-

ما هو حكم اجهاض الجنين

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

كرامة النفس الإنسانية

قصدت الشريعة الإسلامية إلى حفظ ورعاية أمورٍ خمسةٍ، هي: الدّين والنفس والعقل والعرض والمال، وكان حظّ النفس الإنسانية وافراً، وجاءت كثير من النصوص الدينية تدعو لرعاية النفس الإنسانية على اعتبار أنها مكرّمة من الله، قال تعالى: (وَلَقَد كَرَّمنا بَني آدَمَ)،[1] حيث دعت التشريعات الناظمة للحياة إلى صيانة وحماية الإنسان، وشرّع الإسلام أحكاماً متعدّدةٍ تهدف إلى حفظ حقّ الإنسان في الحياة؛ فعدّ قتل النفس بغير حقٍّ إفسادٌ في الأرض عريضٌ، ورتّب على فعله عقوبة القصاص، بل إنّ الإسلام ذهب إلى أبعد من ذلك، عندما شرّع حقوقاً للجنين في بطن أمّه ترعى سلامته، وتؤمّن خروجه إلى العالم الرحب بأمانٍ؛ ليأخذ دوره المنوط به في مهمّة الاستخلاف في الأرض، فقد رخّص الشرع للأم -على سبيل المثال- في بعض العبادات التي يترتّب على القيام بها إلحاق ضررٍ به، ومن هنا فقد حرّم الإسلام قتل الجنين أو تعريضه للأذى، فهو جسدٌ يتخلّق، وخلاياه تتكاثر، وأعضاؤه تتشكّل، ومن حقّه أنْ يخرج إلى الحياة سالماً معافى، فما حكم سقط الجنين؟.

إجهاض الجنين حكمه وضروراته

حكم إجهاض الجنين في الشريعة الإسلامية يخضع لاعتباراتٍ عدّة، تضع حقّ الأم والجنين في الحياة من أولى أولوياتها.

حكم إجهاض الجنين

بيّن أهل الفقه المتقدّمين والمتأخرين هذه المسألة بشيء من التّفصيل، وبيان ذلك:[2]

  • الأدلة الشرعية متضافرةٌ في التأكيد على أنّ الأصل الثابت عند جميع الفقهاء هو احترام الحمل القائم، والمحافظة عليه، ومنع إجهاضه في جميع أطوار تخلّقه ونموه، المتقدّمة والمتأخرة، واستند الفقهاء في هذا الحكم على أدلة شرعية واستنباطات حكيمة، منها:
  • حكم إسقاط الحمل قبل الأربعين في طور النطفة مختلفٌ فيه بين المذاهب الفقهية، ومنهم من قال بجوازه إذا كان قبل نفخ الروح.
  • جمهور الفقهاء على أنَّ نفخ الروح يحصل بعد تمام مئةٍ وعشرين يوماً من بدء الحمل، وخالفهم في ذلك من ذهب إلى أنَّ نفخ الروح يكون بعد الأربعين الأولى، وأنّه لا يتجاوز اليوم الخامس والأربعين من مرحلة العلوق بالرحم، ويدعمون رأيهم بما وصل إليه علم الأجنّة في الطب المعاصر.
  • أجمع الفقهاء على حرمة الإجهاض بعد نفخ الروح، ونُقِل هذا الإجماع عن ابن جزري -رحمه الله- إذ قال: "وإذا قبض الرحمُ المنيّ لم يجز التعرض له، وأشدّ من ذلك إذا تخلّق، وأشدّ من ذلك إذا نُفخ فيه الروح، فإنَّه قتلٌ للنفس إجماعًا".
  • إن إجهاض الجنين قبل نفخ الروح متضمَّنٌ في عموم النهي الوارد في مسألة إهلاك النسل وإتلافه، ومستند ذلك قول الله -عزّ وجلّ- في سورة البقرة: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ).[3]
  • إنَّ نمو الجنين متحقّقٌ قبل نفخ الروح فيه، وهو بحالٍ لا يخلو فيها من نوع حياةٍ، والنطفة أصله، والعدوان على نموّها وتطوّرها عدوانٌ عليه، ولا يجوز ذلك.
  • استدلّ العلماء على تحريم إسقاط الحمل بعد نفخ الروح فيه بقول الله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ).[4]

يُقرّ علماء الفقه بأنّ الضرورات تبيح المحظورات، غير أنّهم أكّدوا على أنّ الضرورة تقدّر بقدرها، ولا يُتجاوز فيها أبعد من القدر الذي تندفع به، ومسألة إجهاض الجنين تخضع لهذا الفهم، ويبنى على ذلك ما يأتي:[2]

  • جاءت الشريعة الإسلامية بالتيسير ودفع الضرر ورفع الحرج في أحكامها، ومن هنا فقد جوّز العلماء في حالاتٍ استثنائيّةٍ وخاصَّةٍ جداً إسقاط الجنين، وحدّدوا شروطاً ضابطة لذلك، مثل أن تكون الأمّ الحامل معرَّضةً لهلاك محقّقٍ ينتج عن استمرار الحمل؛ فحينئذٍ يجوز استثناءً وضرورةً إجهاض الحمل القائم، ضمن شروطٍ معتبرةٍ.
  • إنّ الخشية من مشقّة تربية الأبناء، أو التخوّف من عدم قدرة الأب على كُلَفِ معيشتهم، أو رغبة الزوجين بالاكتفاء بما لديهم من الذُّريّة، كلّ ذلك ليس مسوّغاً للإجهاض، ويحرم تحت هذه الذرائع إسقاط الحمل حتى خلال الأربعين يوماً الأولى.
  • يحرم إسقاط الجنين إذا كان في مرحلة العلقة أو المضغة، إلا بقرارٍ من لجنةٍ طبيّةٍ مختصّةٍ وموثوقةٍ، تؤكّد أنّ استمرار الحمل يعني الخوف من هلاك أمّه، عندها يجوز الإسقاط بعد استنفاد الوسائل المانعة للخطر المحدق بالأمّ الحامل.
  • حرّم الفقهاء إجهاض الجنين بعد مضي أربعة أشهر على الحمل، إلا إذا قرّر جمعٌ من الأطباء الموثوقين والمختصين أنَّ موت الأم محقّقٌ باستمرار الحمل، وذلك من باب دفع أعظم الضررين؛ فحياة الأمّ وهي الأصل أولى من حياة الجنين وهو الفرع، وتقديماً لأعظم المصلحتين؛ ففي حياة الأم وجنينها مصلحةٌ، أما وقد تعذّر تحصيل المصلحتين كانت مصلحة الأمّ مقدّمةً على مصلحة الجنين.
  • مسألة الإجهاض من المسائل التي تتعدّد تفرّعاتها، وتختلف تفصيلات حالاتها، مثل مسألة الحمل الناتج عن زنا المحارم، ومن هنا يجب على المستفتي أن يراجع دُور الإفتاء المختصّة؛ للنّظر في ملابسات المسألة، وتمحيص ظروف الحمل وآثاره، وما يقدّم وما يؤخّر في الحكم الشرعي بما يحقّق المصلحة ويدرأ المفسدة.[5]

مراحل تخلّق الجنين في الرحم

يمرُّ خلق الجنين ونموه في رحم الأمّ بمراحل وتكويناتٍ، أتت النصوص الشرعيّة من القرآن الكريم والسنّة النبويّة على ذكرها، وأوضحها العلم الحديث من بعد، وتفصيل هذه المراحل على النحو الآتي:

  • جعل الله سبحانه خلق الإنسان يمرّ عبر مراحل وأطوارٍ متعدّدة، ابتداءً من كونه نطفةً علقَت في الرحم، ووصولاً إلى إتمام خلقته وتشكّل أعضائه في بطن أمّه، وقد وصف الله تعالى ذلك في تصوير دقيق؛ فقال سبحانه: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ، ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ، ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)،[6] وأكّد النبي -عليه الصلاة والسلام- على هذا فقال: (إنَّ أحدَكُم يُجمَعُ خلقُهُ في بطنِ أمِّهِ أربعينَ يومًا ثمَّ يَكونُ في ذلك عَلقةً مثلَ ذلِكَ ، ثمَّ يَكونُ مضغةً مثلَ ذلِكَ ، ثمَّ يرسلُ الملَكُ فينفخُ فيهِ الرُّوحَ ويؤمرُ بأربعٍ ، كلِماتٍ : بكَتبِ رزقِهُ وأجلِهُ وعملِهُ وشقيٌّ أو سعيدٌ)،[7][2] ويتّضح من الآية والحديث السابقين أنّ عملية خلق الإنسان تمرّ بمراحل متدرجةٍ، تنتهي بتشكّل الإنسان كامل الخلقة، وهذه المراحل بمجموعها تسمّى مرحلة ما قبل الولادة، حيث إنّ هذه المرحلة تمرّ بالخطوات الآتية:[8]
  • مرحلة البويضة المخصبة قبل الزرع: وفي هذه الفترة تقذف الحيوانات المنوية أمام عنق الرحم في فترة التبويض، فتصبح البويضة مخصبة بإذن الله، وتسمّى النطفة الأمشاج، وفي ذلك يقول الله تعالى: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيراً).[9]
  • مرحلة تطوّر البويضة المخصبة إلى جنين: وهذه المرحلة تنقسم إلى تدرّجات ثلاث:
  • مرحلة التحول الفاصلة: حيث يبدأ من الشّهر الثالث الانتقال طور الجنين إلى الحميل، قال تعالى: (ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)،[6]
  • الأولى: مرحلة التثبيت، وهي التي وصفها القرآن الكريم بمرحلة العلقة، وهي تسبق تكوين الكتل البدنية، قال تعالى: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ).[10]
  • الثانية: مرحلة تكوين الكتل البدنية، وهي التي عبّر عنها القرآن الكريم بمرحلة المُضغة.
  • الثالثة: مرحلة تشكيل الأعضاء، وهذه المرحلة التي عبّر عنها القرآن الكريم بقوله تعالى: (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)،[6]، حيث تتمايز في هذه المرحلة الغدّة التناسلية للجنين إمّا إلى خصيةٍ أو مبيضٍ، ويتحدّد نوع الجنس الآدمي بين ذكر وأنثى، وتظهر بدايات الجهاز العظمي، والجهاز العضلي.

المراجع

  1. ↑ سورة الإسراء، آية: 70.
  2. ^ أ ب ت سعد العتيبي، "حكم الاجهاض للحاجة"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-4-2018. بتصرّف.
  3. ↑ سورة البقرة، آية: 205.
  4. ↑ سورة الأنعام، آية: 151.
  5. ↑ مجلس الإفتاء (15-9-2014)، "حكم إجهاض الحمل الناتج عن الاغتصاب"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 19-4-2018. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت سورة المؤمنون، آية: 12-14.
  7. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2643 ، صحيح.
  8. ↑ أمين الدميري (9-4-2014)، "التدرج في خلق الإنسان"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-4-2018. بتصرّف.
  9. ↑ سورة الإنسان، آية: 2.
  10. ↑ سورة العلق، آية: 2.