-

ما هي حادثة الافك

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

عائشة أمّ المؤمنين

فضّل الله -تعالى- زوجات نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، فكان من تكريمهنّ ذكرهنّ في القرآن الكريم، وجعلهنّ أمّهاتٍ للمؤمنين؛ رفعةً لمنزلتهنّ وقدرهنّ عند المسلمين، ولقد فُضّلت عائشة -رضي الله عنها- عن غيرها من زوجات النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكرّمت من عند الله تعالى، ومن رسوله عليه الصلاة والسّلام، فإنّ أمر زواج نبيّ الله -صلّى الله عليه وسلّم- من عائشة كان من عند الله تعالى؛ إذ قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (أُرِيتُكِ قبلَ أن أتزوجَكِ مَرَّتَيْنِ، رأيتُ المَلَكَ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ من حريرٍ، فقلتُ له: اكْشِفْ، فكشف فإذا هي أنتِ، فقلتُ: إن يَكُنْ هذا من عندِ اللهِ يُمْضِهِ، ثمّ أُرِيتُكِ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ من حريرٍ، فقلتُ: اكْشِفْ، فكشف، فإذا هي أنتِ، فقلتُ: إن يَكُ هذا من عندِ اللهِ يُمْضِهِ)،[1] وفيها قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (فضلُ عائشةَ على النِّساءِ كفضلِ الثَّريدِ على سائرِ الطَّعامِ)،[2] وكانت عائشة -رضي الله عنها- أحبّ الخَلق إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.[3]

حادثة الإفك

وقعت غزوة يُقال لها غزوة المريسيع في السنة السادسة أو الخامسة من الهجرة، وكانت يومها عائشة -رضي الله عنه- في الخامسة عشر من عمرها،[4] وكان النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- إذا أراد الخروج في سفرٍ أقرع بين زوجاته، فخرج سهم عائشة -رضي الله عنها- فخرجت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبعد انتهاء الغزوة والجيش يستعدّ للعودة، وقد جمع الناس متاعهم، ابتعدت عائشة عن الجيش قليلاً؛ بُغية قضاء حاجتها، ثمّ بعد أن عادت وجدت قلادتها قد ضاعت، فعادت تبحث عنها، فلمّا رجعت وجدت أنّ الجيش قد سار وابتعد، وفي ذلك روت عائشة رضي الله عنها: (فتيممت منزلي الذي كنت فيه، وظننت أنّهم سيفقدوني فيرجعون إلي، فبينا أنا جالسةٌ في منزلي غلبتني عيني فنمت، وكان صحابيّ هو صفوان بن المعطل السلميّ يمشي خلف الجيش يتابع مسيره، ويتفقّد أحوال من تأخّر عنه، فوجد عائشة نائمةٌ فعرفها، فاسترجع صفوان فاستيقظت على صوته، فتقول عائشة: فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما تكلّمنا بكلمةٍ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه، وهوى حتى أناخ راحلته، فوطأ على يدها، فقمت إليها فركبتها، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش).[5]

وكان ممّن رأى مجيء عائشة -رضي الله عنها- مع صفوان منافقٌ يُدعى عبد الله بن أبيّ بن سلول، فعندما رآهما نازلين أشاع خبراً كذباً: أنّ صفوان قد فعل الفاحشة بعائشة رضي الله عنها، وهو الإفك الذي أثير حولها، وهي منه بريئةٌ، ومعنى الإفك الكذب والافتراء،[6] فكان هذا كذباً لا أساس له ولا استبيان، وقد أنزل الله -تعالى- تبرأةً لأمّ المؤمنين عائشة في آياتٍ تُتلى إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ)،[7] فكان وصف الله -تعالى- له أنّه إفكٌ عظيمٌ.[5]

عندما وصل المسلمون المدينة، مرضت عائشة -رضي الله عنها- مرضاً شديداً أقعدها في فراشها شهراً كاملاً، فلم تكن تخرج أو ترى الناس من حولها، ولم تعلم بما يُقال عنها، إلّا متأخّراً بعد شفائها، لكنّها كانت تشعر أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد جافاها قليلاً، ولم تكن تعرف سبب ذلك، وقد علمت عائشة الأخبار عندما خرجت بعدما اقترب شفاؤها خرجت مع أمّ مسطحٍ لحاجتهما، وبينما هما تمشيان إذ عثرت أم مسطح بثوبها، فقالت: تعس مسطح، فقالت لها عائشة: بئس ما قلت، أتسبين رجلاً شهد بدراً؟ فقالت لها أمّه: أولم تسمعي ما قال مسطح فيك؟ فقالت: لا والله، فأخبرتها بخبر الحادثة، ولم تكن تعلم به من قبل، فقالت أنّها ازدادت مرضاً إلى مرضها، وعرفت ما كان.[5]

حال عائشة بعد معرفتها الخبر

حين عملت عائشة -رضي الله عنها- بما قيل فيها، استأذنت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أن تمرَض في بيت أهلها، فأذن لها، وكانت تريد أن تستبين الخبر من والدتها ووالدها، فأخبرتها والدتها بكلّ ما كان، فتقول عائشة أنّها لم تنم ليلتها، حتى أصبحت باكيةً لا تدري ما تفعل، وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- وهو في تلك الحال أيضاً قد تأخّر عنه الوحي، فشاور أصاحبه فيما يفعل، هل يترك زوجته عائشة أم يبقيها، ثمّ صعد إلى منبره، فقال: (يا معشرَ المسلمين، مَن يَعْذُرُني مِن رجلٍ قد بلَغَني عنه أذاه في أهلي، واللهِ ما علمتُ على أهلي إلّا خيراً، ولقد ذكروا رجلاً ما علمتُ عليه إلّا خيراً وما يَدْخُلُ على أهلي إلّا معي)،[8] فضجّ الناس؛ كلٌّ يريد أن يرضي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولو بضرب رقاب بعضهم بعضاً، فأسكتهم رسول الله وقد أهمّه ما أهمّه، وأمّا عائشة -رضي الله عنها- فلا تزال على حالها لا تسكن لها دمعة.[5]

ظلّت عائشة على هذا الحال ليلتين أُخريين حتى جاء رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عندها، يقول لها: (أمّا بعد، ياعائشة، إنّه بلغني عنكك كذا وكذا، فإن كنت بريئة، فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب، فاستغفري الله وتوبي إليه، فإنّ العبد إذا اعترف ثمّ تاب، تاب الله عليه)،[8] فاضطربت عائشة بعد هذا الكلام، وقلّص دمعها، وأجابت: وأنا جارية حديثة السّنّ لا أقرأ من القرآن كثيراً: إنّي والله لقد علمت: لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقرّ في أنفسكم، وصدّقتم به، فلئن قلت لكم: إنّي بريئة، لا تصدقوني، ولئن اعترفت لكم بأمر، والله يعلم أنّي منه بريئة، لتصدقني، ثمّ اضطجعت على فراشها تبكي، فحينئذٍ ولم يكن أحدٌ قد فارق مكانه إذْ نزل جبريل -عليه السّلام- بآياتٍ ببراءة السيدة عائشة رضي الله عنها، وتنهي الابتلاء الذي مرّ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.[5]

ما إن نزل جبريل -عليه السّلام- بالآيات، حتى بشّر الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- عائشة أن جاءتها البُشرى من السّماء، وتقول عائشة رضي الله عنها: والله ما كنت أظنّ أنّ الله منزل في شأني وحياً يُتلى، لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلّم الله في بأمر، ولكنّي كنت أرجو أن يرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في النوم رؤيا يبرئني الله بها، لكنّ الله -تعالى- قد جعل تبرأتها في آياتٍ كريمة في كتابه العظيم.[5]

المراجع

  1. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 7012، صحيح.
  2. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3770، صحيح.
  3. ↑ صلاح الدق (20-11-2017)، "زوجات نبينا صلى الله عليه وسلم وحكمة تعددهن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-5-2018. بتصرّف.
  4. ↑ "حادثة الإفك: وقتها وعمر عائشة حين رميت بها"، fatwa.islamweb.net، 6-10-2012، اطّلع عليه بتاريخ 17-5-2018. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ت ث ج ح "تفاصيل قصة الإفك"، fatwa.islamweb.net، 31-3-2003، اطّلع عليه بتاريخ 17-5-2018. بتصرّف.
  6. ↑ "معنى كلمة الإفك"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-5-17. بتصرّف.
  7. ↑ سورة النور، آية: 11.
  8. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4141، صحيح.