خلق الله سبحانه وتعالى الخلق، وجعل لكلّ شيءٍ زوجين اثنين ذكراً وأنثى، وكانت نشأة البشريّة كذلك من زوجين ذكر وأنثى بعد أن خَلقَ الله سبحانه وتعالى آدم من طين، ثمّ خَلق من زوجه حوّاء، ثمّ بدأ التناسل في الأرض بعد أن نزَل آدم وحواء إلى الأرض، وكان التناسُل والتكاثر الناشئ بطريق النكاح الشرعي هو السبيل الوحيد المُعتبر شرعاً لحفظ النسل البشري.
كان النّكاحُ مَشروعاً ومُتعارَفاً عليه منذ عهد آدم عليه السلام، مع اختلاف تفاصيله في كلّ عهدٍ وكلّ عصرٍ عن العصور الأخرى لاعتباراتٍ يختصّ بها ذلك العصر، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشأن النكاح في الجاهلية وكيفيته: (أَنَّ النِّكَاحَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ الْيَوْمَ يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوْ ابْنَتَهُ فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا وَنِكَاحٌ آخَرُ كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا أَرْسِلِي إِلَى فُلَانٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلَا يَمَسُّهَا أَبَدًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الْوَلَدِ فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الِاسْتِبْضَاعِ وَنِكَاحٌ آخَرُ يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا تَقُولُ لَهُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدْ وَلَدْتُ فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلَانُ تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ وَنِكَاحُ الرَّابِعِ يَجْتَمِعُ النَّاسُ الْكَثِيرُ فَيَدْخُلُونَ عَلَى الْمَرْأَةِ لَا تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا وَهُنَّ الْبَغَايَا كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا وَدَعَوْا لَهُمْ الْقَافَةَ ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ فَالْتَاطَ بِهِ وَدُعِيَ ابْنَهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ هَدَمَ نِكَاحَ الْجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ الْيَوْمَ ").[1]
النكاح مصدر نَكَحَ، وَالنِّكَاح: كِنَايَة عَن الجِمَاع، نَكَحَهَا وأنكحها غَيره، يُقَال: نكح ينْكح نكحاً ونكاحاً وأنكح فلَان فلَاناً إنكاحاً إِذا زوَّجه، وأنكح فلَانا فِي بني فلَان مَاله إِذا زوّجوه من أَجله، وأنكح موت فلَان بَنَاته فِي بني فلَان إِذا زوجن بِغَيْر أكفاء.[2] ويأتي النكاح بمعنى الارتباط، ويطلق على كل واحد من الزوجين اسم زوج إذا ارتبطا بعقد نكاح.[3]عقد الزواج اصطلاحاً: هو عقدٌ يتَضَمَّن إِبَاحَة وَطْءٍ بِلَفْظ إنكاح أَو تَزْوِيج أَو بترجمته.[4]
معلومٌ أنّ الشّريعة الإسلاميّة جعلت لكلّ عقدٍ من العقود المالية أو عقود التوثيقات كالزواج وغيره مجموعةٌ من الأركان والشّروط فلا يجري العقد إلا بها، وإن فُقِد أحد تلك الأركان فإنّ العقد سيكون باطلاً لا أثر له ولم ينبني علي شيءٌ من الأحكام الشرعية، ومنها ما يجعله فاسداً، ويجب إتمام ذلك الرّكن أو تصويب ما وقع به من خطأ حتى يقع العقد صحيحاً، ولعقد الزّواج خمسةُ أركانٍ عند فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة، وركنٌ واحدٌ فقط عند فقهاء الحنفية، وفيما يلي بيانٌ لذلك:
تَنقسم الشُّروط إلى ثلاثة أقسامٍ: شُروطُ انعقادٍ، وشُروط نَفاذٍ، وشُروطُ جَواز، وقد اتَّفق الفقهاء على هذه الشُّروط بما في ذلك الحنفيّة الذين لا يعتَبرون من أركان عقد النِّكاح إلا الصّيغةَ، حيث عَدّوا هذه الشّروط مُندرجةً تحت الشُّروط الأصليّة التي هي أركانٌ عند المالكيّة والشافعيّة والحنابلة، بينما عدَّها الجمهور شُروطاً مُستقلَّة لعقد النِّكاح.
أما شرائِط الانعِقاد فهي التي لا يَنعَقد الزَّواجُ إلا بها، وهي نوعان: نَوعٌ يرجِعُ إلى العاقِد وهو العَقْلُ، فلا يَنْعَقِدُ نِكاح المَجْنون والصَّبي الذي لا يَعْقِل؛ لأنّ العقل من شرائط الأهليّة. ونَوعٌ يرجِع إلى مَكان العقد وهو اتّحاد المجلس إذا كان العاقدان حاضِرَيْن، وهو أن يكون الإيجاب والقبول في مجلسٍ واحد، فإذا اختَلَفَ المَجْلس لا يَنْعَقد النِّكاح، فإن كانا حاضِرَين فأوجب أحَدُهُما فَقام الآخر عن المَجْلِس قَبل القَبول، أو اشتغل بِعَمَلٍ يوجِبُ اختلاف المَجلس لا يَنْعَقد؛ لأنّ انعقاده عبارة عن ارتباط أحد الشّرطين بالآخر.
أمّا شَروطُ الجَواز والنَّفاذ فمنها: أن يكون العاقِد بالِغاً؛ فإنّ نِكاح الصَّبي العاقِل وإن كان مُنعَقداً فهو غَير نَافِذ، بل نَفاذُهُ يَتَوَقّف على إجازَة وَليِّه، ولا يتوقّف على بُلوغِه حتى ولو بَلَغ قَبل أن يُجيزَهُ الوَليُّ لا يَنفَذ بالبلوغ.[13]