-

ما هي بنود صلح الحديبية

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

صلح الحديبية

يُعتبر صُلح الحديبية من أهم الأحداث التي حصلت في التاريخ الإسلاميّ وتجلّت فيه حكمة الله سبحانه وتعالى، وقدرته في تدبير الأمور وتسيير الأحداث وفق إرادته وحده، فقد كان هذا الصلح الذي تمَّ بين المسلمين وقريش في شهر ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة النبويّة نقطة تحوُّل وانطلاق في تاريخ المسلمين،[1] لِما كان في ظاهر البنود التي احتوى عليها الصلح من إجحافٍ وظلمٍ ظاهرٍ في حقّ المسلمين، بل إنّ البعض من الصحابة رأى في صلح الحديبية مهانةً واستخفافاً بالإسلام وأهله، لكنّ الحقيقة كانت غير ذلك، فما هي بنود هذا الصلح؟ وما موقف الصحابة -رضي الله عنهم- منه؟ وما هي الدروس والعِبر المستفادة منه؟

بنود صلح الحديبية

تضمّن صلح الحديبية خمسة بنود رئيسية، وقد تمَّ تدوينها في كتابٍ وقَّع عليه جانبا الصُلح، فمن جهة كان المسلمون ويُمثّلهم النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومن الجهة الأخرى قريش ويمثّلهم سُهيل بن عمرو، أمّا بنود هذا الصلح فهي ما يلي:[2]

  • البند الأول: أن يرجع المسلمون إلى المدينة المنوّرة دون أن يؤدوا مناسك العمرة، ويقضون عمرتهم في العام المُقبل، وأن يقضي المسلمون بمكّة ثلاثة أيام فقط إذا دخلوها لأجل العمرة في العام القادم، ولا يُدخلون معهم الأسلحة إلّا سلاح المسافر الذي يضمن له الأمن على حياته من أهوال الطريق.
  • البند الثاني: من يأتي من قريش إلى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يريد الدخول في الإسلام من غير إذن وليّه، يردّونه المسلمون إلى قريش، ومن جاء من المسلمين إلى قريش داخلاً في حماية قريش قبِلوه وأدخلوه في حلفِهم ولا يُردّ إلى المسلمين.
  • البند الثالث: أن تُوضَع الحرب بين قريش والمسلمين مدة مقدارها عشر سنين، فيعمُّ الأمان خلال هذه المدّة ويكفُّ بعضهم عن بعض.
  • البند الرابع: أن يكون بين قريش والمسلمين موادعة ومكافّة، وصدور نقيّة من الغلّ.
  • البند الخامس: من أراد من قبائل العرب الدخول في حِلف المسلمين فليدخل، ومن أراد منهم الدخول في حِلف قريش فليدخل.

موقف الصحابة من صلح الحديبية

كان موقف صحابة رسول الله -رضي الله عنهم- تِجاه صلح الحديبية يتمثَّل بالرفض الشديد والاستنكار، وهو موقف لا يمكن تجاهله للصحابة رضوان الله عليهم، حتى أنَّ جُلُّهم عارضوا هذا الصلح ورفضوه دون أيّ مساومة على قبوله في نظرهم؛ إذ لم يروا في صلح الحديبية إلّا السلبيات فقط، والتي تمثّلت في المهانة والذلّ للمسلمين، وتحقيق العزّة لقريش والنُصرة لهم ولمن حالفهم؛ حيثُ لم يرَ الصحابة -رضي الله عنهم- إلّا إيجابيّة الجزء الثاني من البند الرابع الذي يقضي إعادة من أسلم من قريش إليها إذا قدِموا إلى المسلمين، بينما كان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- ينظر إلى صلح الحديبية بنظرة أكثر شموليّة، فقد رأى في ذلك الصلح النصر والمهابة للمسلمين، وقد تمثّلت نظرة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بوضوح الهدف وعمق التحليل وتميّز التفكير.[3]

والنبي -صلّى الله عليه وسلّم- لم يكن يسعى إلى استئصال قريش، فهو نبي الرحمة، ورسالة الإسلام رسالة الرحمة، إنّما كان يسعى إلى إقناع المشركين بالإسلام، وهو كذلك لم يكن يسعى إلى مجرد عُمرة تُؤدى في مكّة ثمّ العودة إلى المدينة المنورة، بل إنّ تفكيره أعمق من ذلك بكثير، ولم يكن هدفه أيضاً أن يُذِلّ قُريش ويُهينهم من خلال دخوله إلى مكّة معتمراً، ولم يكن يهدف من خلال صُلح الحديبية أن تؤمن به قريش فحسب، إنّما سعى إلى ما هو أبعد من ذلك وأعمق، فقد كان النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يسعى جاهداً بأن يدخل الإسلام جميع الناس بلا استثناء.[3]

وهذا الشيء يعكس عميق فكر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وما يسعى إليه من نظرة شموليّة للأمور، واستبعاد التفكير القاصر من مخيّلته؛ حيثُ لا يصدر عنه أمر إلّا بعد تعمّق ونظر ورويّة وتحليل للأبعاد والنتائج والآثار، وقد حقّق الله -سبحانه وتعالى- ما أراده الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- بعد أن دخل مكّة فاتحاً، ثمّ خضعت له العرب كلها بدخولهم في الإسلام، وهذا ما لم يكن الصحابة -رضي الله عنهم- يسعون إليه أو يخطّطون له، أو يرمون إلى تحقيقه، فهم جميعاً ينظرون إلى الأحداث نظرة المُتعطِّش لدخول مكّة المُشتاق إلى أداء العمرة.[3]

صلح الحديبية دروس وعِبر

تضمّن صُلح الحديبية العديد من الدروس والعِبر منها ما يلي:[1]

  • وجوب طاعة النبي صلّى الله عليه وسلّم، والتسليم والانقياد لأوامره، وإن كان في كلامه مخالفة للعقول والنفوس، فطاعته فيها الصلاح الذي فيه سعادة الدنيا والآخرة.
  • بروز أهميّة الشورى في حياة المسلمين.
  • أهمية وفائدة القدوة العمليّة في المواقف، ويظهر هذا جليّاً واضحاً عندما أمر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- الصحابة -رضي الله عنهم- بالنحر والحلق.
  • استحسان مشاورة المرأة ذات الفكر الصائب والرأي السديد، ويبدو هذا واضحاً عندما أخذ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بمشورة زوجه أمُّ المؤمنين أمُّ سلمة رضي الله عنها.
  • أنّ المشركين وأهل الكفر إذا طلبوا أمراً يُعظّمون فيه حرمة من حرمات الله، فإنهم يُجابوا عليه، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (لا يسأَلوني خُطَّةً يُعظِّمون فيها حُرماتِ اللهِ إلَّا أعطَيْتُهم إيَّاها).[4]
  • بيان مدى حبّ الصحابة -رضي الله عنهم- للنبي صلّى الله عليه وسلّم.
  • صُلح الحديبية كان باباً لفتح مكّة.
  • نشر الإسلام والدعوة إليه في جوٍّ من الأمان والهدوء أعظم وأبلغ وأكثر تأثيراً.

المراجع

  1. ^ أ ب "صلح الحديبية دروس وعِبر"، www.islamweb.net، 11-1-2011، اطّلع عليه بتاريخ 30-12-2017. بتصرّف.
  2. ↑ د. هند بنت مصطفى شريفي (9-11-2013)، "شروط صلح الحديبية وموقف الصحابة من شروطه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-12-2017. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت د.راغب السرجاني (17-4-2010)، "موقف الصحابة من صلح الحديبية"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 30-12-2017. بتصرّف.
  4. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، الصفحة أو الرقم: 4872، أخرجه في صحيحه.