تعتبر الصداقة إحدى العلاقات المميزة في مجتمعنا، وذلك لأنها تساعد على بلورة شخصية الإنسان إلى الأفضل، وخصوصاً مع توافر الأخلاق الحسنة، كما أنها تكون مبنية على الاهتمام المتبادل، والمحبة الصادقة التي تظهر من خلال القلق على كل ما يصب في مصلحة الصديق، بالإضافة إلى أن هذه العلاقة تكون مستمرة بشكل دائم، وإن كَثُرت مشاغل الحياة.[٢]
تعتبر الصداقة أحد أهم الأمور في حياة الفرد، وقد جعل الله الاختلاف للتعارف سنةً في الحياة، حيث قال في محكم كتابه عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)،[٣] ولكن الصداقة مشروطة بعدة أمور، أولها الصلاح، والخلق الحسن، كما من الممكن ألّا تقتصر الصداقة على الصديقين، بل تمتد لتصل ما بين عائلات أو أصدقاء الطرفين، إلا أنه وفي حالة عدم الالتزام في الأسس الصحيحة في اختيار الصديق، يعرّض الإنسان نفسه للوقوع في فخ رفيق السوء،[٤] حيث قال الله عز وجل في سورة الفرقان: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا*يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا* لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا).[٥]
هناك عدد من الصفات التي تدل بشكل واضح على أن تلك الصداقة حقيقية، تتّسم بالصلاح والديمومة، وتتمثل تلك الصفات بالآتي:[٤]
يرى أرسطو بأن الصداقة هي مشاعر عطفٍ متبادلة بين عدد من الأفراد في المجتمع، والتي تكون مبنية على وجود تشابه في الأذواق، وعلى العِشرة الحسنة والمشاركة الوجدانية، فمن وجهة نظر أرسطو أن الصداقة تُورث عدداً من الأمور المهمة في الحياة، وهي الكَرم، ونكران الذات، والمَحبة غير المشروطة، وقد ربط أرسطو الصداقة بالسعادة البَحتة والكاملة، التي تساعد على تحديد العلاقة مع الذات ومع الناس بشكل عام، وخصوصاً مع الأشخاص الذين يمتلكون الصفات نفسها، حيث قال أرسطو عن الصداقة قوله الشهير: (لن يختار أحد حياة بلا أصدقاء ولو كان ذلك مقابل حُصوله على كل شيء آخر في العالم).[١]كما تكمن أهمية الصداقة لدى أرسطو بأنها تساعد على حماية الإنسان من الوقوع في الخطأ، وهي الملاذ الخاص للإنسان عند الشعور بالحزن أو الضعف، كما وقد أبدى أرسطو رأيه في أهمية الصداقة في المجتمع، حيث أشار إلى أنه ما إن تنتشر الصداقة الحقيقية المبنية على الحب، فسوف ينتشر العدل بالعالم أجمعه، فقال: (متى أحب الناس بعضهم البعض لم تعد حاجة إلى العدل غيرأنهم مهما عدلوا فإنهم لا غنى لهم عن الصداقة، وأن أعدل ما وجد في الدنيا بلا جدال هو العدل الذي يستمد من العطف والمحبة).[١]
قسّم أرسطو الصداقة إلى ثلاثة أقسام ألا وهي:[١]
(تُشتق كلمة الصداقة في اللغة العربية من الصِدق وهو عكس الكذب، صَدَقَ يَصْدُقُ صَدْقًا وصِدْقًا وتَصْادقًا، ويقال: صَدَقْتُ القوم. أي: قلت لهم صِدْقًا وتصادقا في الحديث وفي المودة).[٦] وقد قيل أيضاً بأن الصداقة تتلخص في اتفاق الأشخاص على المحبة والمودة، وأن تكون هناك منفعة متبادلة، وهذا الأمر الذي يساعد على التفريق بين الصاحب والقرين، حيث إن الصاحب هو ما عُرِّفَ باللغة العربية بأنه الحافظ، أما القرين فهو ما يمر على الشخص دون أن ينفعه.[٧]
ركّز ابن المقفّع في كتاب الأدب الكبير وخصوصاً فصل معاملة الصديق على تعريف الصداقة، بأنها من أهم وأثمن المكاسب الدنيوية، كما ذكر أهمية الصداقة بأنها الزينة للحياة الرغدة والعُدّة والعتاد عند الشِّدة، وذكر كيفية التعامل مع الصديق وآداب ذلك، نذكر منها:[٧]
يعتبر هذا الكاتب أحد أكثر الكتاب المتأثرين بأرسطو وآرائه عن الصداقة، حيث قد سار في كتاب تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق على خطى أرسطو الشهيرة، حيث قام في تقسيم الصداقة إلى ثلاثة أنواع ألا وهي:[٧]