ما هو اليقين
تعريف اليقين
يفيد لفظ اليقين في اللغة عدداً من المعاني، منها إزاحة الشك وتنحيته عن الإنسان، ومنها خالص الحقّ وأصحّه، وفي ذلك قول الله تعالى (وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ)،[1] ومن معاني اليقين اللغوية أيضاً الموت، وفي هذا المعنى جاءت الآية الكريمة التي تحثّ على القيام بالعبادات والطاعات إلى لحظة موت الإنسان، قال تعالى (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)،[2] كما أنّ العرب تستخدم لفظ اليقين بالتعبير عن الظنّ أحياناً. أمّا في الاصطلاح الشرعي فقد عرّف العلماء اليقين بتعاريف عديدة، عِماد وخلاصة ما فيها أنّه العلم الأكيد في القلب الذي ينفي الشكّ واللّبس والرّيب، وهو من الإيمان الجازم بمنزلة الروح من البدن، ويُعدّ اليقين أعلى وأرقى مراتب الإيمان، وعبّر عنه بعض العلماء بأنه ظهور الأمر للقلب بحيث يصبح كمنزلة المرئيّ للرائي لا يشكّ ولا يرتاب فيه.[3][4]
أشكال اليقين
ذكر ابن القيّم أنّ لليقين ثلاثة أشكال، فالأول يقين الخبر؛ ويُقصد به الثقة بالمُخبِر والطمأنينة لما يُخبر به، والثاني يقين الدلالة؛ وأراد به جمع الدليل إلى الخبر الذي جاء من عند مُخبِر موثوق، فالمُخبر في يقين الدلالة يأتي بأدلّة على صدق خبره علاوة على أنّه مُخبِر موثوق من الأساس، وبالتالي فيقين الدلالة أعلى رتبة ومكانة من يقين الخبر، ومن الأمثلة عليه إقامة الله للأدلة والبراهين على صدق رسله ووحيه وهو سبحانه أصدق الصادقين، فيحصل لهم بذلك يقين الخبر ويقين الدلالة، والثالث يقين المشاهدة أو المكاشفة؛ والمُراد به أن يصير الأمر بالنسبة للمخبَر به كأنّه مرئيّ، فيؤمن بالخبر والغيب الذي فيه، وكأنه يراه رأي العين، وهذا الشكل من اليقين الأعلى على الإطلاق.[3]
مراتب اليقين
وفي مراتب اليقين قال العلماء إنّها ثلاث مراتب؛ الأولى مرتبة علم اليقين؛ والمُراد بها علم الإنسان بما أخبر به الله تبارك وتعالى في القرآن والسنة من أخبار الجنّة والنّار ومن أوامر الشرع ونواهيه وما إلى ذلك دون شكّ فيه، والمرتبة الثانية عين اليقين؛ وفيها يرى الإنسان الغيب عياناً، فينطر ببصره إلى ما كان خبراً مجرّداً فيما سلف، ويكون ذلك يوم القيامة، فقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن الكفّار حين يرون جهنم بأعينهم فقال (وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا)،[5] أمّا المرتبة الثالثة فهي مرتبة حقّ اليقين؛ ويكون فيها تحصيل وتجربة ما سبق أن أدركه الإنسان بعلم اليقين وعين اليقين حسياً، أي إذا دخل أهل الجنة الجنة فذاقوا نعيمها ودخل أهل النار النار وذاقوا عذابها كان ذلك بمثابة حق اليقين لكلٍ منهم.[4]
ثمرات اليقين
لحصول اليقين في قلب الإنسان وتمكّنه فيه ثمرات عظيمة، نذكر منها ما يلي:[6]
- الانتفاع بالبراهين والآيات التي يرسلها الله سبحانه وتعالى للناس.
- تحقيق الفلاح والهداية للإنسان.
- تحصيل مرتبة الإمامة في الدين، فقد قال تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ).[7]
- رضا النفس بأحكام الله عز وجل وامتثالها لها، قال تعالى في ذلك (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).[8]
- تجنّب أشكال الظلم جميعها والابتعاد عنها تماماً، فإذا تحقق اليقين في قلب الإنسان تملّكه الخوف من الله عز وجل في أن يظلم أحداً أو يظلم نفسه، وظلّ مستذكراً لوقفته يوم القيامة أمام الله عز وجل وهو ينتظر مصيره إمّا إلى الجنة وإمّا إلى النار.
- استغلال الوقت فيما ينفع وترك طول الأمل في الدنيا، فمن الأبواب التي يدخل الشيطان منها للإنسان أن يؤمّله بالدنيا ويلهيه في ملذّاتها وإضاعة وقته في اللهث وراء ما فيها من شهوات، إلا أنّه إذا تمكّن اليقين من قلبه فسيكون متيقظاً لذلك مبتعداً عن اللهو الكثير غير النافع.
- دخول الجنة كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال (أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، وأنِّي رسولُ اللهِ، لا يلْقَى اللهَ بِهِما عبدٌ غيرُ شاكٍّ فِيهِما إلَّا دخَلَ الجنةَ).[9]
معينات على اليقين
حتى يزيد الإنسان من مستوى يقينه لا بدّ له من بعض المعينات، نذكر منها ما يلي:[10]
- قراءة القرآن الكريم وتدبّر آياته، فهذا من أقوى أسباب زيادة اليقين والطريق الذي يُؤدي إلى الوصول إلى أعلى مراتبه.
- إمعان النظر في آيات الله في الكون، والتفكر في خلق السموات والأرض والمخلوقات، فقد قال الله تعالى: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ*وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ).[11]
- الدعاء، فالله سبحانه وتعالى يُجيب من دعاه ويستحي أن يردّ يدَيه خائبتَين، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو ربّه بأن يرزقه من اليقين ما يُهوّن به عليه مصائب الدنيا.
- مذاكرة أحوال المُوقنين وأخبارهم ومواقفهم، ومثال ذلك موقف موسى عليه السلام حينما تبعه فرعون بجنوده فخاف من كان معه من المؤمنين إلا أنّه طمأنهم بيقينه بالله وقال كما أخبر القرآن الكريم (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ).[12]
- الحرص على صحبة الموقنين بالله، فالإنسان يقتدي بصاحبه ويتأثر به.
- مجاهدة النفس على ترك المعاصي والتزام الطاعات والقربات فلا يتهاون فيها ولا يتباطأ أو يتردد، بل يسارع إليها ويتمّها.
- الاجتهاد في تحصيل العلم النافع، لأنّه طريق القرب من الله سبحانه وتعالى والتعرف عليه واليقين به.[3]
المراجع
- ↑ سورة الحاقة، آية: 51.
- ↑ سورة الحجر، آية: 99.
- ^ أ ب ت "ما هو اليقين وما صفات أهل اليقين ؟"، islamqa.info، 2017-7-12، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-28. بتصرّف.
- ^ أ ب د. عبدالحكيم درقاوي (2010-6-14)، "مفهوم اليقين في القرآن الكريم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-28. بتصرّف.
- ↑ سورة الكهف، آية: 53.
- ↑ "اليقين"، www.al-islam.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-28. بتصرّف.
- ↑ سورة السجدة، آية: 24.
- ↑ سورة المائدة، آية: 50.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1009، صحيح.
- ↑ "وسائل وأسباب زيادة اليقين"، فتاوى الصّاوي، 2017-12-26، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-28. بتصرّف.
- ↑ سورة الذاريات، آية: 20-21.
- ↑ سورة الشعراء، آية: 62.
- ↑ "طرق اكتساب وزيادة اليقين بالله"، fatwa.islamweb.net، 2007-9-27، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-28. بتصرّف.