-

ما معنى حديث مرفوع

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

منزلة الحديث في التّشريع

السنّة النبويّة المطهّرة هي المصدر الثاني من مصادر التشّريع الإسلاميّ بعد القرآن الكريم، وهي الشّارحة والمفصّلة لأحكام القرآن، وهي المُبيّنة لأصول العبادات وشروطها، وكثيراً ما تأتي السنّة مؤكدّة لمعاني القرآن الكريم، وأحياناً تُضيف أحكاماً جديدة لمْ يرد ذكرها في القرآن، والإيمان بالسنّة والعمل بمقتضاها واجب، وقد اهتمّ العلماء قديماً وحديثاً بالأحاديث النبويّة اهتماماً كبيراً، واعتنى رجال الحديث بصحّة الأحاديث من حيث سندها ومتنها، حيث قاموا بتدوينها وحفظ مصادرها، وذلك نقلاً عن الرّواة الثّقات العُدول، ونتيجة هذه العناية ظهرت علوم متعلّقة بالحديث الشّريف؛ مثل: علم الجرح والتّعديل، وعلم الرّجال ودراسة الأسانيد وغيرها من العلوم، وظهرت تقسيمات لأنواع الحديث لاعتبارات مختلفة؛ منها: أنواع الحديث من حيث نسبته إلى قائله، فما هو الحديث المرفوع، وما هي أنواعه؟

معنى الحديث المرفوع وحُكْمه

معرفة معنى الحديث المرفوع عند أهل الحديث، والكشف عن منزلته حسب نسبته إلى قائله، وبيان حُكْم الاحتجاج به يضع الباحثين أمام حقائق يتسطيعون من خلالها الولوج في باقي مسائله وتفصيلاته ودقائقه عند أهل الحديث:

  • معنى الحديث المرفوع: هو كلّ ما يُنسب إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، سواءً كانت هذه النّسبة قولاً قاله، أو فعلاً فعله، أو أمراً أقّره، أو صفة من صفاته، ويبقى الحديث مرفوعاً سواءً أكان الذي رفعه للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- صحابيّ أو تابعيّ أو غيرهما، وهو مرفوع باتّصال السّند وانقطاعه.[1]
  • علاقة الحديث المرفوع بالسّند: يجدر الانتباه إلى أنّ كلّ حديث نُسِب إلى النبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- يأخذ اسم الحديث المرفوع؛ بالنّظر إلى عين المتن دون السّند، فلا علاقة بين المتن والسّند في مصطلح الحديث المرفوع وإنْ فقد راويه من الصّحابة سلسلة الإسناد،[2] إّلا أنّ الإمام الحافظ أبو بكر اشترط لتسّمية الحديث بالمرفوع إخبار الصّحابيّ دون غيره، فلا يُعدّ الحديث مرفوعاً إنْ رواه تابعيّ أو غيره.[3]
  • حُكْم الاحتجاج بالحديث المرفوع: الحديث المرفوع صفة للحديث لا تُوجب صحّةً ولا ضعفاً؛ بمعنى أنّ رفع الحديث للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- ليس سبباً للحُكْم بصحّته، فقد يكون المرفوع مُرسلاً إذا سقط من رواه من الصّحابة، وقد يكون منقطعاً، وقد يكون مُعضلاً، وحينئذٍ يُحكم عليه بالضّعف، والحُكْم بصحّته يلزم اتّصال السّند من أوّله إلى منتهاه، ثمّ ثبوت درجة رجاله من الرّواة، والانقطاع سبب كافٍ لإدارج الحديث المرفوع في أبواب الأحاديث الضعيفة، ولكنّ درجة الضّعف يُحكم عليها تبعاً لنوع الانقطاع، وإذا ثبت اتّصال سنده يكون صالحاً لوصفه بالصّحيح أو بالحسن، وذلك بعد إنزال رواته على شروط الصّحة المعتبرة عند علماء الحديث،[2] أمّا حكم الاحتجاج به فأهل الأصول وعلماء الحديث متّفقون على أنّه صالح للاحتجاج بتوفّر شروط الحديث الصّحيح أو الحديث الحسن فيه.[4]

منزلة الحديث المرفوع من حيث قائله

يأتي الحديث المرفوع في المرتبة الثّانية من حيث نسبته إلى من قال به، ويحتلّ الحديث القدسيّ المرتبة الأولى؛ لأنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- رفع نسبته إلى الله تعالى، وبعد الحديث المرفوع يأتي الحديث الموقوف الذي أُسنِد إلى الصحابيّ قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو صفه، واشترط الحاكم -رحمه الله- في الحديث الموقوف أن يخلو من الإرسال والإعضال، وبعد الموقوف في المرتبة يأتي الحديث المقطوع الذي نُسب إلى التابعيّ، ويُطلق عليه الأثر.[5]

أقسام الحديث المرفوع

إنّ للحديث المرفوع عدّة أحوال عند علماء الحديث نشأت تبعاً لتعريفه، حيث ينقسم إلى قسمين: المرفوع صراحةً، والمرفوع حُكماً،[6] وبيان ذلك فيما يأتي:

الحديث المرفوع صراحةً

ينقسم الحديث المرفوع صراحةً إلى عدّة أقسام كالآتي:[4]

  • القول المرفوع صراحةً: كالقول الذي رفعه عمر بن الخطّاب رضي الله عنه؛ حيث قال: سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول: (إنّما الأعمال بالنيّات، وإنّما لكلّ امرئ ما نوى).[7]
  • الفعل المرفوع صراحةً: مثل إخبار عائشة -رضي الله عنها- عن صلاة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في التّطوع: (ما كان يزيدُ في رمضانَ ولا في غيرِه على إحدى عشْرةَ ركعةً).[8]
  • التقرير المرفوع صراحةً: من الأمثلة عليهح أنّ عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أصابته جنابة وهو في غزوة ذات السلاسل، وكان في ليلةٍ باردةٍ شديدة البرد؛ فلم يغتسل، وإنّما توضأَ وتيمّم وصلّى بالنّاس، ولمّا رجع بمن معه إلى المدينة سأل النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وقال: (إنّي خشيتُ على نفسِي وتأوَّلت قولَ اللهِ سبحانَه: وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكم إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكم رَحِيماً فتبسَّم النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ولم يقلْ له شيئاً، ولم يأمرْه بالإعادةِ).[9]
  • الحال المرفوع صراحةً: حيث تصف الرّواية حالاً من أحوال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ فقد دخل أعرابيّ مرّة إلى مسجد رسول الله، فقال: (أيكم محمد؟) قالوا: (هذا الرجلُ الأبيضُ المُتَّكِىءُ).[10]
  • الصفة الخَلْقِية المرفوعة صراحةً: حيث تُنسب الرّواية المرفوعة صفة من خِلْقَة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ومثال ذلك: قول البراء بن عازب رضي الله عنه: (كان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أحسنَ الناسِ وجهاً، وأحسنهم خَلقاً، ليسَ بالطَّويلِ البائِنِ، ولا بالقَصير).[11]
  • الصّفة الخُلُقية المرفوعة صراحةً: حيث تًنقل صفة من أخلاق النبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ ومثال ذلك في الحديث المرفوع: (خيرُكم خيرُكم لأهلِه، وأنا خيرُكم لأهلي).[12]

الحديث المرفوع حُكْماً

الحديث المرفوع حُكماً هو حديث موقوف على الصحابيّ؛ ولكنّ جاءت القرينة لتدلّ على أنّ أصل نسبته إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وينقسم إلى خمسة أنواع:[4]

  • ما سكت عنه النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من أفعال الصّحابة الكرام بغير حضرته، مثل: مسألة العزل في الجماع، حيث قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (كنَّا نعزلُ على عهدِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- والقرآنُ ينزلُ).[13]
  • ما جاء عن الصحابيّ بصيغة تحملُ أمراً أو نهياً بالفعل المبنيّ للمجهول، مثل القول: إنّا أُمرنا بكذا، أو كنّا نُهينا عن كذا، فالاحتمال الرّاجح عند العلماء أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هو الآمر أو النّاهي، ومثاله في الأمر قول عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما: (أُمرْنا أن نكِّلمَ النَّاسَ على قدرِ عقولِهم)،[14] ومثال النّهي قول أمّ عطيّة رضي الله عنها: (نُهِينا عن اتباعِ الجنائزِ، ولم يُعْزَمْ علينا).[15]
  • ما قاله الصحابيّ في أمرٍ لا مجال للاجتهاد فيه، ومثاله: قول حذيفة رضي الله عنه: (يا معشرَ القُرّاءِ استقِيموا، فقد سُبِقتُم سبقاً بعيداً، فإن أخذتم يميناً وشمالاً، لقد ضللتُم ضلالاً بعيداً)،[16] ويشترط علماء الحديث أن يكون الصحابيّ غير معروف بالرواية عن أهل الكتاب؛ حتى لا تختلط الرواية بما يُنسب إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
  • ما أخبر التّابعيّ عن الصحابيّ أنّه رفعه للنبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أو بلّغ به، أو يصف الرّواية بالرّفع، ومثاله: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: (بينما كلبٌ يُطِيفُ برَكيَّةٍ، كاد يقتُلُه العطشُ، إذ رأَتْه بغيٌّ من بغايا بني إسرائيلَ، فنزَعَت مُوقَها، فسَقَتْه فغُفِر لها به).[17]

المراجع

  1. ↑ محمود طحان (2004)، تيسير مصطلح الحديث (الطبعة العاشرة)، مكتبة المعارف، صفحة 160. بتصرّف.
  2. ^ أ ب صبحي الصالح (1984)، علوم الحديث ومصطلحه (الطبعة الخامسة عشر)، بيروت: دار العلم للملايين، صفحة 217. بتصرّف.
  3. ↑ عثمان ابن الصلاح (1986)، مقدمة ابن الصلاح، سوريا: دار الفكر، صفحة 45. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت هشام المحجوبي ووديع الراضي (4-11-2013)، "أنواع المرفوع في علم مصطلح الحديث"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-3-2018. بتصرّف.
  5. ↑ محمد المنجد (23-8-2008)، "أقسام الحديث من حيث قائله"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 27-1-2018. بتصرّف.
  6. ↑ مركز الفتوى (27-8-2012)، "أنواع الحديث المرفوع"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-3-2018. بتصرّف.
  7. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1، صحيح.
  8. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 2613، أخرجه في صحيحه.
  9. ↑ رواه ابن باز، في مجموع فتاوى ابن باز، عن عمرو بن العاص، الصفحة أو الرقم: 200/10، ثابت.
  10. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 63 ، صحيح.
  11. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 3549، صحيح.
  12. ↑ رواه المنذري ، في الترغيب والترهيب، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 3/95، إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
  13. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 5208، صحيح.
  14. ↑ رواه الزرقاني، في مختصر المقاصد، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 162، حسن لغيره.
  15. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أمّ عطية نسيبة الأنصارية، الصفحة أو الرقم: 1278، صحيح.
  16. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن همام بن الحارث، الصفحة أو الرقم: 7282، صحيح.
  17. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3467، صحيح.