-

أين توجد إرم ذات العماد

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

إرم ذات العماد

ذكرت كتب اللغة لفظ إرم على أنّه الحجارة التي يتم نصبها، أما جمع إرم فهو أُروم وآرام، وورد اللفظ في القرآن الكريم مرة واحدة فقط، وكان مرتبطاً بصفة ذات العماد، فقال تعالى في كتابه العزيز: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ)،[1] أمّا تفسير الآيات فقد اختلف عليه المفسرون، كما اختلفوا في إعراب الكلمات وخاصة إعراب كلمة إرم، والتي وردت بعد لفظ عاد، وورود الكلمة بعد لفظ عاد هو السبب في اختلاف إعرابها، حيث ذهب المفسرون إلى أن إرم عطف بيان، أو أنها بدلٌ من عاد، وبالتالي فإنّ عاد هي إرم ذاتها، أما لفظ ذات العماد فقد فسّروه بأن قوم عاد هم أناس قامتهم طويلة، قد تصل إلى أربعمئة ذراع، أما الرأي الآخر في الإعراب فيتضمن أن لفظ إرم مضاف إلى عاد، وأنّ إرَم هي اسم البلدة أو أمّ قوم عاد، أما ذات العماد فهو وصف لإرم أو هو تعبير عن اسم المدينة، وقد أجمع جمهور العلماء على أن لفظ إرم لا يصح أن يكون بدلاً من عاد؛ حيثُ قال تعالى في سورة الفجر: (الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ)،[2] وبالتالي فإنّ إرم هي مدينة وهي مسكن قوم عاد وليست عاد أنفسهم.[3]

موقع إرم ذات العماد

اختلفت الآراء حول موقع مدينة إرم، ولم يُعثَر على كتاباتٍ ونقوشٍ لقوم عاد تبين موضع مدينتهم بالتحديد، ولم يتم الجزم إن كانت مدينة إرم في بلاد الشام، أم في اليمن، أم في مكان آخر، وقد ورد لفظ الأحقاف في القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ)؛[4] الأمر الذي دفع ياقوت أن يورد في معجم البلدان مادتي أحقاف وإرم؛ حيثُ ذُكِرَ في المعجم أنّ إرم ذات العماد كانت بين حضرموت وصنعاء في اليمن، كما ذهب أغلب المفسرين إلى أن الأحقاف المذكورة في القرآن الكريم موجودة في اليمن، وقد أدرج ياقوت موقعها في كتابه بأنّه في وادٍ بين عُمان وأرض مهرة، أو هي رمال تُشرِف على البحر من أرض اليمن،[3] ويُقال أنّ الأحقاف التي وردت في القرآن الكريم لا يُقصَد بها أحقاف اليمن؛ حيثُ إن الأحقاف في اللغة جمع حِقْفُ، وهي ما اعوجّ من تلال الرمل، كما أنّها المناطق التي توجد فيها الرمال الناعمة في شبه الجزيرة العربية، وقد ورد عنها في معجم المعاني الجامع أنّها مواطن قوم عاد، وبذلك فإنّ لفظ الأحقاف لا يُقصَد به موقعاً محدّداً وإنّما توجَد في بلاد العرب أحقاف كثيرة، وقد أورد ياقوت عن أحد الإخباريين أنّ الأحقاف هي جبل في الشام.[5][3]

ومن الدلائل على أنّ موضع إرم ليس في دمشق، هي: مُجاورةُ قوم ثمود لقوم عاد، كما ارتبط ذكر عاد بذكر ثمود في القرآن الكريم في الكثير من المواضع، كما ذكر ياقوت أن إرم هو اسم جبل عظيم من جبال حِسمى في ديار جُذام بين أيلة أي العقبة ومنطقة تيه إسرائيل، ويمكن القول أنّ أرجح الآراء والأكثر قبولاً لدى الباحثين هو أنّ موقع مدينة إرم بالقرب من مدينة العقبة.[3]

قوم عاد

يعود أصل قوم عاد إلى عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح الذي نزل هو وولده بالأحقاف وكان يعبد القمر، أما مَن جاء من بعده من الأولاد فقد عبدوا الأصنام، فأقاموا ثلاثة أصنام وعبدوها، وهي: صمود، والهباء، وصداء، وكان قوم عاد يتوزّعون في قبائل عشرة تمتّع أفرادها بقوة بنيان أجسادهم وضخامتها؛ الأمر الذي سمح لهم ببناء مدينة وحضارة ضخمة وعظيمة، لم يُخلق مثلها في كل البلاد، كما تميّزت أرضهم بخصوبتها، وكثرة أشجار النخيل فيها، وقد افتُتن قوم عاد بقوتهم وبحضارتهم المجيدة، ولم يشكروا الله تعالى على ما خصّهم من النِّعَم، بل ساروا في طريق الكفر والطغيان، ونسوا ما حلّ بالأقوام الطغاة من قبلهم، مثل قوم نوح عليه السلام الذين أهلكهم الطوفان.[6]

ومع مرور الأيام انتقل قوم عاد إلى أرضهم الجديدة، وظنّوا أنّه بإمكانهم تفادي أي خسائر قد تحدث بسبب طوفان آخر؛ وذلك عن طريق بناء الأصرحة والمساكن على قمم الجبال والمرتفعات، فسكنوا بداية في بيوت الشعر التي ترفع بالأعمدة، ثم بنوا المصانع التي تنحت الأحجار، وأقاموا القصور والقلاع على المرتفعات التي تحمي الناس من عوامل الطبيعة المدمرة، وظهرت الثقافة الحديدية التي جعلت قوم عاد يستكبرون استكباراً شديداً في الأرض، وكفروا بالنعم، واستهانوا بالقتل، ولم يحسبوا حساباً للفضيلة، بل أنكروها وعتوا عتوّاً شديداً، وقد أرسل الله لهم هوداً عليه السلام، وهو رسولٌ من بينهم معروف بصدقه وأمانته، ودعاهم بكلّ لطفٍ وعطفٍ لدين الحق، ولاتّباعه وعبادته لله، وترك عبادة الأصنام، كما نصحهم بعدم التعالي والتعامل بخشونة مع الناس؛ إلّا أنّهم أنكروه وكذّبوه.[6]

بنى قوم عاد بيوتهم وشيّدوها بمناعةٍ كبيرة، وكانوا ينحتون من الجبال بيوتهم، ثم استكبروا عن دعوة الحق على الرغم من تحذير هود عليه السلام لهم؛ حيثُ أخبرهم أن يوم البعث إذا جاء لن تقف أمامه حصونهم المنيعة؛ لأنّ الله هو الذي أعطاهم تلك القوة والحضارة، وعليهم أن يتوبوا ويرجعوا إلى الله سبحانه وتعالى، كما بيّن لهم شدة خوفه عليهم لأنّهم قومه؛ إلّا أنّهم قابلوا إحسانه بالخشونة والقسوة، وتمسكوا بعصيانهم إلى أن حبس الله عنهم المطر مدة ثلاث سنوات حتى أتاهم القحط، ولم يزدهم ذلك إلّا عناداً وطغياناً، وقد عمدوا إلى عبادة الأصنام لتنزل عليهم الأمطار، إلى أن بعث الله لهم غيمةً سوداء، ففرحوا واستبشروا، ولم يعلموا أن فيها هلاكهم، فسخرها الله عليهم سبع ليال وثمانية أيام حتى هلكوا جميعاً؛ إلّا هوداً عليه السلام ومن معه من المؤمنين.[6]

المراجع

  1. ↑ سورة الفجر، آية: 6-7.
  2. ↑ سورة الفجر، آية: 8.
  3. ^ أ ب ت ث ج إِحسان النص، "إِرم ذات العماد"، www.arab-ency.com، اطّلع عليه بتاريخ 2017-10-16. بتصرّف.
  4. ↑ سورة الأحقاف، آية: 21.
  5. ↑ "تعريف و معنى أحقاف في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2017-10-17. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت محمد هشام الشربيني، المخابرات في الدولة الإسلامية، العربي للنشر والتوزيع، صفحة 80-88.