى طلباً لمرضاتهِ ولنيلِ الحسناتِ والأجرِ والثوابِ من اللهِ تعالى، وقد جاءَ في الحديثِ القدسيِّ أنَّ اللهَ تعالى قال: (من عادَى لي ولياً فقد آذنتُه بالحربِ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه، وما تردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه ترَدُّدي عن نفسِ المؤمنِ، يكرهُ الموتَ وأنا أكرهُ مُساءتَه).[1]

إنّ الأعمالِ الصالحةِ هي السبيل لمرضاة الله ومن تلك الأعمال النوافل التي تؤدى بعدَ الفرائضِ التي أمرَ اللهُ -تعالى- بها، وقد ذكرَ اللهُ -سبحانه وتعالى- في القرآنِ الكريم، في سورةِ الكهف مثالاً على الأعمالِ الصالحةِ التي يتقرّب بها العبدُ المسلم إلى خالقه وهي الباقياتُ الصالحاتُ، فهنَّ خيرُ ما يدَّخره المسلم لحسابه يوم القيامة، حيثُ فيهنَّ الأجرُ والغنيمةُ والفوزُ يوم القيامة، فما هنَّ الباقياتُ الصالحاتُ؟

الباقيات الصالحات

اختلفَ أهلُ العلمِ في تفسيرِ معنى الباقيات الصالحات في قولِ الله سبحانه وتعالى: ( المالُ وَالبَنونَ زينَةُ الحَياةِ الدُّنيا وَالباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوابًا وَخَيرٌ أَمَلًا)،[2] وبيانُ آراءِ العلماءِ وأقوالهم وتفسيراتهم لهذه الآية على النحوِ الآتي:[3]

  • يرى بعضُ أهلِ العلمِ أنَّ المرادَ بالباقياتِ الصالحاتِ هو: التسبيحُ والتهليلُ والتكبيرُ، وقد استدلَّ أصحابُ هذا القولِ بالحديثِ الصحيحِ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: (استَكثِروا منَ الباقياتِ الصَّالِحاتِ، قيلَ: وما هيَ يا رسولَ اللَّهِ؟ قال: المِلَّةُ، قيلَ: يا رسولَ اللَّهِ وما هيَ؟ قال: التَّكبيرُ والتَّهليلُ والتَّسبيحُ والحمدُ للَّهِ ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللَّهِ)،[4] وعلى ذلك فإنَّ الباقيات الصالحات هنَّ قولُ المسلم: سبحانَ الله، والحمدُ للهِ، ولا حولَ ولا قوّةَ إلّا باللهِ، واللهُ أكبر ولا إلهَ إلّا الله، وقد أخذَ بهذا القولِ من العلماءِ وأهلِ التفسيرِ مجاهد وعطاء بن أبي رباح.
  • يرى فريقٌ آخرٌ من أهلِ العلمِ أنَّ المراد بالباقياتِ الصالحاتِ الصلوات الخمس، وروى ذلك ابنُ العربيُّ في كتابهِ أحكامُ القرآنِ، حيث قال: (وقالت جماعةٌ هي الصلواتُ الخمس)، وذهبَ أيضاً إلى هذا الرأي الإمامُ مالك.
  • يرى بعضُ أهلِ العلمِ أنَّ الباقيات الصالحات تشملُ كلَّ عملٍ صالحٍ يُمكنُ القيامَ به، من غيرِ حصرها بالصلاةِ فقط على رأي عبد الله بن عبّاس، وأبو ميسرة، وسعيد بن جبير، وعمر بن شرحبيل، كما لا يمكن حصر الباقيات الصالحات بالتسبيحِ والتحميدِ والتهليلِ والتكبيرِ دون غيرها من الأعمالِ الصالحةِ على رأي أبي سعيد الخدري وأبي هريرة والنعمان بن بشير وعائشة رضي الله عنهم جميعاً.[5]

الأعمال الصالحة

منَ الأعمالِ الصالحةِ التي يُمكنَ للمسلم القيامُ بها ما يأتي:[6]

  • الإيمان بالله، ويشملُ: الإيمانُ باللهِ وبملائكتهِ وبكتبهِ وبرسلهِ وباليوم الآخرِ والإيمان بالقَدَرِ خيرهِ وشرّهِ.
  • القيامُ بأيِّ عملٍ موافق للشرعِ يعتبرُ منَ الأعمالِ الصالحةِ التي تدخل في عمومِ معنى الباقيات الصالحات، بشرطِ أن يكونَ أداؤها بإخلاصٍ تامٍ للهِ سبحانه وتعالى، وقد عرّفَ شيخُ الإسلام ابن تيمية العبادة بأنّها: (اسمٌ جامعٌ لكلِ ما يحبُّه اللهُ ويرضاه من الأقوالِ والأفعالِ الظاهرةِ والباطنةِ).
  • المحافظة على أداء الصلوات الخمس في أوقتها، ومن الأدلة على وجوب ذلك قول الله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)،[7] ويجب أداء الصلاة بالقيام بأركانها وواجباتها، وعدم التهاون في أدائها، أو تأخيرها عن وقتها.
  • الحجُّ المبرور: ويكونُ ذلكَ بأداءِ الحجِّ في وقتهِ بأركانهِ وشروطهِ، والحجُّ المبرور يكونَ بمالٍ حلالٍ، وبالابتعادِ عن الفسقِ والإثمِ والجدالِ، وأداء المناسكِ وفقَ ما جاءت بها السنّة، والإخلاص لله تعالى.
  • طاعةُ الوالدينِ وبرَّهُما، وطاعةُ الوالدين تكون بما يوافق طاعة الله تعالى فلا يجوز طاعةُ الوالدين في معصيةِ الله تعالى، ومن برِّ الوالدينِ عدمُ رفعِ الصوتِ عليهما وعدمُ إيذائهما بالكلامِ السيئ.
  • الجهادُ في سبيلِ اللهِ تعالى لنشرِ الإسلام، ورسالة التوحيد، ودفاعاً عن الحقوق، ورداً للظلم والعدوان، وقد أعد اللهُ تعالى أجراً عظيماً للمجاهدينَ في سبيله.
  • الحبُّ والبغضُ في اللهِ، وهو أنَّ يُحبَّ المسلم أخاهُ المسلم بسببِ قربهِ وطاعتهِ للهِ تعالى، لا للونهِ أو جنسهِ أو مالهِ.
  • قراءةُ القرآن الكريم مع تدبُّرِ معانيه.
  • المداومةُ على فعلِ الطاعاتِ من النوافلِ والسننِ والمستحباتِ.
  • أداءُ الأمانةِ لمستحقيها فهي من واجباتِ المسلم ومن أفضلِ الأعمالِ.
  • الصدقُ في الأقوالِ والاعمالِ، فهو خلقُ الأنبياءِ عليهم الصلاة والسلام، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في فضلِ الصدقِ: (عليكم بالصِّدقِ، فإنَّ الصِّدقَ يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّةِ، وما يزالُ الرَّجلُ يصدُقُ ويتحرَّى الصِّدقَ حتَّى يُكتبَ عند اللهِ صِدِّيقاً، وإيَّاكم والكذِبَ، فإنَّ الكذِبَ يهدي إلى الفجورِ، وإنَّ الفجورَ يهدي إلى النَّارِ، وما يزالُ الرَّجلُ يكذِبُ ويتحرَّى الكذِبَ حتَّى يُكتبَ عند اللهِ كذَّاباً).[8]
  • النفقة في سبيلِ اللهِ تعالى، مثل: النفقة في الجهاد، وفي بناءِ المساجد، والنفقة على الوالدين والفقراءِ والمساكينِ.

المراجع

  1. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502.
  2. ↑ سورة الكهف، آية: 46.
  3. ↑ "معنى (الباقيات الصالحات)"، www.fatwa.islamweb.net، 8-9-2005، اطّلع عليه بتاريخ 13-12-2017. بتصرّف.
  4. ↑ رواه عبد الحق الإشبيلي، في الأحكام الصغرى، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 891، إسناده صحيح.
  5. ↑ "ما هي الباقيات الصالحات"، www.islamqa.info، 12-10-2001، اطّلع عليه بتاريخ 13-12-2017. بتصرّف.
  6. ↑ "الأعمال الصالحة"، www.islamqa.info، 3-10-2002، اطّلع عليه بتاريخ 13-12-2017. بتصرّف.
  7. ↑ سورة النساء، آية: 103.
  8. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2607، صحيح.