متى بدأ نزول القرآن الكريم
مقدمة
لقد أنزل الله القرآن على عباده لينير لهم طريق الهداية والصلاح، إن أهمية القرآن تكمن في أنه كلام الله عز وجل، ووصاياه للإنسان كي يهتدي إلى الصراط المستقيم، ويتعلم من القرآن أسس دينه وإسلامه، فعظمة القرآن ظاهرة في أنه صالح لكل زمان ومكان، والقرآن ما ترك أمراً من أمور الدنيا إلا وأوضحها، ومن يلتبس عليه أمر فعليه الرجوع للقرآن الكريم وسيجد الحق والقول الصحيح، وهل هناك أصدق من كلام الله جل وعلا، إن القرآن الكريم هو الكتاب الأساسي في الإسلام، فالمسلمون يقدسونه ويؤمنون به؛ لأنه كلام الله الذي أنزله على أشرف الخلق محمد صلوات الله عليه، فما كان من حدث إلا وينزل الله الآيات ليبين للناس طريق الحق وطرق الاستقامة، والقرآن هو آخر الكتب السماوية وهو المحفوظ من كل تحريف وتزوير، ولقد تكفل الله تعالى بحفظه وذلك في قوله تعالي ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) سورة الحجر، وذلك بخلاف الأديان الأخرى التي تعرضت للتحريف والتأويل والتفسير المغاير لما يريده الله؛ بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام أمر خليفة المسلمين الأول أبو بكر الصديق بجمع القرآن في مصحف واحد، وفي عهد الخليفة عثمان بن عفان أمر بنسخ المصحف وذلك لتوحيد القراءة؛ وذلك لأنه رأى اختلاف المسلمين في القراءات؛ لأن لهجاتهم مختلفة، إن القرآن اليوم يحتوي على نفس النص المنسوخ من النسخة الأصلية التي أمر بجمعها أبو البكر الصديق ويؤكد العلماء ذلك وأنها لم تتعرض لأي تحريف أو تزوير، والقرآن من عظمته تتحدى العالمين بأن يأتوا بمثله وهذا ما عجز عنه الكثير ممن حاولوا أن يتحدوا القرآن وأن يكتبوا بمثل آياته، فعجزوا وما كان لأحد أن يتحدى رب العزة والجلالة.
أهمية القرآن
للقرآن الكريم أهمية كبيرة عند المسلمين، فهو آخر كتاب أُنزل من السماء، ونزل على رسول الله محمد، وإن تلاوة القرآن والعمل به والاستماع له هي من العبادات التي أوصانا بها رسولنا الكريم، والقرآن يقربنا إلى الله وتطمئن به قلوبنا، وهو أساس حضارتنا وثقافتنا، وهو يفيدنا في كافة مجالات حياتنا الدينية والدنيوية، ويعلمنا ويوجهنا ويهدينا إلى سراط مستقيم؛ المسلم الحق لا يمكن أن يستغني عن القرآن، فمن القرآن يستمد عقيدته ومنه يعرف الطرق الصحيحة لأداء عبادته، ومنه يعرف ما يرضي ربه وما يغبطه، والقرآن يحتوي على الكثير من الإرشادات والتوجيهات التي تحث المسلم على أن يرتقي بأخلاقه ومعاملاته مع الآخرين، ومن يترك القرآن ويبتعد عنه يعيش في ظلمات، ويسير في طريق الجهل والضلال والضياع، فالقرآن هو نور في الحياة يضيء لنا طريق الرشاد والفلاح.
نزول القرآن من السماء
هناك اختلاف بين علماء المسلمين على الطريقة التي نزل بها القرآن، والمعروف أن القرآن مر بعدة تنزيلات وهي:
- نزول القرآن من الله إلى اللوح المحفوظ في أول مرة، ويعني ذلك إثبات القرآن في اللوح المحفوظ واعتماده وأنه غير قابل للتغيير، والحكمة في هذا التنزيل أن وجود اللوح المحفوظ يكون بمثابة السجل الجامع إلى يوم القيامة.
- وبعد ذلك نزل اللوح المحفوظ بمكان يسمي بيت العزة وهو في السماء الدنيا، ونزل جملة واحدة في ليلة القدر، قال تعالي ( إنا أنزلناه في ليلة القدر) سورة القدر.
- ونزل من بيت العزة إلى رسول الله عن طريق جبريل عليه السلام مفرقاً على مدي ثلاثة وعشرين سنة، واستنبط العلماء حكمة نزول القرآن مفرقاً لتثبيت قلب رسول الله على مواجهة ما يلاقيه من قومه، وللرد على الشبهات التي يرددها المشركون بحق رسالة رسول الله، ولتيسير حفظه وسهولة فهمه على رسول الله وأصحابه، وكان القرآن بنزل حسب الحاجة وكان ينزل لتوجيه المسلمين بالطريقة الصحيحة لمواجهة أمور حياتهم.
أول نزول للقرآن على رسول الله
وكان أول نزول للقرآن الكريم وبدايته في غار حراء في مكة المكرمة، حيث نزل الوحي جبريل على الرسول وهو في الغار وذلك في يوم الإثنين 17 أو 24 أو21 من رمضان سنة 610م، وأول ما نزل به جبريل على رسول الله سورة اقرأ، وبعد ذلك تتابع نزول القرآن مدة 23 عاماً حتى وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام؛ كان ينزل الوحي على الرسول في مكة طيلة 13 عاماً، حتى بلغ عدد السور التي نزلت 83 سورة وتسمي في القرآن سور مكية، ولما اشتد أذى الرسول من قريش هاجر ومن اتبعه إلى المدينة المنورة واستمر الوحي ينزل السور 31 سورة وتسمي في القرآن بالسور المدنية، وهكذا تكون اكتملت سور القرآن وانتهت مهمة جبريل عليه السلام في تبليغ الرسول بكلام الله، وبلغت عدد سور القرآن الكريم 114 سورة.
جمع القرآن
بعد أن هاجر المسلمون من مكة إلى المدينة واستقروا هناك، طلب رسول الله من أصحابه حفظ ما ينزل عليه من القرآن وتعليمه للناس وتحفيظهم إياه، وشرح ما جاء فيه من أحكام وشرائع وفضائل، وكان الكثير من أهل المدينة من الأوس والخزرج يكتبون بالعربية، وكذلك من أسرى الحرب من يكتب بالعربية، لذلك جعل رسول الله فدية 70 أسيراً من غزوة بدر أن يعلم كل واحد منهم عشرة من صبيان المدينة المنورة الكتابة، وبهذه الطريقة تعلم الكثير من المهاجرين والأنصار القراءة والكتابة، وقاموا بتدوين كل ما ينزل على رسول الله من الوحي جبريل لحفظه ويبقى مرجعاً للمسلمين.
بعد غزوة اليمامة التي قتل فيها الكثير من الصحابة حفظة القرآن، جاء عمر بن الخطاب إلى الخليفة أبو بكر الصديق وطلب منه أن يجمع القرآن في مكان واحد حتى لا يضيع إذا مات الحُفاظ، فكلف أبو بكر الصديق زيد بن ثابت بهذه المهمة؛ لأنه كان من الحافظين للقرآن وكان من كُتابه في عهد رسول الله، وبدأ زيد يجمع القرآن من العظام والجلود وصدور الرجال، وكان تحت إشراف كبار الصحابة من بينهم أبو بكر وعمر، وقام زيد بإتباع طريقة دقيقة للجمع وضعها أبو بكر وعمر كي يتم حفظ القرآن من أي خطأ، واتبع زيد في جمع القرآن على مصدرين هما، ما تم كتابته في عهد رسول الله والآخر ما كان محفوظاً في صدور الرجال، وبعد جمع القرآن كاملاً حُفظت الصحف عند الخليفة أبو بكر الصديق حتى وفاته، ثم أخذها عمر وبعد مقتله أخذته حفصة بنت عمر؛ بعد ذلك تمت مبايعة عثمان بن عفان للخلافة بعد مقل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقتها كان الإسلام منتشراً في كل مكان، وظهر اختلاف بين المجندين من أهل العراق والمجندين من أهل الشام في قراءة القرآن، وكلٌ منهم يعتبر قراءته هي الصحيحة، وعندما علم عثمان بذلك، بعث إلى حفصة بنت عمر يطلب منها المصحف الذي تم جمعه في عهد أبو بكر، وأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث أن يقوموا بنسخ المصحف في مصاحف عدة، وبعد انتهاء النسخ قام عثمان بإرسال نسخة من المصف إلى المختلفين في قراءته، وقد سمي بالمصحف الإمام، وهو المصحف المتبقى من ذلك العهد، وهي النسخة التي يتم طباعتها حالياً بطريقة الرسم العثماني في كافة أنحاء العالم الإسلامي.