من هي أول طبيبة في الإسلام
الصحابيّات الجليلات
كان مجيء الإسلام ونشر رسالته الإنسانيّة ودعوته الخيّرة في مكّة المكرمة أوّل الأمر، ومنها إلى سائر أنحاء الأرض وشتّى بقاعها منذ ذلك اليوم وحتى آخر يوم في الحياة الدنيا، والدعوة الإسلاميّة بما ضمّت وحوت من أحكام عباديّة ومعاملاتيّة وأخلاقيّة وسلوكيّة، كانت سبباً وعاملاً رئيساً في تغيير الواقع والوضع الجاهلي الذي كان عليه حال العرب قبل رسالة الإسلام، وتكليف النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بتبليغها والدعوة إليها.
ولعلّ من أبرز الأمور والأحوال التي كان لرسالة الإسلام الفضل في تغييرها وإبدال ما كانت عليه هو إصلاح حال المرأة، فقد كانت المرأة في المجتمع الجاهلي مُهمَلة المكانة ومسلوبة الحقوق، فجاء الإسلام ليعزّز مكانتها، ويؤكّد على عظيم دورها في خدمة المجتمع والنهوض به، ويثبت لها من الحقوق مثل ما للرجل سواءً بسواءٍ، ومصداقُ ذلك ما روته أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إنّما النِّساءُ شقائقُ الرِّجالِ)،[1] بل هم كذلك في الجزاء والحساب عند الله تعالى، لا يتفضّل أحدهم على الآخر إلّا بعمله، يقول الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).[2]
ومع هذه المكانة التي حظيت بها النساء بعد مجيء الإسلام، انطلقت الصحابيّات الجليلات ومن بعدهنّ من النساء من السلف الصالح في الجدِّ والعمل وأخذ أماكنهنّ في ميادين مختلفة من ميادين الحياة، فلَمع عدد منهنّ في مجالاتٍ مختلفةٍ، وسطّر التاريخ بين دفّات كُتُبه أعظم الأمثلة، وأورد أعظم النماذج لنساءٍ كانت لهنّ بصمة في التاريخ الإسلامي؛ لنبوغهنّ في مجالٍ ما، أو لتصدّرهنّ في مواقف عديدة، أو لبراعتهنّ في العديد من المِهن، ومن بين تلك النساء العظيمات صحابيّة جليلة مارست التطبيب واشتغلت به، فكانت أول طبيبة في الإسلام، فمن هي هذه الصحابيّة؟
رُفيدة الأسلميّة أوّل طبيبة في الإسلام
كان للصحابيّات -رضي الله عنهنّ- دور عظيم في خدمة الدعوة الإسلاميّة، والإسهام في رقيّ المجتمع المسلم، ورفده بالكثير ممّا يحتاج إليه من أعمالٍ وخبراتٍ، ومن بين تلك المجالات مجال الطب والتمريض، الذي كان لعدد من الصحابيّات الكريمات دورٌ عظيمٌ في خدمة المسلمين عن طريق إتقانهنّ للطِّبابة والتمريض، وتجلّى هذا الدور واضحاً وجليّاً في الغزوات والمعارك التي خاضها المسلمون، بمداواتهنّ وعنايتهنّ بالجرحى، ولعلّ من أبرز الصحابيّات اللواتي مارسن هذا العمل، وكانت أوّل طبيبة في الإسلام رفيدة بنت سعد الأسلميّة.[3]
رُفيدة بنت سعد، وقيل كُعيبة بنت سعد الأسلميّة، وقيل الأنصاريّة، بايعت النبي -صلّى الله عليه وسلّم- على الإسلام واعتنقته بعد الهجرة النبويّة، شهدت مع النبي -صلّى الله عليه وسلّم- غزوتَي الخندق وخيبر، وكانت ذات علم، ومُجيدة للقراءة والكتابة، وصاحبة مالٍ وجاهٍ، فكانت تنفق مالها على عملها في التّطبيب والتمريض، فكانت بذلك واهبةً لمالها وجهدها ووقتها في سبيل الله تعالى، وخدمة مرضى المسلمين وجرحاهم.[3][4]
وقد كان لرُفيدة -رضي الله عنها- خيمة طبيّة في المسجد، يُنقَل إليها الجرحى فتداويهم فيها، لتكون خيمتها هذه بمثابة أوّل مستشفىً ميدانيٍّ في الإسلام، وأوردت الروايات أنّ الصحابيّ الجليل سعداً بن معاذ -رضي الله عنه- حين أُصيب في غزوة الخندق، أمر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بأن يُحمَل سعدٌ إلى خيمة رفيدة -رضي الله عنها- في المسجد لتعالجه وتداوي جرحه، كما جاء في الرواية: (لمّا أُصيبَ أَكحُلُ سعدٍ يومَ الخندقِ فثقُل حوَّلوه عند امرأةٍ يُقال لها: رُفَيدةُ، وكانت تُداوي الجَرحى، فكان النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- إذا مرَّ به يقول: كيف أمسيتَ؟ وإذا أصبحَ قال: كيف أصبحتَ؟)،[5] ونظراً للدور العظيم الذي قامت به رفيدة -رضي الله عنها- قسم لها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- من غنائم غزوة خيبر، وجعل لها سهماً كما سهم المقاتل من الغنيمة؛ تكريماً لها وتقديراً لدورها الذي تعدّى نفعه المجاهدين وعامّة المسلمين.[3]
صحابيّات فاضلات
برزت العديد من الصحابيّات -رضي الله عنهنّ- في نشر رسالة الإسلام، ومساندة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في تبليغها والدعوة إليها، منهنّ:
خديجة بنت خويلد
هي أمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- أولى زوجات النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأول من آمنت بدعوته وصدّقته، فهي التي آزرته وواسته، وخفّفت عنه، وساندته بمالها ومكانتها، وله منها أبناء، وهي بشهادة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- لها خير نساء زمانها، وأفضل نساء الجنة، وكانت محبّة رسول الله لها ووفاؤه لها وبرُّه لها ولصديقتها في حياتها وبعد وفاتها، وهذا يدلّ على عِظَم منزلتها في قلب النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ومكانتها عنده،[6] فقد روى عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (أفضلُ نساءِ أهلِ الجنةِ خديجةُ بنتُ خُويلدٍ، وفاطمةُ بنتُ محمدٍ، ومريمُ بنتُ عمرانَ، وآسيةُ بنتُ مُزاحمٍ امرأةُ فرعونَ).[7]
عائشة بنت أبي بكر
هي أمّ المؤمنين عائشة بنت الصّديق أبي بكر رضي الله عنهما، وزوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقد اتّصفت السيدة عائشة -رضي الله عنها- بخصالٍ حميدةٍ، ومناقب جليلةٍ، ولعلّ من أبرزها وأهمّها ما بلغته ووصلت إليه من العلم والفقه؛ فهي أفقه نساء المؤمنين، وهي من أكثر الصحابة الكِرام -رضوان الله عليهم- روايةً للحديث الشريف، فقد أخذ عنها بعض الصحابة وبعض التابعين من علمها، وما روته من الأحاديث وحفظته عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.[8]
المراجع
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن عائشة بنت أبي بكر، الصفحة أو الرقم: 5/219، صحيح.
- ↑ سورة النحل، آية: 97.
- ^ أ ب ت "رفيدة بنت كعب الأنصارية"، www.darulfatwa.org.au، اطّلع عليه بتاريخ 31-12-2017. بتصرّف.
- ↑ ابن سعد (1990)، الطبقات الكبرى (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة: 226-227، جزء: 8. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في السلسلة الصحيحة، عن محمود بن لبيد الأنصاري، الصفحة أو الرقم: جزء3، صفحة148، إسناده صحيح.
- ↑ "فضائل أم المؤمنين خديجة "، articles.islamweb.net، 26-4-2015، اطّلع عليه بتاريخ 31-12-2017. بتصرّف.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4/323، إسناده صحيح.
- ↑ فايز العنزي، "عائشة الصديقة أم المؤمنين"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-12-2017. بتصرّف.