ما هي شجرة الزقوم
سُنّة الله في خلقه
أرسل الله -تعالى- الرّسل مبشّرين ومنذرين للنّاس، يحملون لهم رسالة التوحيد ويعلّمونهم شرع الله-تعالى- الذي ارتضاه لهم، ثمّ جعل الله -تعالى- الإنسان مخيّراً في دخول الإسلام، وإعلان التوحيد، فلم يجبره على ذلك، قال الله تعالى: (فَمَن شاءَ فَليُؤمِن وَمَن شاءَ فَليَكفُر)،[1] ففتح الطريق أمامه ليبصر الهدى والصّواب، ثمّ يختار ما يشاء من منهج، لكنّ الله -تعالى- أوضح أنّ لكلّ طريقٍ يختاره الإنسان نهايةً محتومةً بحسب ما اختار هو منذ البداية، فأوضح أنّ عاقبة المؤمن الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، ونعيمٌ لا يفنى ولا ينتهي، وأنّ الكافر الذي رفض اتّباع شرع الله، سيلقى شرّ الحساب والمآل في اليوم الآخر، قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ*وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ).[2][3]
ولقد أوضح الله -تعالى- في غير موضعٍ، في القرآن الكريم عاقبة الكافرين المستكبرين عن المضيّ في شرع الله وتحكيمه، فجاء ذكر نار جهنّم وأسمائها وصفاتها، وذكر جانبٍ من ألوان العذاب فيها، وقد أخبر الله -تعالى- أنّها دركاتٌ؛ تناسب درجة السوء التي وصل إليها كلّ من يَرِد فيها، وهذا من كمال عدل الله سبحانه؛ إذ ليس الجميع معذّبون بقدرٍ واحدٍ من العذاب، ومن الآيات التي جاءت تَصِف عذاب النار قول الله تعالى: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ*لا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ*لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ*عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ)،[4] وقال أيضاً في وصفٍ آخرٍ لجهنّم: (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ*نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ*الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ*إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ*فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ)،[5] وقد جاء هذا التبيان وغيره لحال العذاب في النار؛ ترهيباً للنّاس منها، ومن سوء حالها وحال أهلها، وتقريعاً لهم أن يرتضوا على أنفسهم أن يكونوا من أهلها.[3]
شجرة الزقوم
فصّل الله -تعالى- في كتابه الكريم بعض ألوان العذاب التي تمرّ على الكفار في جهنّم؛ ومن ذلك عذابهم إذْ يأكلون، فقد ذكر الله -تعالى- أنّ المعذّبين في جهنّم يأكلون من شجرةٍ يُقال لها شجرة الزقّوم، وهي شجرةٌ نبتت في أصل جهنّم، جُعلت ثمارها طعاماً لأهل النار، وقد شبّه الله -تعالى- شكل ثمارها بقوله: (طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ)،[6] وقد أورد الله -تعالى- هذا الوصف؛ لأنّ البشر يعتقدون ويظنّون أنّ للشيطان شكلٌ قبيحٌ شنيعٌ، فترسّخ تلك الصورة المُريعة في أذهانهم فيكرهون هذه الشجرة وثمارها، ويخشون أن يتعرّضوا للأكل منها، وورد وصفٌ آخر للزقوم في حديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، حين أخبر عنها فقال: (لو أنّ قطرةً مِنَ الزّقّوم قُطِرتْ في دارِ الدنيا، لأفسدتْ على أهل الدنيا معايِشَهم، فكيفَ بمنْ يكونُ طعامُهُ).[7][8][9] فكانت شجرة الزّقّوم عقاباً وعذاباً لأهل النار على سوء ما اقترفوا في حياتهم الدّنيا.
ومن طعام أهل النّار كذلك الوارد في القرآن الكريم الغِسْلِين، حيث قال الله -تعالى- فيه: (فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ*وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ*لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ)،[10] والغِسْلِين هو صديد أهل النّار، وهو في غاية السوء والنّتَن، أُعدّ لِمَن ضلّ عن سبيل الله تعالى، زاهداً فيه في حياته، فاستحقّ ألّا يهنأ في آخرته، ولا يرتاح، وهناك نوعٌ آخر من أنواع الطعام السّيء الفاسد في جهنّم، وهو الضريع؛ حيث قال الله -تعالى- فيه: (لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ*لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ)،[11] فهو طعامٌ لا يحقّق أيّ غايةٍ من تناوله، فلا هو أغنى صاحبه من الجوع، ولا قدّم له الطاقة والنفع عندما أكله، وهناك وصفٌ آخر للطعام ذُكِر في القرآن الكريم، فقد قال الله سبحانه: (إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا*وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا)،[12] فكانت صفة الطّعام أنّه ذا غُصّةٌ، يصعُب بلعه والاستفادة منه، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسير الآية الكريمة: (يَنْشَب في الحلق؛ فلا يدخل ولا يخرج).[8]
حال الكافرين في الآخرة
يمرّ اليوم الآخر على الكافرين بشقّ الأنفُس؛ يتقلّبون فيه بأشكالٍ عديدةٍ من العذاب والهَوان، وتتزايد فيه همومهم، وغمومهم ليس لها من انقشاعٍ ولا فرجٍ قريب؛ ومن الأهوال التي تلحق بالكفّار التي وردت في القرآن الكريم:[3]
- الذلّ، والهَوان، وسواد الوجه، حيث قال الله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ)،[13] وقال أيضاً: (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ).[14]
- انقطاع أيّ علاقةٍ تربطهم مع أهليهم أو أصحابهم؛ وذلك من أنواع العذاب التي تلحق بهم، إذْ ما من أحدٍ يرتبط بهم يواسيهم، بل إنّ الجميع يتبرّأ من بعضهم البعض، قال الله -تعالى- في كتابه الكريم: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ).[15]
- حُبوط الأعمال؛ وذلك بمعنى ذهاب أثرها وثوابها، قال الله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا).[16]
- اليأس مِن رحمة الله، قال الله عزّ وجلّ: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).[17]
- حرمان النور يوم القيامة، والقُبوع في ظلامٍ شديدٍ؛ فيوم القيامة تغشى النّاس ظُلمةٌ شديدةٌ، ثمّ يُجعل للمؤمنين نوراً يستأنسون به، ويتميّزون به عمّن سواهم، بينما يبقى الكافر في الظلام، كما قال الله تعالى: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ).[18]
المراجع
- ↑ سورة الكهف، آية: 29.
- ↑ سورة الحج، آية: 56-57.
- ^ أ ب ت "عقاب الكافرين يوم القيامة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-7-6، بتصرّف.
- ↑ سورة المدثر، آية: 27-30.
- ↑ سورة الهمزة، آية: 5-9.
- ↑ سورة الصّافات، آية: 65.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2585، حسن صحيح.
- ^ أ ب "طعام أهل النار"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-7-7. بتصرّف.
- ↑ "طلعها كأنّه رؤوس الشياطين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-7-7. بتصرّف.
- ↑ سورة الحاقّة، آية: 35-37.
- ↑ سورة الغاشية، آية: 6-7.
- ↑ سورة المزمل، آية: 12-13.
- ↑ سورة السجدة، آية: 12.
- ↑ سورة الزمر، آية: 60.
- ↑ سورة البقرة، آية: 166.
- ↑ سورة الكهف، آية: 105.
- ↑ سورة العنكبوت، آية: 23.
- ↑ سورة النور، آية: 40.