-

ما هي حلاوة الايمان

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الإيمان

يُعرّف العلماء الإيمان بعدّة تعريفات؛ وفيما يأتي بيان بعضها:[1]

  • التصديق: ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَما أَنتَ بِمُؤمِنٍ لَنا وَلَو كُنّا صادِقينَ)،[2] ما أنت بمؤمن؛ أي ما أنت بمُصدّق، وآمنت به؛ أي صدّقت به، والمؤمن يُبطن من التصديق مثل ما يُظهر، وأمّا إذا كان التصديق ظاهراً والتكذيب باطناً فذلك النفاق، وقوله أيضاً: (يُؤمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤمِنُ لِلمُؤمِنينَ)،[3] وقال ثعلب: (يُصدّق الله ويُصدّق المؤمنين)، كما بيّنوا أنّ التصديق يكون بالجوارح كما هو بالقلب واللسان، واستدلّوا على ذلك بقول الرّسول صلّى الله عليه وسلّم: (والفَرجُ يُصدِّقُ ذلك، أو يُكذبُه).[4]
  • الإقرار: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فإنّ اشتقاقه من الأمن الذي هو القرار والطمأنينة، وذلك إنّما يحصل إذا استقرّ في القلب التصديق والانقياد)، حيث رأى ابن تيمية أنّ هذا التعريف أصدق بالدلالة والبيان من غيره واستدلّ على رأيه بالعقل واحتجّ على قول أنّ الإيمان هو التصديق بعدة حُجج.
  • الأمن وطمأنينة النفس: وهوعكس الخوف، وقال الراغب وهو أحد العلماء الذين يُعرّفون الإيمان بهذا التعريف: (أصل الأمن طمأنينة النفس وزوال الخوف)، واستدلّوا على رأيهم بقول الله تعالى: (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ).[5]

أمّا تعريف الإيمان شرعاً فقد أجمع علماء أهل السنة على أنّه قول باللسان وعمل بالجوارح والأركان وتصديق الجنان، وبيّنوا أنّه يزيد بالطاعات، وينقص بارتكاب المعاصي والآثام، إذ إنّه الإقرار الجازم والتصديق الكامل بوجود الله -تعالى- وبربوبيته وألوهيته، وأسمائه، وصفاته، وانعكاس الطمأنينة التي محلّها القلب على السلوك بالتزام الأوامر واجتناب النواهي، وقد أوضح الإمام الشافعيّ -رحمه الله- في كتاب الأم أنّ الصحابة والتابعين أجمعوا على أنّ الإيمان ثلاثة أمور لا تتجزأ؛ وهي: القول، والعمل، والنيّة، حيث قال: (وكان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممّن أدركنا أنّ الإيمان قول وعمل ونية لا يُجزئ واحد من الثلاثة عن الآخر).[1]

حلاوة الإيمان

إنّ للإيمان لذة تُذاق بالقلب كما تُذاق لذة الطعام باللسان، فهي سعادة القلب، وراحة النفس، وسعة البال، وانشراح الصدر وكلّما كان القلب صحيحاً معافى من الأمراض، والأهواء، والمعاصي تذوّق تلك اللذة، فإذا تذوقها آثرها على متاع الدنيا، وهانت عليه مصاعبها، وأصبح تعب الجسد في طاعة الله راحةً للروح، كما قال ابن القيم واصفاً حلاوة الإيمان: (في القلب شعثٌ لا يلمه إلّا الإقبال على الله، وفيه وحشة لا يُزيلها إلّا الأنس به في خلوته، وفيه حزن لا يزيله إلّا السرور بمعرفته وصدق معاملته، وفيه قلق لا يُسكنه إلّا الاجتماع عليه والفرار إليه، وفيه نيران حسرات لا يطفئها إلّا الرضى بأمره، ونهيه، وقضائه، ومعانقة الصبر على ذلك إلى وقت لقائه)، وقال السندي في شرح سنن النسائي: (حلاوة الإيمان أي انشراح الصدر به ولذة القلب له تشبه لذة الشيء إلى حصول في الفم، وقيل الحلاوة الحُسن، وبالجملة فالإيمان لذة في القلب تشبه الحلاوة الحسية بل ربما يغلب عليها حتى يدفع بها أشدّ المرارات، وهذا ممّا يعلم به من شرح الله صدره للإسلام، اللهم ارزقناها مع الدوام عليها)، وبيّن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على كيفيّة الوصول إلى اللذة، فقال: (ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوةَ الإيمانِ؛ من كان اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه ممَّا سواهُما، وأنْ يحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلَّا للهِ، وأنْ يكرهَ أنْ يعودَ في الكفرِ بعد أنْ أنقذَه اللهُ منه، كما يكرهُ أنْ يُقذَفَ في النَّارِ)،[6] كما أنّ محبة الله -تعالى- أصل الدين وقاعدته وأعلى درجات العبوديّة، بل يجب تفضيل حبّه على كلّ محبوب حتى يستشعر العبد الإيمان في قلبه، فإذا أحبّ مخلوقاً كمحبة الله -تعالى- فقد اتخذه نداً لله في المحبّة، كما قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ).[7][8]

وتتمثّل محبّة الله -تعالى- باتباع الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- ومحبته أكثر من أي شيء آخر، قال الله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)،[9] وضرب الصحابة -رضي الله عنهم- أروع الأمثلة في اتّباع الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- ومحبته، فأبو بكر الصديق -رضي الله عنه- كان يمشي تارةً أمام رسول الله وتارةً خلفه في رحلة الهجرة إلى المدينة المنورة، وسأله رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن ذلك فقال أبو بكر: (أذكر الطلب فأمشي خلفك، وأذكر الرصد فأمشي أمامك)، وكذلك علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عندما نام في فراش رسول الله فداءً له، وليظنّ الذين كانوا يريدون قتله أنّه هو، ومن الجدير بالذكر أنّ من أحب الله ورسوله يحبّ النّاس لله وبالله على أساس قربهم من الله تعالى، أو بعدهم عن منهجه، وهذا معنى أن يحبّ المرء لا يحبه إلّا لله، وأخيراً كره الكفر كما يكره أن يُلقى في النّار، وبذلك يشعر العبد بحلاوة الإيمان في قلبه.[8]

ثمار الإيمان

إنّ للإيمان عدّة ثمار ينالها الفرد وينعكس أثرها على المجتمع، ومنها ما يظهر في الحياة الدنيا ومنها ما يظهر في الآخرة، ومنها:[10]

  • الحياة الطيبة؛ حيث بشّر الله -تعالى- من آمن وعمل صالحاً من ذكر أو أنثى أن يحيى حياةً طيبةً؛ أي أن تغمرها الراحة من جميع الجهات.
  • الهداية للحقّ؛ بما أنّ المؤمن أقرب النّاس لله عزّ وجلّ، فهو أحقّ النّاس بهداية الله وتوفيقه، حيث قال الله تعالى:(وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).[11]
  • الرزق الطيب؛ فبركة الرزق وإن قلّ يعدّ من ثمار الإيمان التي يخص الله بها المؤمنون.
  • العزّة؛ حيث قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ).[12]
  • الاستخلاف والتمكين في الأرض؛ كما حصل في عهد الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم والخلفاء الراشدين؛ حيث فتح الله عليهم وسادوا الأمم، كما أنّ التمكين من سنن الله التي تتكرر في كلّ مكان وزمان بشرط أن يُنير الإيمان قلوب الناس وأن يعملوا صالحاً.
  • حُسن الخاتمة، ولعلّ حسن الخاتمة أولى الثمار التي يجنيها المسلم لإيمانه في طريق الحياة الآخرة، إذ يُميته الله ميتةً طيبةً وتُبشره الملائكة بالجنّة ونعيمها.
  • سعة القبر؛ فمن رحمة الله بالمؤمنين تثبيتهم عند سؤال الملائكة لهم في القبر، وإلهامهم كلمة الحقّ، وتوسعة قبورهم عليهم، وتبشيرهم بمقاعدهم في الجنة.
  • الحساب اليسير؛ ويتمثل الحساب اليسير بتجاوز الله عن معاصي عباده المؤمنين عند العرض دون نقاش أو مطالبة بحجّة أو عذر، هذا فضلاً عن استلام المؤمنين كتبهم وصحائفهم بأيمانهم.
  • النّجاة من النّار؛ إنّ أعظم ما يترتب على الإيمان النّجاة من النار في الحياة الآخرة.

المراجع

  1. ^ أ ب السيوطي، القحطاني، ابن تيمية، وآخرون، كتاب الموسوعة العقدية - الدرر السنية، صفحة 346-350. بتصرّف.
  2. ↑ سورة يوسف، آية: 17.
  3. ↑ سورة التوبة، آية: 61.
  4. ↑ رواه البوصيري، في إتحاف الخيرة المهرة، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 4/ 259، إسنادة صحيح.
  5. ↑ سورة قريش، آية: 4.
  6. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 43، صحيح.
  7. ↑ سورة البقرة، آية: 165.
  8. ^ أ ب فالح الصغير، حديث ثلاثة من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؛ وقفات وتأملات، الرياض: دار الأثير، صفحة 11-43. بتصرّف.
  9. ↑ سورة ال عمران، آية: 31.
  10. ↑ "ُثمار الإيمان"، www.jameataleman.org، اطّلع عليه بتاريخ 13-4-2018. بتصرّف.
  11. ↑ سورة الحج، آية: 54.
  12. ↑ سورة المنافقون، آية: 8.