-

ما المقصود بقهر الرجال

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

لجوء العبد إلى الله تعالى

تمرّ على الإنسان في حياته أوقاتٌ صعبةٌ عصيبةٌ، يشعر خلالها بالوهن والضّعف، ويخيّم عليه شيءٌ من الحزن والمقت بسبب ذلك، فحتّى الرّسول -عليه السّلام- نزلت به الشّدائد والمصائب، لكنّه ما وهن وما ضعف، بل توجّه إلى الله سبحانه بالدّعاء والضراعة أن يكشف ما أهمّه، ولقد علّم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه والمؤمنين ذلك، إذ إنّ العبد المؤمن الحقّ هو من يلتجئ إلى ربّه سُبحانه في سائر أحواله، فيدعوه ويرجوه؛ ليخفّف عنه ما أصابه، فكان ممّا ورد في صحيح البخاري عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- الدّعاء بقوله: (اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِنَ الهمِّ والحَزَنِ، والعَجزِ والكسَلِ، والجُبنِ والبُخلِ، وضَلَعِ الدَّينِ، وغَلبةِ الرِّجالِ)،[1] وقد اختصّ الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- التعوّّذ بالله من الهمّ والحزن؛ لأنّهما يقذفان في قلب المسلم الوهن واليأس؛ فيضيق صدره وتتنغّص حياته، فكان لا بدّ من الالتجاء إلى الله تعالى ليكشفها، وإنّ من تمام النّعيم الذي ينعم الله به على عباده المؤمنين في الجنّة أن يخلصّهم من الهمّ والحزن، قال تعالى على لسان المؤمنين في الجنّة: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ۖ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).[2][3]

المقصود بقهر الرّجال

كان ممّا استعاذ منه الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- وعلّم المسلمين التعوّذ منه: قهر الرّجال، وقهر الرّجال ليست حالةً مرضيّةً تستدعي تدخّلاً علاجيّاً لشفائها، ولكنّها ضيقٌ في الصّدر وكدرٌ يعتري الإنسان بسبب ظروف الحياة ومشاقّها، والمقصود بقهر الرّجال؛ أن يصل المرء إلى حالةٍ يعجز فيها عن جلب المنفعة والخير لنفسه، أو قدرته على دفع الضّرّ عن نفسه وأهله، وقد يلحق به بسبب ذلك مجافاة الأقارب وشماتة الأعداء؛ ممّا يولّد الهمّ الذي يضيق الصّدر به وتفقد به النّفس طيب العيش.[4]

أذكار واردة عن رسول الله

وردت عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بعض الأدعية للمكروب والمهموم يدعو بها؛ ليشكف الله تعالى ما أهمّه، وقد أوضح الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ المسلم ينبغي أن تكون الآخرة هي همّه الحقيقيّ، فلا يأسف على الدّنيا فيذهب نفسه عليها حسرات، بل يعلم أنّ الدنيا ستمرّ وتزول فلا يجب أن تشغله عن حقيقة الهمّ الذي عليه؛ وهو الآخرة، وقد قال -صلّى الله عليه وسلّم- ليوضّح حقيقة هذا الأمر لأصحابه: (من كانت الدنيا همَّه فرَّق اللهُ عليه أمرَه، وجعل فقرَه بين عينيْه، ولم يأتهِ من الدنيا إلا ما كُتب له، ومن كانتِ الآخرةُ نيتَهُ جمع اللهُ له أمرَه، وجعل غناه في قلبِه، وأتته الدنيا وهي راغمةٌ، ومن كانت الدنيا همَّه جعل اللهُ فقرَه بين عينيه، وفرَّق عليه شملَه، ولم يأتِه من الدنيا إلا ما قُدِّر له)،[6] فكان هذا شيئاً من طمأنةِ المسلم أنّ الدّنيا إذا اهتمّ بها المسلم واغتمّ كان تحصيله منها أقلّ مما لو كانت آخر همومه، وجعل الآخرة هي همّه الحقيقيّ ومحطّ أنظاره دائماً، ولا يخفى أنّ من طبيعة الحياة أنّ تكون الهموم والغموم ملازمةً لبعض أيامها، تكدّر صفوها وطمأنينتها بين الحين والآخر؛ لذلك وردت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أدعيةٌ يدعو به المسلم إذا أصابه الهمّ والغمّ، ومن هذه الأدعية:[3][7]

  • وصيّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لمن أصابه الهمّ والكرب أن يدعو كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه أبو بكر -رضي الله عنه- بقوله: (اللَّهمَّ رحمتَكَ أرجو فلا تكِلْني إلى نفسي طرفةَ عينٍ وأصلِحْ لي شأني كلَّه لا إلهَ إلَّا أنتَ).[8]
  • ما رواه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قوله: (ما قال عبدٌ قطُّ إذا أصابه هَمٌّ أو حُزْنٌ: اللَّهمَّ إنِّي عبدُكَ ابنُ عبدِكَ ابنُ أَمَتِكَ ناصِيَتي بيدِكَ ماضٍ فيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فيَّ قضاؤُكَ أسأَلُكَ بكلِّ اسمٍ هو لكَ سمَّيْتَ به نفسَكَ أو أنزَلْتَه في كتابِكَ أو علَّمْتَه أحَدًا مِن خَلْقِكَ أوِ استأثَرْتَ به في عِلمِ الغيبِ عندَكَ أنْ تجعَلَ القُرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ بصَري وجِلاءَ حُزْني وذَهابَ همِّي إلَّا أذهَب اللهُ همَّه وأبدَله مكانَ حُزْنِه فرَحًا، قالوا: يا رسولَ اللهِ ينبغي لنا أنْ نتعلَّمَ هذه الكلماتِ؟ قال: (أجَلْ، ينبغي لِمَن سمِعهنَّ أنْ يتعلَّمَهنَّ).[9]
  • ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان يقول عند الكرب كذلك: (لا إلهَ إلا اللهُ العظيمُ الحليمُ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ العرشِ العظيمِ، لا إلهَ إلا اللهُ ربُّ السماواتِ وربُّ الأرضِ، وربُّ العرشِ الكريمِ).[10]
  • علّم رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أسماء بنت عُميس أحد أدعية كشف الكرب، فقال لها: (ألا أعلِّمُكِ كلِماتٍ تَقولينَهُنَّ عندَ الكَربِ أو في الكَربِ؟ اللَّهُ اللَّهُ ربِّي لا أشرِكُ بِهِ شيئًا).[11]

المراجع

  1. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 6369 ، صحيح.
  2. ↑ سورة فاطر، آية: 34.
  3. ^ أ ب "اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-13. بتصرّف.
  4. ↑ "قهر الرجال.. كيف تتجنبه و كيف تتخلص منه "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-13. بتصرّف.
  5. ↑ "ما المقصود بـ ( قهر الرجال ) الوارد في الحديث ؟"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-13. بتصرّف.
  6. ↑ رواه الدمياطي، في المتجر الرابح، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم: 334 ، إسناده صحيح.
  7. ↑ "الذكر عند الكرب والهم"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-13. بتصرّف.
  8. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي بكرٍ الصّدّيق، الصفحة أو الرقم: 970 ، صحيح.
  9. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 972، صحيح.
  10. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 6346 ، صحيح.
  11. ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أسماء بنت عميس، الصفحة أو الرقم: 1525 ، صحيح.