ما الحكمة من الطواف حول الكعبة
التسليم لأوامر الله وتشريعاته
قرّر الله سبحانه وتعالى مبدأ التسليم له في الأوامر والتشريعات في كتابه الكريم، وجعله ركيزة أساسية مهمة للإيمان، ودلالة واضحة على إحسان العبد عبوديته لله تعالى، فقد قال تعالى في القرآن الكريم: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)[1]، والتسليم هو الانقياد التام والخضوع الكامل لله جل وعلا في العبودية وسائر أحوال الإنسان وظروفه، ويقتضي ذلك الرضا بشرع الله، واليقين بأن الخير كله بيده سبحانه، وحتى يتمكن الإنسان من تحقيق ذلك في قلبه لا بدّ له من إحسان الظن بالله رب العالمين، فإذا فعل المؤمن ذلك وعلم أن الله تعالى إنما يشرّع له ما ينفعه في دنياه وآخرته فامتثل كل ما جاء من نصوص شرعية وسلّم لها كان من المؤمنين، وإلا فإن الله تعالى قال: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[2].[3]
وحقيقة التعبّد والتسليم لله تعالى لا تكون باتباع الهوى والاجتهادات التي لا دليل عليها، وإنما باتباع آيات الله تعالى وسنة نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم- والحرص على تنفيذ كل ما جاء فيهما، فالله سبحانه إنما أنزل القرآن وأرسل الرّسل ليحكم بهما بين الناس، ويحقق بهما مصالحهم، وهو الحكيم الذي له في كل أمر وفعل حكمة بالغة، فإن أمر بأمر ما أو شرع تشريعاً معيناً فقد يعلم الإنسان الحكمة منه وقد تخفى عليه، وقد يعلم علّة حكم معين وقد تغيب عنه معرفة علل أخرى، إلا أن المؤمن يمتثل ما جاءه من أمر ونهي في كل الحالات، حتى وإن كان الأمر غيبياً غير معقول المعنى بالنسبة له أو لا يمكنه إدراكه بعقله، لإيمانه بكمال حكمة الله وقدرته، ولأنه يعلم أن كل ما جاء به الشرع موافق لمصالح العباد، ومعين لهم على تحقيق الفلاح في الدنيا والآخرة، وقد قال أهل العلم: إنه لا يمكن للنقل الصحيح من كتاب أو سنة أن يعارض العقل الصريح على الإطلاق.[3][4]
الحكمة من الطواف حول الكعبة
يجهل بعض الناس الحكمة من بعض أوامر الله تعالى، فيطلقون الدعاوى حولها بأنها من الوثنية، والحقيقة أن لكل تشريع شرعه الله سبحانه وتعالى في الدين الإسلامي حِكمة أرادها منه سبحانه، حتى وإن جهلها الإنسان، ومن التشريعات الإسلامية التي أثيرت حولها الشبهات التشكيكة تشريع الطواف حول الكعبة، فجعل بعض الناس يقولون: إن الطواف حول الكعبة كالطواف حول قبور الأولياء، وهو من الوثنية والتعبّد لغير الله تعالى. والحقيقة على خلاف ذلك، فالمسلمون إنما يطوفون حول الكعبة المشرفة بأمر من الله عز وجل، وكل ما يفعله الإنسان بأمر من الله تعالى يعدّ عبادة خالصة له عز وجل وليس فيه من الشرك أو الوثنية شيء، ومثال ذلك أن السجود في الإسلام لا يكون إلا لله عز وجل، وإن فعله الإنسان لغير الله كان شركاً عظيماً، إلا أن سجود الملائكة لآدم -عليه السلام- عندما أمرهم الله عز وجل بذلك كان طاعة وعبودية خالصة، بل إنّ تركه كان كفراً.[5][6]
والحِكمة من الطواف حول الكعبة تتجلّى في عظمة بيت الله الحرام، وطُهره وتشريفه، فهو أشرف مكان في الأرض، وأطهر بقعة خلقها الله عز وجل، وقد جعله الله سبحانه حرماً آمناً، ومكاناً للمتعبدين المتبتلين الراكعين الساجدين، فمن يطوف في هذا المكان إنما يطوف في مكان عظّمه الله عزّ وجل منسوب إليه، فيكون بذلك كالعبد الملتجئ لباب مولاه، يطلب منه العفو والغفران والإحسان والرضى، ويعلم أن ما من أحد يجيب حاجته إلا إياه، كما أن في الطواف حول الكعبة المشرفة ذكر لله تعالى، وتعظيم وتكبير له وقد بيّن الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذه الحِكمة من الطواف بقوله: (إنَّما جُعل الطوافُ بالبيتِ، وبينَ الصفا والمروةِ ورميِ الجمارِ؛ لإقامةِ ذكرِ اللهِ)،[7] فمن يطوف بالبيت يظلّ على حال من الذكر والتعظيم لله، فتقوم هذه المعاني في قلبه لتكون كل حركاته من مشي وتقبيل واستلام للركن اليماني والحجر الأسود عبادة يتقرب بها إلى الله تعالى مع الدعاء والذكر.[8][9]
شروط صحّة الطواف
للطواف شروط على الطائف أن يحققها حتى يصحّ طوافه، وفيما يأتي بيانها:[8]
- النية، وذلك بأن ينوي الإنسان في قلبه نية الطواف لله تعالى.
- الطهارة من الحدث الأكبر، كالحيض والنفاس والجنابة.
- ستر العورة، فلا يجوز كشف العورة أثناء الطواف.
- أن يطوف الإنسان جميع أشواط الطواف حول الكعبة كاملة، فلا يجوز أن يطوف داخل الحِجر لأنه جزء من البيت.
- أن تكون الكعبة على يسار الطائف كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
- أن يبدأ الطائف طوافه حول الكعبة من محاذاة الحجر الأسود، وينهي به كذلك، فقد ورد ذلك في فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عمر -رضي الله عنه- حيث قال: (رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حين يَقدَمُ مكةَ، إذا استلَم الرُّكنَ الأسودَ، أول ما يطوفُ)[10]
- أن يتمّ الطائف سبعة أشواط من الطواف حول الكعبة.
- الموالاة بين الأشواط السبعة، إلا لعذر، فمن اضطر لقطع الطواف لعذر كأداء الصلاة المكتوبة، أو قضاء حاجته، أو التعب، أو اللحاق بصلاة الجنازة فلا بأس عليه، ويكمل طوافه من حيث انتهى.
المراجع
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 36.
- ↑ سورة النساء، آية: 65.
- ^ أ ب أ. عبدالعزيز بن أحمد الغامدي (2017-3-11)، "التسليم لله (خطبة)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-17. بتصرّف.
- ↑ "الاستسلام لأوامر الوحي"، www.almunajjid.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-17. بتصرّف.
- ↑ "الحكمة من الصلاة جهة الكعبة والطواف وتقبيل الحجر الأسود"، www.fatwa.islamweb.net، 2008-1-1، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-17. بتصرّف.
- ↑ "ما الحكمة من الطواف؟ وهل الحكمة من تقبيل الحجر التبرك به؟ "، www.ar.islamway.net، 2007-10-26، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-17. بتصرّف.
- ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:2574، صحيح.
- ^ أ ب "حكمة مشروعية الطواف"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-17. بتصرّف.
- ↑ "الحكمة من وظائف الحج والعمرة وترتيبها"، www.islamqa.info، 2017-8-23، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-17. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1603، صحيح.