ما معنى الفلسفة لغة واصطلاحاً
مفهوم الفلسفة
الفلسفة لغةً
الفلسفة لفظةٌ يونانيّة معرّبة، مكوّنة من قسمين؛ فيلو وتعني: المحبة، وصوفيا وهي: الحكمة؛ فالمعنى الاشتقاقي هو: حب الحكمة، ويرجّح بعض المؤرّخين أنّ أصل هذا اللفظ جاء من الفيلسوف اليوناني فيثاغورس، حين سأله طاغية المدينة: من أنت ؟ فأجاب: أنا فيلسوف، ويرى آخرون أن أصله يعودُ إلى سقراط؛ الذي وصف نفسه بالفيلسوف؛ رغبةً منه في تمييز نفسه عن مدّعيّ الحكمة.
الفلسفة اصطلاحاً
اتّخذت لفظة الفلسفة معنىً اصطلاحياً تطوّر استخدامه عبر العصور، فصارَ يدلُّ على التفكيرِ فيما وراء الواقع والظاهر، والتأمّل فيما وراء الجزئيّات والمظاهر؛ فالفلسفة إذاً نشاطٌ عقليّ، وهذا المعنى العام للفلسفة؛ إذ من المستحيل وضع تعريف شامل موحّد للفلسفة، لأنها ليست بالعلم الثابت المبنيّ على الحقائق والتجارب، إنّما هي أسلوب ومنهج حياة، تعتمد في أفكارها على طبيعة العصر والخبرة الإنسانيّة والثقافة السّائدة، فوضعَ -ولا يزال- كلّ فيلسوفٍ تعريفًا لها حسب المذهب أو المدرسة التي ينتمي إليها.
الفلسفة عبر العصور
اختلفَ معنى الفلسفة ومجال البحث الفلسفيّ عبر العصور؛ ففي الفلسفة اليونانيّة يمكننا إيراد مفاهيم بعض الفلاسفة:
- سقراط: هي البحث الفعلي عن حقائق الأشياء المؤدية إلى الخير، وهي تبحثُ في الكائنات الطّبييعية ونظامها ومبادئها وعلّتها الأولى.
- أفلاطون: هي البحث عن حقائق الموجودات ونظامها الجميل، لمعرفة المُبدع الأول وهي تتربّع على جميع العلوم.
- أرسطو: هي العلم العام وإليه تعود موضوعات العلوم كلّها؛ فهي معرفة الكائنات وأسبابها ومبادئها وعلّتها الأولى.
- أبيقور: هي السّعي إلى حياة السعادة باستعمال العقل.
برزت في الفلسفة الحديثة مفاهيم أخرى، فعرّفها ديكارت على أنها: العلم باالمبادئ الأولى، وشبّهها بشجرةٍ جذورها علم ما بعد الطّبيعة، وجذعها علم الطّبيعة، وفروعها بقيّة العلوم، وقال بيكون: إنها تفسير وصفيّ للكون عن طريق الملاحظة والتّجربة بقصد السيطرةِ على الطبيعة والتّحكّم بمواردها. لم يختلف كثيرًا مفهوم الفلسفة لدى الفلاسفة المسلمين فعرّفها الكندي بأنها: علم الأشياء الأبديّة بكلياتها وأنيّاتها وماهيّاتها، والفارابي بأنها: العلم بالموجودات بما هي موجودة، أمّا ابن سينا فقال إنّها: استكمال النفس البشريّة بمعرفة حقائق الموجودات على ما هي عليه بقدر الطّاقة البشريّة.
أهمية الفلسفة
عُرفَت الفلسفة لعصورٍ طويلة بأنّها أمّ العلوم وأصل المعرفة، فكانت شاملةً لكلّ العلوم والمعارف آنذاك. اختلفَ مجال الفلسفة وأهدافها مع اختلاف العصو -كما أسلفنا بالذكر- وتطوّر العلم؛ ففي العصور القديمة كانت تبحثُ في طبيعة الأشياء والموجودات، ثمّ صار هدفها التوفيق بين العقل والنقل، أمّا في العصر الحديث فقد اهتمت بتحسينِ الواقع الاجتماعي وتحرير الإنسان من قيودِ الطبيعة والمجتمع، فصارت وسيلةً للارتقاء بالإنسان، واستقلت العلوم عن الفلسفة، بتأثير تطوّر العلم واعتماده على الملاحظة والمنهج التجريبي، فبرزت الحاجة إلى استقلال العلومِ وانسلاخها عن الفلسفة. رغم هذا فحتى اليوم لا زالت بعضُ العلوم مرتبطةً ارتباطاً وثيقاً بالفلسفة، كالقانون وعلم النفسِ والمنطق وعلم الاجتماع والسياسة.
أدّى التطور والقفزة العلمية العظيمة إلى فقدانِ الفلسفة لمركزها بين العلوم، وشاعَ بين العوام أنها فقدت مبرّر وجودها، بعدما تقاسمت العلوم أهدافها، فأعلن البعض موت الفلسفة، لكن ما إن خبا الحماس للعلم، وظهرت مشاكل كبيرة نتيجة الإفراط في تمجيد العلوم واعتبارها الحل الأمثل لكلّ مشكلات الإنسان، هنا عادت الفلسفة للظهور وبرزت الحاجة لها، ربما أكثر من أيّ وقتٍ مضى.
إنّ الفلسفة تدعو إلى إعمال العقل، فتكشفُ الأوهام وتعرّي الخرافات، فتضمن بذلك جاهزيّة المُجتمع لتقبّل نتاج التقدم العلمي والمضي فيه، كما أنّها تُعالجُ جميع جوانب الشخصيّة الإنسانية على عكسِ العلوم الماديّة التي تُهمل الجوانب الروحية والأخلاقية، هذا يعني أنّها ضروريّة ولازمة الوجود للحفاظ على الأخلاق وتماسُك المجتمعات.
تنويه
لو نظرنا للحضارت السالفة، لوجدنا الفلسفة أساساً في ازدهارها وقوّتها، فالنّاظر إلى عصور الظلام الأوروبية يعلمُ أنّ الفلسفة كانت غائبةً أو مُغيّبة آنذاك، وأنّ نهضتها قامت بعودةِ الفلسفة وبروز فلاسفة التنوير جنباً إلى جنب مع العلماء، فلا يُمكن للحضارات الاستمرار والازدهار دون نشر التفكير المستند إلى العقل الذي هو أساس وغاية الفلسفة.