الموت هو مفارقة الروح للجسد، كما أن الحياة تعني إتصال الروح بالجسد، ومتى فارقت الروح جسد صاحبها فقد مات وانتهى أجله، يقول تعالى: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)،[1][2] والمشغول في أمور الدنيا، وما فيها من الملذَّات والشهوات، ترى قلبه غافلاً عن ذكر الموت، وإنْ ذكَره يكون كارهاً له نافراً منه، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)،[3] أما العارف بالله -عزّ وجلّ- تراه يعمل بوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالإكثار من ذِكر الموت، حيث وصفه -صلى الله عليه وسلم- بهادم اللَّذّات.[4]
والموت له سكرات تُصيب المخلوقات جميعها، فلا ينجو منها أحد، وقد يُهَوّنها الله على البعض كالشُّهداء، وقد تشتدّ على آخرين ومنهم الأنبياء، وما ذلك إلا مغفرةً للذنوب ورحمةً وزيادةً في الدرجات، فسيدنا محمد -عليه الصلاة والسلام- كان من الذين اشتدّت عليهم سكرات الموت، على الرغم من أنه أحب الخلق لله تعالى، حتّى كان كلّما اغتسل ليصلي مع الناس يُغمى عليه، وقد تكرّر ذلك ثلاث مرّات من شدّة كربه، قال تعالى: (وَلَو تَرى إِذ يَتَوَفَّى الَّذينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ يَضرِبونَ وُجوهَهُم وَأَدبارَهُم وَذوقوا عَذابَ الحَريقِ)،[5] ويجب على كل إنسان أن يستعدّ للموت قبل مجيئه، وذلك بالإكثار من العمل الصالح، وقد حثّنا الله -تعالى- على اغتنام الفرص، فقال: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ*لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ).[6][4]
لا شك أن الأرواح في البرزخ متفاوتة من حيث منازلها؛ فهناك أرواح في أعلى عليّين، وأرواح في حواصل الطير تسرح في الجنة، وأرواح تبقى عند باب الجنة محبوسة عنده، ومنها ما يبقى في القبر أو في الأرض، وكذلك من الأرواح ما تكون في نهر من الدم وتُلقى في الحجارة، وكل ذلك وارد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.[7]
ومسألة مستقر الأرواح بعد موت الأجساد من المسائل المُختَلف فيها، فالبعض قالوا إن أرواح المؤمنين مستقرّها عند الله، سواءً كانوا من الشهداء أم من غيرهم، شرط عدم وجود ما يمنعهم ويحبسهم من الجنة كارتكاب كبيرة من الكبائر، أو وجود الدَّيْن، والذي قال بهذا القول أبو هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وتتعدد الأقوال في ذلك، وتتلخص كلها فيما يأتي على النحو المفصّل:[8]
عندما تبدأ الروح بالخروج من الجسد يتمنى الإنسان أن يعود إلى الدنيا ولو للحظة، لكن هذا الإسلام وهذه التوبة لن ينفعاه إذا بدأ بالغرغرة وبدأ خروج الروح منه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنَّ اللَّهَ يقبلُ توبةَ العبدِ ما لم يُغَرغِرْ)،[13] والواجب على العبد أن يتقرب من الله -عزّ وجلّ- ويتوب قبل حلول أجله، والمؤمن لحظة الاحتضار يُبشَّر برضوان الله وكرامته، فيُحبّ لقاء الله ويُحبّ اللهُ لقاءه، وليس على قلبه شيء أحب إليه من ذلك الموقف، لذلك يطلب ممّن يحمل نعشه بالإسراع إلى القبر، فهو في حالة من الشوق لرؤية ما أعدّه الله له من النعيم.[14]
ولحظة الموت وخروج الروح من الجسد من أخطر اللحظات التي يواجهها الإنسان على الإطلاق؛ حيث إنّ فيها بداية الانتقال من عالم الشهادة المحسوس الذي عاشه الإنسان وكان مألوفاً عنده، إلى عالم كان غيباً بالنسبة له، ولا يعلم حقيقته، ثمّ يصبح هذا العالم بالنسبة له محسوساً مألوفاً، وهذه الحياة تبدأ بالموت الجسدي، فيصير الإنسان بعده في عالم البرزخ الذي يختلف تماما عما كان يعيشه ويعرفه، وفي هذه اللحظات يرى الإنسان الملائكة ويسمع كلماتهم التي تتعلق بمآله، فمصيره إما النعيم الأبدي، أو العذاب المقيم.[15]
ومصير الإنسان لا يحدّده عمره كله، فما يحدّد مصيره الأبدي هو سنين محدّدة من عمره، وربّما أيام، أو ساعة، أو أقل من ذلك، يندم فيها الإنسان على ما اقترفه من ذنوب، ويتوب فيها إلى ربه، ويدعوه بقلب مخلص متضرعاً له نادماً على ما بدر منه من الذنوب، فيقبل الله منه ويطمئنه على مستقبله، وينال رضاه.[15]