ما هي مهن الأنبياء
مِهن الأنبياء
العمل أمر أساسيّ ورئيسيّ في حياة كلّ إنسان، وقد حثّ عليه الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- في العديد من النّصوص والأحاديث، كما حثَّت عليه الدّيانات السماويّة جميعها، ممّا يُثبت أنّ للعمل في الإسلام مكانةً متميّزةً، حيث يحتاج إليه الناس لتأمين أقواتهم وأقوات عيالهم، وفيه ابتغاء مرضاة الله بعدم الرّكون إلى الراحة، واتّخاذ الأسباب الموجِبة لتحصيل الرزق وتكثيره، وقد عمل جميع الأنبياء والرسل بعدّة مِهَن وحِرَف؛ فمنهم من أُرسل إليه بعد أن كان يرعى الغنم مثل سيّدنا موسى -عليه السلام- الذي رعى الغنم، وسيّدنا داود -عليه السّلام- الذي عمل في الحدادة، أمّا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- فقد عمل في عدّة أعمال، منها: التجارة، والرّعي، وغير ذلك، وفي هذا المقال سيتمّ بيان مِهَن بعض الأنبياء وأعمالهم التي قاموا بها قبل النبوّة وبعدها.
إنّ الأنبياء -عليهم صلوات الله وسلامه- هم قدوةٌ للبشر أجمعين؛ فقد كانوا يعملون في مختلف الأعمال والمهن المتنوّعة؛ ليُبيّنوا أنّ العمل ليس عيباً، بل إنّ الرّكون للراحة وترك التكسّب هو العيب، وقد ورد في السنة النبويّة الكثير من النصوص التي تدعو إلى العمل، وتحثُّ على طلب الرزق والسعي له، وقد جمع أنبياءُ الله مهناً وحرفاً وأعمالاً إلى أسمى مهنةٍ قاموا بها، أمرهم بها الله -سبحانه وتعالى- وهي الدّعوة إليه، وتوحيده، وتنزيهه.
مِهَن سيدنا محمّد عليه الصلاة والسلام
عمل سيدنا محمد -صلّى الله عليه وسلَّم- في مطلع عُمُره في رعي أغنام أهل مكّة، وذلك مقابل بضعة قراريط كان يأخُذها منهم، ثمّ بعد أن شبَّ واشتدّ عُوده وقوِيت بُنيته عمل في التجارة، وبرع فيها حتّى إنّ ما من تجارةٍ يدخلها إلا كانت تغنم وتربح أضعافاً، وما من قافلةٍ يسير بها إلا وتغلُّ ويكثر خيرُها؛ ولأجل أمانة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وقدرته على التجارة ومهارته بها، فقد أوكلت السيّدة خديجة -رضي الله عنها- التي كانت في تلك الفترة من أثرياء قريش أمرَ تجارتها إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- ليتعهدّها ويقوم بها بنفسه، فتاجر لها وربح ربحاً وفيراً حينها.[1][2]
وقد ورد في السنة النبويّة ذكر بعض الأعمال التي قام بها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قبل بعثته، فقد رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ما بعث اللهُ نبيّاً إلا رعى الغنمَ، فقال أصحابُه: وأنت؟ فقال: نعم، كنتُ أرعاها على قراريطَ لأهلِ مكةَ)،[3] هذا الحديث يُثبت أهميّة العمل؛ حيث إنّ جميع الأنبياء كما يقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قد رعَوا الغنم، وفي مقدّمتهم سيدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم.[4]
مهنة سيّدنا آدم عليه السّلام
هبط آدم -عليه السّلام- من السّماء ونزل إلى الأرض، ولم يكن له إلا أن يعمل بيديه حتّى يحصل على الرزق، وكان الله قد علَّمه العلوم والأسماء كلّها، أمّا المهنة التي اشتُهر بها آدم -عليه السّلام- فهي زراعة الأرض، حيث كان يحرث الأرض ويزرعها ويتعهّدها، وكانت زوجته حوّاء -عليها السّلام- تُساعده في ذلك لتحصيل الرزق، وكان آدم يصنع المعدّات التي تُعينه في عمله والآلات اللازمة لذلك بالطرق المتاحة في ذلك الوقت، وغالباً ما كان يستخدم الأخشاب والأحجار لأجل تلك الغاية.[2]
مهنة سيّدنا موسى عليه السّلام
عمِل سيّدنا موسى -عليه الصّلاة والسّلام- في رعي الأغنام، بعد أن هرب من فرعون وقومه، قال تعالى: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ*قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ)،[5] وقد عمل موسى في الرّعي عدّة سنوات قيل إنّها عشر بعد هروبه من فرعون، مقابل معيشته من نومٍ ومأكلٍ ومشربٍ،[2] قال تعالى: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).[6]
مهنة سيّدنا داود عليه السّلام
عمل داود -عليه السّلام- عملاً امتاز به عن غيره من الناس، بل حتّى عن غيره من الأنبياء والرُّسل، وقد ذكر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك، فقال: (ما أَكَلَ أَحَدٌ طعامًا قطُّ، خيراً من أن يأكلَ من عملِ يدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ -عليهِ السّلامُ- كان يأكلُ من عملِ يدِه)،[7]فالحديث يُشير إلى أنّ داود -عليه السّلام- كان له عملٌ فريدٌ عن غيره من الأنبياء، حيث اشتهر بصناعة الدّروع الحديديّة والأسلحة، فكان حدّاداً، يأكل من عمل يده ويسعى لطلب رزقه، بالإضافة إلى كونه نبيّاً مُرسَلاً من الله سبحانه وتعالى، ممّا يُشير إلى مكانة العمل وأهميّته، قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا ۖ يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ ۖ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ*أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ ۖ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)،[8] ومما تميَّز به سيدنا داود عن الناس أنّ الله -سبحانه وتعالى- قد ألان له الحديد، فكان يتحكَّم به ويُحوّله بيديه كيف يشاء، دون استخدام نارٍ أو شيءٍ آخر لتليينه، فهو بين يدَيه كالطّين والمعجون، وهو أوَّل من استخدم الدّروع في الحروب.[2]
أهميّة العمل في الإسلام
حثّ الإسلام في كثيرٍ من النصوص القرآنيّة والأحاديث النبويّة على طلب الرّزق، والسعي في الأرض من خلال العمل المُباح، ومن النّصوص التي أشارت إلى أهميّة العمل والتكسُّب بشتّى أنواع المِهن والوظائف ما يأتي:
- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، فإذا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ).[9]
- قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).[10]
- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ).[11]
- قول الله سبحانه وتعالى: (رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً).[12]
المراجع
- ↑ "كيف كان يكتسب النبي صلى الله عليه وسلم قوته؟"، الإسلام سؤال وجواب، 17-8-2009، اطّلع عليه بتاريخ 29-7-2017. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث سعيد عبد العظيم (1-11-2012)، "الأنبياء والرسل أصحاب مهنة وحرفة"، شبكة الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 29-7-2017. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2262.
- ↑ محمد راتب النابلسي (20-7-1992)، "كسب الرزق"، موسوعة النابلسي، اطّلع عليه بتاريخ 31-7-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة طه، آية: 17-18.
- ↑ سورة القصص، آية: 27.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المقدام بن معد يكرب الكندي، الصفحة أو الرقم: 2072.
- ↑ سورة سبأ، آية: 10-11.
- ↑ سورة الجمعة ، آية: 9-10.
- ↑ سورة الملك، آية: 15.
- ↑ سورة الانشقاق، آية: 6.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 66.