-

ما هو الحج الأصغر

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

العبادات

شرع الله تعالى العبادات وكلّف بها المسلمين، ليختبر التزامهم بأمره، واستجابتهم له، وليكتب الأجر والثواب لمن أدى هذه العبادات بحقّ، قاصدًا وجه الله تعالى، ويُجازي بخلاف ذلك من قصّر في أدائها أو تقاعس عنها، فهي غاية خلقه لمخلوقاته من الإنس والجنّ، كما جاء في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)،[1] كما أنّ العبادات على اختلافها وتنوعها من: صلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ وصدقاتٍ وحجٍ وعمرةٍ وذِكرٍ وغيرها، تحمل في طيَّاتها معانيَ جليلة وغاياتٍ عظيمة، تُهذب نفس من أدَّاها وقام بحقّها وتُزكّيها، وتجعلها دائمة الصّلة بالله تعالى، قريبةً منه، فتثمر فوائدها ليجنيها المسلم في الدنيا؛ بصلاح حاله ورضا نفسه وسكينتها، ويجنيها في الآخرة برضا الله تعالى والفوز بجنته.

ومن بين هذه العبادات الجليلة التي شرعها الله تعالى، عبادة تُعرف عند جمهور الفقهاء بالحج الأصغر، فما هي هذه العبادة؟ وما تعريفها؟ وما هو حُكمها؟ وما الحكمة من تشريعها؟ وما هي فضيلتها وثمراتها؟

الحج الأصغر

يطلق اسم الحج الأصغر على العُمرة عند جمهور الفقهاء، بينما فريضة الحجِّ فيطلق عليها الحجُّ الأكبر،[2] وهو المراد في قول الله تعالى: (...وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)،[3] وفي قوله تعالى: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)،[4] بينما ورد ذكر كلّ من الحجّ والعمرة سويَّاً في قول الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).[5]

تعريف العمرة وحُكمها

تعريف العمرة

العمرة في اللغة عائدة إلى الجذر اللغوي عَمَرَ، والعمرةُ مأخوذةٌ من الاعتمار وهو الزيارة والقصد، وسمِّي من يؤدِّيها معتمراً؛ لأنَّه يقصد بعملٍ في موضعٍ عامرٍ، وهو بيت الله تعالى الحرام.[6]أمّا العمرة في الاصطلاح الشّرعي فهي كما عرّفها جمهور الفقهاء: عبادةٌ تقوم على الطَّواف ببيت الله الحرام والسَّعي بين الصفا والمروة بإحرامٍ.[7]

حُكم العمرة

اختلف الفقهاء في حكم العمرة إلى أقوالٍ، هي:[7]

  • ذهب المالكيَّة وأكثر الفقهاء من الحنفيّة إلى القول بأنّ العمرة سنّةٌ مؤكّدة، واستدلوا على ذلك بما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- أنّه قال: (إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سُئلَ عنِ العمرةِ أواجبةٌ هيَ؟ قال: لا، وأنْ تعتمِروا هوَ أفضلُ).[8]
  • ذهب بعض فقهاء الحنفيّة إلى القول بأنّ أداء العمرة واجب مرّةً واحدةً في العمر.
  • ذهب الشافعيّة في الأظهر في مذهبهم والحنابلة إلى القول بأنّ العمرة فرض مرّةً واحدةً في العمر، مُستدلين على ذلك بقول الله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ...)،[9] ووجه استدلالهم بالآية الكريمة أنّ الآية تنصُّ على الأمر بفعلهما -أي الحجّ والعمرة- تامَّين ممّا يدل على فرضيّة كليهما، كما استدلوا أيضاً على كون العمرة فرضاً بالحديث الذي روته أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (يا رسولَ اللَّهِ على النِّساءِ جِهادٌ؟ قالَ: نعَم، عليهنَّ جِهادٌ لا قتالَ فيهِ: الحجُّ والعُمرَةُ).[10]

حكمة تشريع العمرة

شرع الله تعالى عبادة العمرة؛ تقرُّباً إليه؛ بتعظيم بيته الحرام وتكريماً له، فيدخله المعتمرون مستشعرين قداسته وعظمته التي خصّه الله تعالى وشرّفه بها، كما أنّ من حكمة تشريع العمرة، ما فيها من اجتماعٍ للمسلمين من كلّ بقعةٍ ومكانٍ، فيتعارفون ويتآلفون، ويشهدون منافع ومصالح شتى تجمعهم.[11]

فضل العمرة وثمراتها

إنّ لعبادة العمرة فضلاً عظيماً وثمراتٍ جليلةً، يجنيها المسلم الذي يؤدّيها على وجهها قربةً لله تعالى، ومن هذه الفضائل والثّمار:

  • إنّ الله تعالى يُكفّر ذنوب المعتمرين بين العمرة والأُخرى، لما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- أنَّه قال: (العمرةُ إلى العمرةِ كفَّارَةٌ لمَا بينَهمَا، والحجُّ المبرورُ ليسَ لهُ جزاءٌ إلا الجنَّةُ).[12]
  • إنّ زوار البيت الحرام من المعتمرين والحجّاج هم وفدُ الله تعالى، استجابوا لأمره بأداء النُّسك والعبادة، فيكرمهم الله تعالى باستجابة دعائهم وإعطائهم مسألتهم، كما روى جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، أنّ النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- قال: (الحُجَّاجُ و العُمَّارُ وفْدُ اللهِ، دعاهُمْ فَأَجَابُوهُ، سَأَلوهُ فَأعطاهُمْ).[13]
  • إنّ في المتابعة بين العمرة والحجّ بركة وسِعةً للمسلم، كما روى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- أنّه قال: (تابِعوا بين الحجِّ والعمرةِ فإنهما يَنفيانِ الفقرَ والذُّنوبَ كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديدِ والذهبِ والفضةِ وليس للحجِّ المبرورِ ثوابٌ إلا الجنَّةَ).[14]
  • إن أداء العمرة في شهر رمضان تعدل في أجرها وثوابها حجّةً كما روي عن النّبي -عليه الصّلاة والسّلام- حين سألته إحدى الصحابيّات -رضي الله عنهنّ- قالت: (يا رسولَ اللهِ إني أُريدُ الحجَّ وجملي أعْجَفُ فما تأمرُني قال اعتمرِي في رمضانَ فإنَّ عمرةً في رمضانَ تعدلُ حجَّةً).[15]

المراجع

  1. ↑ سورة الذاريات، آية: 56.
  2. ↑ محمد. راتب النابلسي (24-7-1988)، "أحكام العمرة"، موسوعة النابلسي للعلوم الإسلامية، اطّلع عليه بتاريخ 24-7-2017. بتصرّف.
  3. ↑ سورة آل عمران، آية: من الآية 97.
  4. ↑ سورة الحج، آية: 27.
  5. ↑ سورة البقرة، آية: 196.
  6. ↑ ابن منظور (1414هـ)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة 605، جزء 4. بتصرّف.
  7. ^ أ ب مجموعة من العلماء، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 314-315، جزء 30. بتصرّف.
  8. ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 931، حسن صحيح.
  9. ↑ سورة البقرة، آية: من الآية 196.
  10. ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عائشة بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم: 2362، حديثٌ صحيح.
  11. ↑ محمد بن إبراهيم التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة الأولى)، الرياض: بيت الأفكار الدولية، صفحة 224، جزء 3. بتصرّف.
  12. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1773.
  13. ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1820، حسنٌ لشواهده.
  14. ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: جزء3، صفحة197، إسناده حسن.
  15. ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: جزء3، صفحة374.