-

من هم أمهات المؤمنين

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

مكانة زوجات النبيّ في الإسلام

رفع الله تعالى قدر زوجات نبيه رضوان الله عليهنّ، ومنحهنّ منزلةً رفيعةً في الدنيا والآخرة، وكانت أولى دلائل هذا التوقير والاحترام؛ أن جعلهنّ للمؤمنين في منزلة أمّهاتهم، وذكر ذلك في القرآن الكريم، فقد قال الله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ۗ)،[1] فأشارت الآية الكريمة إلى وجوب احترام وتوقير المؤمنين لزوجات النبيّ -عليه السّلام- إذ جُعلن في منزلة أمّهاتهم، يقول ابن تيمية -رحمه الله- في الآية إنّها أفادت تحريم نكاح أيٍّ من زوجات النبيّ بعد وفاته أيضاً، ولقد كرّم الله تعالى زوجات النبيّ كذلك حين جعل منزلتهنّ في الجنّة، قال ابن كثير: جعلت منازل أمّهات المؤمنين في أعلى عليين، فوق منازل الخَلق أجمعين، حيث الوسيلة؛ وهي أقرب المنازل من العرش في الجنّة.[2]

ولقد بان فضل أمّهات المؤمنين -رضوان الله عليهنّ- حين خيرهنّ الله تعالى بين البقاء في عصمة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- مع صعوبة حاله وضيق ذات اليد عنده، وبين أن يسرحهنّ ويطلقهنّ طلاقاً يورثهنّ به شيئاً من المال والسعة، فاخترن جميعهنّ البقاء في عصمة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ورغبن فيما عنده من فضلٍ وأجرٍ، وقد ذكر الله تعالى ذلك في القرآن الكريم بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا* وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا)،[3] وكذلك فقد ضاعف الله أجرهنّ حين يطعن رسول الله فقال الله تعالى: (وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ).[4] وهناك شكلٌ آخر لتفضيل الله تعالى لزوجات نبيه على سواهنّ من نساء المؤمنين، وهو اختيارهنّ ليتنزّل القرآن الكريم في بيوتهنّ على النبيّ، ولم ينزل في بيت أحدٍ سواهنّ قطّ، فكان هذا من فضل الله عليهنّ.[2][5]

أمّهات المؤمنين

تزوّج النبي -صلّى الله عليه وسلّم- إحدى عشرة زوجةً، هنّ أمّهات المؤمنين، وقد اختلفت ظروف زواجه لكلّ واحدة منهنّ وسبب الزواج، وقد كانت أولاهنّ خديجة -رضي الله عنها- ولم يجمع معها زوجةً أخرى، ثمّ بعد وفاتها كان له عشر زوجاتٍ أُخر، فيما يأتي تعريفٌ بكلّ واحدةٍ من أمّهات المؤمنين رضي الله عنهنّ:[6]

  • خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وهي خديجة بنت خُوَيلد بن أسد بن عبد العُزَّى بن قصي، كانت طاهرةً عفيفةً في الجاهليّة، تزوجها رسول الله بعدما استأجرته لتجارةٍ لها في الشام، ولم تكن خديجة بكراً، بل كانت زوجةً لرجلين هما: أبو هالة بن زرارة التميمي وعتيق بن عابد بن مخزوم، وأنجبت خديجة -رضي الله عنها- للنبيّ: القاسم وعبد الله ورقية وزينب وأم كلثوم وفاطمة، ولقد كانت خديجة أول من آمن بالنبيّ -عليه السّلام- لمّا سمعت حديثه عن الوحي، فصدّقته ودعمته وآزرته، وكانت له صدراً حنوناً وملجأً إذا عصفت الشدائد وأقبلت، ولقد أحبّها رسول الله حبّاً شديداً، وقد بلغت عند الله كذلك منزلةً رفيعةً، إذ ورد عن النبيّ -عليه السّلام- قوله عن جبريل أنّه يحدّثه فيقول له: (فإذا هي أَتَتْكَ فاقَرِأْ عليها السلامَ مِن ربِّها ومنِّي،وبِشِّرْهَا ببيتٍ في الجنةِ مِن قَصَبٍ لا صَخَبٌ فيه ولا نصبٌ)،[7] وتوفّيت -رضي الله عنها- في شهر رمضان في السنة العاشرة من بعثة النبيّ.
  • سودة بنت زمعة رضي الله عنها، كانت السيدة سودة متزوّجةً من السكران بن عمرو بن عبد شمس، وقد أسلمت وأسلم زوجها في بدايات الدعوة الإسلاميّة، ثمّ توفّي عنها زوجها في مكّة، فتزوجها النبيّ عليه السّلام، وذلك بعد وفاة خديجة، وبقيت -رضي الله عنها- زوجةً وحيدةً للنبيّ ما يقارب الثلاث سنواتٍ، حتى تزوّج بعدها عائشة رضي الله عنها، وإنّ من أكثر ما يذكر من السيدة سودة أنّها وهبت الليلة التي يبيت فيها النبيّ -عليه السّلام- في بيتها لعائشة رضي الله عنهما، وكانت السيدة عائشة تحبّها كثيراً وتذكر خصالها الرفيعة الحسنة، وتوفّيت -رضي الله عنها- في زمن خلافة عمر بن الخطاب.
  • عائشة بنت أبي بكر، ولدت عائشة -رضي الله عنها- بعد البعثة بأربع أو خمس سنوات، وقد ذكر النبيّ أنّ زواجه منها كان بأمرٍ من الله سبحانه، فقال عليه السّلام: (أُرِيتُكِ قبلَ أن أتزوجَكِ مَرَّتَيْنِ، رأيتُ المَلَكَ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ من حريرٍ، فقلتُ له: اكْشِفْ، فكشف فإذا هي أنتِ، فقلتُ: إن يَكُنْ هذا من عندِ اللهِ يُمْضِه، ثم أُرِيتُكِ يَحْمِلُكِ في سَرَقَةٍ من حريرٍ، فقلتُ: اكْشِفْ، فكشف، فإذا هي أنتِ، فقلتُ: إن يَكُ هذا من عندِ اللهِ يُمْضِهِ)،[8] وقد دخل النبي بعائشة بعد ثمانية عشر شهراً من هجرته إلى المدينة، وأمّا صفات عائشة وفضائلها ومواقفها فلا تُحصى، فلقد كانت أحبّ الخَلق إلى رسول الله؛ فعندما سُئل عن ذلك أجاب: عائشة، وقد ورد أنّ جبريل -عليه السّلام- تنزّل على النبيّ؛ ليقرأها السّلام، وقد حوت عائشة -رضي الله عنها- العديد من العلوم كالطب والشعر والفقه والقرآن والحديث والمواريث وعلم الأنساب وغير ذلك، ولقد أحسّت باقي زوجات النبيّ -عليه السّلام- بتميّزها، وتفضيل النبيّ لها حتى غِرن منها وراجعن رسول الله في ذلك، فأجاب النبيّ أمّ سلمة -رضي الله عنها- في حينها عن ذلك فقال: (يا أمَّ سَلَمَةَ، لا تُؤْذِيني في عائشةَ، فإنّه واللهِ ما نَزَلَ عليَّ الوَحْيُ وأنا في لحافِ امرأةٍ منكن غيرَها)،[9] وتوفّيت عائشة -رضي الله عنها- في رمضان، سنة سبعٍ وخمسين، ودفنت في البقيع.
  • حفصة بنت عمر رضي الله عنها، وهي حفصة بنت عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عَدي بن كعب بن لُؤي، ولدت حفصة قبل البعثة بخمس سنين، وقد كانت زوجة خُنيس بن حُذافة، الذي شهد غزوتي بدر وأحد، وأصيب في أحد واستشهد على إثر ذلك، فتزوجها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعد ذلك في شعبان سنة ثلاثٍ للهجرة، فمكثت مع النبيّ -عليه السّلام- وكانت ذات فضلٍ وخُلقٍ كريمين، وتوفّيت سنة خمسٍ وأربعين للهجرة.
  • زينب بنت خزيمة، وقد كنّيت بأمّ المساكين؛ لأنّها كانت كثيرة العطف والمعاونة للمساكين والمحتاجين، تزوجت من الطفيل بن الحارث فطلّقها، ثمّ تزوجت أخاه عبيدة بن الحارث فمات عنها شهيداً يوم بدر، ثم خطبها النبيّ عليه السّلام، لكنّها لم تمكث معه إلا شهرين أو ثلاثة ثم ماتت رضي الله عنها.
  • أمّ سلمة رضي الله عنها، وهي هند بنت أبي أميّة بن المغيرة المخزوميّة، أسلمت قديماً هي وزوجها، وهاجرت الهجرتين، ثمّ مرض عنها زوجها ومات، فتزوّجها رسول الله -عليه السّلام- سنة أربعةٍ للهجرة، وكانت السيدة أمّ سلمة تعدّ من أفقه الصحابيات، وقد روت عن النبيّ -عليه السّلام- ثلاثمئة وثمانية وسبعين حديثًا، اتفق الشيخان على ثلاثة عشر منهم، وانفرد البخاريّ بثلاثةٍ، ومسلمٌ بثلاثة عشر حديثاً، توفّيت -رضي الله عنها- في زمن خلافة يزيد بن معاوية، سنة إحدى وستّين، وقد بلغت التسعين من عمرها.
  • زينب بنت جحش رضي الله عنها، وهي ابنة عمّة رسول الله، كانت السيدة زينب زوجةً لزيد بن حارثة رضي الله عنه، وقد كان النبيّ -عليه السّلام- قد أعلن في الجاهليّة تبنيه لزيد رضي الله عنه، فلمّا أبطل الإسلام التبنّي، أراد الله تعالى أن يوثّق هذا الشرع عند المسلمين، فشاء الله تعالى أن يطلّق زيد زوجته، ثمّ يأتي الأمر من الله سبحانه في القرآن الكريم لنبيّه أن يتزوّجها، وذلك في قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا)،[10] وجاء في فضل زينب -رضي الله عنها- أنّها كثيرة الإنفاق في سبيل الله، واصلةٌ لرحمها، من أتقى الناس وأصدقهم حديثاً، توفّيت -رضي الله عنها- سنة عشرين للهجرة عن ثلاثةٍ وخمسين عاماً، وهي أوّل زوجات النبيّ -عليه السّلام- لحاقاً به.
  • جويريّة بنت الحارث رضي الله عنها، كان اسمها برّة فسمّاها رسول الله -عليه السّلام- جويريّة، وقعت في السبي سنة خمسٍ للهجرة، مع أهلٍ لها من بني المصطلق، وحينما أرادت أن تكاتب نفسها ممّن أسرها، خيّرها رسول الله -عليه السّلام- بخيرٍ من ذلك، وهو أن يكاتبها ثمّ يتزوّجها، فوافقت على ذلك، فعندما شاع خبر زواج رسول الله منها، كره الصحابة أن يكون أهلها وهم أصهار رسول الله -عليه السّلام- في الأسر بين أيديهم؛ فأطلقوهم جميعاً، فكانت من أكثر النساء فضلاً على قومها.
  • أمّ حبيبة رضي الله عنها، وهي رملة بنت أبي سفيان، كانت متزوّجةً من عُبيد الله بن جحش، وقد أسلما معاً، إلا أنّه ارتدّ إلى النصرانيّة ومات على ذلك، وقد كانت حينها في الحبشة في بلاد النجاشي، فأرسل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إليه ليلي أمر نكاحها له، فكان ذلك، وقد كان صداقها -رضي الله عنها- أربعمئة دينارٍ، وهي أكثر نساء النبيّ مهراً.
  • صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها، وهي امرأةٌ اسرائيليّةٌ من أسباط هارون بن عمران، وكانت السيدة صفيّة وقعت في الأسر أثناء غزوة خيبر، في سهم أحد الصحابة، فاشتراها منه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وتزوّجها، وقد تميّزت السيّدة صفيّة بكونها شريفةً عاقلةً، ذات جاهٍ وحسبٍ ودينٍ وجمالٍ، وقد توفّيت -رضي الله عنها- سنة خمسين للهجرة.
  • ميمونة بنت الحارث الهلاليّة رضي الله عنها، وهي آخر زوجةٍ تزوّجها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وقد امتدحت السيدة عائشة فيها تقاها لله وصلتها للرحم، وتوفيت -رضي الله عنها- سنة إحدى وخمسين للهجرة.

الحكمة من تعدّد زوجات النبيّ

تعدّدت حكم تعدّد زواجات النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وظهرت جليّاً في أكثر من موقفٍ، فقد كان زواجه -عليه السّلام- من السيدة زينب بنت جحش؛ لإثبات حكمٍ شرعيٍّ أراد الله تعالى أن يثبته ويحقّقه، وأمّا الزواج من السيدة جويريّة؛ فهو لتأليف قلوب قومها للدخول في الإسلام والنجاة من عذاب الله تعالى يوم القيامة، وذلك بعد أن أطلق سراح كلّ من كان أسيراً في يد المسلمين بسبب ذلك الزواج المبارك، وجاء زواج النبيّ -عليه السّلام- من السيدة عائشة وحفصة؛ لأسبابٍ اجتماعيّةٍ تخصّ والديهما أولاً؛ وذلك بالتقرّب إليهما وتقديم الشكر والتقدير لكلّ جهودهما المبذولة خدمةً للنبيّ والإسلام، ويلي ذلك إنشاء علاقة مصاهرةٍ ونسبٍ بين أطراف عوائل قريش وكبارها.[6]

المراجع

  1. ↑ سورة الأحزاب، آية: 6.
  2. ^ أ ب "فضائل أمهات المؤمنين رضي الله عنهن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-8-17. بتصرّف.
  3. ↑ سورة الأحزاب، آية: 28-29.
  4. ↑ سورة الأحزاب، آية: 31.
  5. ↑ "فضائل أزواج النبي ومدى عصمتهن من الكبائر"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-8-19. بتصرّف.
  6. ^ أ ب "زوجات نبينا صلى الله عليه وسلم وحكمة تعددهن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-8-22. بتصرّف.
  7. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3820 ، صحيح.
  8. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 7012 ، صحيح.
  9. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عروة بن الزبير، الصفحة أو الرقم: 3775 ، صحيح.
  10. ↑ سورة الأحزاب، آية: 37.