ما الحكمة من موت أبناء الرسول الذكور
وفاة أبناء رسول الله
رُزق النبي -صلى الله عليه وسلم- عدداً من الأبناء، ثلاثة أبناء ذكور، وأربع بنات، أما أبناء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذكور فهم: القاسم وهو أول أبنائه، وقد وُلد له من خديجة بنت خويلد قبل البعثة، ومات صغيراً حيث كان عمره حينها سنتين، وبه يُكنَّى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيُدعى: أبا القاسم، أما الثاني فهو عبد الله، وقد وُلد له بعد البعثة وأمه خديجة أيضاً، ولكونه وُلِد بعد البعثة لُقّب بالطاهر والطيّب، وقد مات عبد الله وهو صغير أيضاً، أما الثالث من أبنائه فهو إبراهيم وهو أصغر أولاد الرسول صلى الله عليه وسلم- الذكور والإناث، وأمه ماريّة القبطية رضي الله عنها، ولم يعش من أبناء الرسول الذكور أحدٌ إلا فترة قصيرة،[1][2] فما هي الحكمة من وفاة أبناء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذكور منهم دون الإناث، وهل ذلك الأمر مرتبطٌ بمقصد شرعي أم هو مجرد مصادفة مُطلقة؟
الحكمة من موت أبناء الرسول الذكور
رُزق إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- في كِبره بابنين، هما إسماعيل وإسحاق، وقد جعلهما الله نبيّين بعد أبيهما إبراهيم، ثم جعل الله النُّبوة في ذرية إسحاق، وجاء من بعد إسحاق يعقوب، ثم يوسف، وقد جعل الله النبوة في بني إسرائيل بعد ذلك، وقد كان لتوارث النبوة في أبناء الأنبياء نصيبٌ ظاهر، قال تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)[3] وقد رُزق زكريا بعد أن بلغ من الكِبَرِ عِتِيًّا ابناً ورثه في النبوة، وقد جاء بيان ذلك في كتاب الله، قال تعالى: (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا*يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا)،[4] فجاءته البشارة بعد أن دعا الله بقدوم يحيى، وأنه سيكون نبياً بعده، قال تعالى: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ)،[5] وقد كان سيدنا عيسى -عليه السلام- آخر الأنبياء من ذرية إسحاق عليه السلام، ثم بعد ذلك كان مجيء محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث بعثه الله سبحانه وتعالى استجابةً لدعوة أبيه إبراهيم عليه السلام، وقد انتهَت النُّبوة في أبناء إسحاق عليه السلام برفع الله لعيسى ابن مريم، وبرسالة سيدنا محمد انتقلت النبوة إلى فرع إسماعيل عليه السلام.[6]
جرت العادة في الغالب أن يرث أبناء الأنبياء النبوة من آبائهم كما مرّ بيانه، أما سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو خاتم الأنبياء والمرسلين، وما ميّز الرسالة المحمدية أنها كانت خاتمة الرسالات، وقد كَفِل الله -سبحانه وتعالى- ما يضمن ثبوت تلك الصفة واستدامتها إلى يوم القيامة، حتَّى لا يُفتن بعض الناس ممن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم لظنهم أنّ النبوّة سيرثها أحد أبناء النبي، لذلك مات جميع أبنائه الذكور في حياته، وقد ظهرت الحكمة من ذلك بعد موت النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان لأجل ذلك أثرٌ في التفاف الصحابة حول النبي وانتقالهم إلى الخلافة بعد وفاته لا إلى توريث النبوّة.[6]
صبر النبي على وفاة إبراهيم
كان إبراهيم -عليه السلام- آخر أبناء النبي -صلى الله عليه وسلم- مولداً، وقد وُلِد له من مارية القبطية، التي أهداها له المقوقس في السنة السادسة من الهجرة، إلا أنّ إبراهيم لم يعش طويلاً، فقد تُوفّي بالمدينة المنوّرة في السنة العاشرة من الهجرة، وكان عمره حينها سبعة عشر شهراً أو ثمانية عشر شهراً، فحزن النبي -صلى الله عليه وسلم- لوفاته، وبكى عليه بكاء الأب الشفيق، فلم يجزع ولم يسخط؛ وحاشا له ذلك، ولكنه صبر واحتسب،[7] يقول أنس بن مالك -رضي الله عنه- واصفاً حال النبي -صلى الله عليه وسلم- وقتها: (دخلنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على أبي سيْفٍ القَيْنِ، وكان ظِئْرًا لإبراهيمَ عليهِ السلامُ، فأخذ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إبراهيمَ فقبَّلَهُ وشمَّهُ، ثم دخلنا عليهِ بعدَ ذلكَ، وإبراهيمُ يَجُودُ بنفسِهِ، فجعلتْ عَيْنَا رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تذرفانِ، فقال لهُ عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ رضيَ اللهُ عنهُ: وأنتَ يا رسولَ اللهِ؟ فقال: يا ابنَ عوفٍ، إنَّها رحمةٌ. ثم أَتْبَعَهَا بأُخْرَى، فقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنَّ العينَ تدمَعُ والقلبَ يحزَنُ، ولا نقولُ إلَّا ما يُرْضِي ربَّنا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبراهيمُ لمحزنونَ).[8]
وقد كُسِفت الشمس يوم وفاته عليه السلام، فقال الناس: إنها كسفت لموته، فنهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس بعد أن خطب فيهم عن الاعتقاد بمثل ذلك، فقال: (إنَّ الشمسَ والقمرَ من آيات اللهِ. وإنهما لا يَنخسفان لموتِ أحدٍ ولا لحياتِه. فإذا رأيتُموهما فكبِّروا. وادعو اللهَ وصلُّوا وتصدَّقوا).[9]
وفي ذلك الموقف للنبي -صلى الله عليه وسلم- دليلٌ على كمال إيمانه وحُسن أدبه مع الله، ورضاه بما قدره الله وقضاه، فقد حزن على وفاة ابنه الذي رُزق به بعد وفاة أبنائه الذكور، فقد كان إبراهيم آخرهم مولداً ووفاةً، فلم يجزع ولم يسخط بل قال: (ولا نقول إلا ما يرضي ربنا) وفي ذلك دليلٌ على أن الحزن على وفاة قريبٍ أو صديقٍ أو حبيب لا يُنافي الإيمان بالله، كما أنّ كمال إيمانه يظهر في نهيه للناس أن يقولوا إنّ سبب خسف الشمس كان بسبب عِظم منزلة إبراهيم عند الله، فلم يترك الدعوة إلى الله حتى وهو في أصعب المواقف وأقساها على قلب أي إنسان، وبقي يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وينهى عن الإتيان بالشركيات والمنهيّات.[7]
بنات النبي صلى الله عليه وسلم
سبق بيان أسماء أبناء النبي -صلى الله عليه وسلم- أما بناته فهن: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة رضي الله عنهن جميعاً، أما أزواجهن فزينب زوجها هو أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف، وقد تزوّجها قبل الإسلام، ثم لما بُعث للنبي -صلى الله عليه وسلم- آمن به، ورقية زوجها خليفة رسول الله ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد تزوجها زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ماتت رقيّة في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- فزوَّجه النبي بأختها كلثوم رضي الله عنها، ثم ماتت أم كلثوم قبل أبيها وزوجها، لذا يُلقب عثمان -رضي الله عنه- بذي النّورين؛ لكونه قد تزوّج بنتَي رسول الله، وأما فاطمة رضي الله عنها فهي زوجة ابن عم رسول الله ورابع الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وقد توفيت بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بفترةٍ وجيزة.[10]
ترجمة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام
إنّ سيرة سيدنا مُحمّد -عليه الصّلاة والسلّام- من أظهر سير الأشخاص في العصرَين الحاضر والسابق، فهي معلومة التفاصيل، واضحة الأركان منذ ولادته وقبلها، وحتى وفاته، وما أعقبها من أحداث على مستوى الدولة الإسلامية، فإنه وبالنظر إلى حياة جميع العظماء والقادة والأنبياء والرسل غير النبي -صلى الله عليه وسلم- نجد أنّ أحداً منهم لم تكتمل سيرة حياته ولو في مرحلةٍ معينةٍ منها، أما حياة رسول الله وسيرته، فقد وُثّقت تفاصيلها منذ مولده، وفي مرحلة شبابه وانعزاله في الغار للعبادة حتى جاءه الوحي هناك، وفي العهد النبوي عمد الصحابة إلى توثيق كل ما يحدث مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأفعال أو الأقوال أو الحركات، حتى إنّ حياته الزوجية مع زوجاته تم توثيقها من خلالهن، وقد عَني الصحابة والتابعون وبعدهم العلماء من عصر محمد عليه السلام إلى يومنا هذا بتلك الأحداث وأظهروا ما دخلها من كذب فعزلوه عن الواقع، لتتضح بعدها حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتتجلى بشكلٍ عزَّ نظيره.
أما اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهو مُحمّد بن عبد الله بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قُصيّ بن كلاب بن مُرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النّضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن مُعدّ بن عدنان، ويرجع نَسَبُ عدنان إلى سيدنا إسماعيل بن إبراهيم عليهما السّلام.[11]
المراجع
- ↑ "أولاد النبي صلى الله عليه وسلم"، إسلام ويب، 4-10-1999، اطّلع عليه بتاريخ 12-3-2017. بتصرّف.
- ↑ "أبناء النبي صلى الله عليه وسلم"، إسلام ويب مقالات.
- ↑ سورة النمل، آية: 16.
- ↑ سورة مريم، آية: 5-6.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 39.
- ^ أ ب "حكمة وفاة أبناء الرسول قبله"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 12-3-2017. بتصرّف.
- ^ أ ب "وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون"، إسلام ويب، 8-9-2015، اطّلع عليه بتاريخ 12-4-2017. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1303.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 901.
- ↑ "بنات النبي وأزواجهن"، إسلام ويب، 11-10-2006، اطّلع عليه بتاريخ 6-4-2017. بتصرّف.
- ↑ علي أبو الحسن بن عبد الحي بن فخر الدين الندوي (1425)، السيرة النبوية (الطبعة الثانية عشرة)، دمشق: دار ابن كثير، صفحة 158. بتصرّف.