-

من الذي غسل الرسول وكفنه

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

تغسيل النبي عليه السلام وتكفينه

لما توفّي -صلى الله عليه وسلم- اختلف الصحابة في غسله، هل يغسّلونه ويجرّدونه من ثيابه كما يفعلون مع موتاهم المسلمين، أم يغسّلونه وعليه ثيابه؟ فبينما هم كذلك أخذهم النّعاس، فما منهم رجل إلا وذقنه في صدره، وناداهم من ناحية البيت منادٍ لا يُدرى من هو أن اغسلوه وعليه ثيابه، ولا تخرجوا عنه قميصه، فغُسّل النبي -صلى الله عليه وسلم- وعليه قميصه، ولم يُر منه شيء مما يُرى من الميت،[1] وقد تنادى المسلمين أيّهم أحقّ في تغسيل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالأنصار قالوا إنّهم أخواله ومكانتهم معروفة في الإسلام، فلهم الحق في ذلك، وقريش قالوا إنّهم عصبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وطلب كل فريقٍ من أبي بكرٍ أن يكون لهم النّصيب في تغسيله، فما كان من أبي بكرٍ إلا أن أحال الأمر إلى علي والعباس -رضي الله عنهما- من آل بيته -صلى الله عليه وسلم- والذين هم أولى الناس بغسله ودفنه من غيرهم، وقال: "يا معشر المسلمين كلُّ قومٍ أحقُّ بجنازتهِم من غيرهم، فننشدكمُ اللَّه فإِنَّكم إِن دخلتم أخَّرتموهُم عنهُ، واللَّه لا يدخلُ عليه أحدٌ إِلا من دُعي".[2]

وقد قام مجموعة من الصحابة بتغسيل النبي -صلى الله عليه وسلم- معظمهم من آل البيت، ومنهم علي بن أبي طالب، وعمّه العبّاس، والفضل بن العبّاس، وأسامة بن زيد، وشُقران، وصالح مولى رسول الله، وأوس بن خولي، وقد تولّى عليٌّ -رضي الله عنه- غسله فكانت على يده خرقة يدخلها تحت القميص، وكان العباس وأسامة يصبان الماء فوقه وهما معصوبا العينين، والفضل يحتضنه ويمسك الثوب عليه، وكان عليٌّ -رضي الله عنه- يقول: "بأبي أنت وأمي، طبت حيّاً وميتاً"،[2] أما تكفينه فقد رُوي في أمر كفن النّبي -صلى الله عليه وسلم- رواياتٌ مختلفةٌ، ومن أصحّها حديث عائشة رضي الله عنها، وعليه العمل عند أكثر أهل العلم،[3] ولما فُرغ من غُسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- كُفّن في حُلّة يمانية نسبة إلى اليمن، وأُدرج فيها إدراجاً لكنها نُزعت عنه، وكُفّن في ثلاثة أثواب سحوليّة بيض من كرسف يعني من القطن ليس فيها قميص ولا عمامة.[4][5]

وبعد الغسل والتكفين وضعوا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على فراشه، ثم بدؤوا الصلاة عليه، ودخل المسلمون على شكل جماعات متفرّقين، ولم يؤمّهم إمامٌ واحد؛ فكانوا يدخلون حجرته الشريفة فيصلّون عليه فرادى، فأُدخل عليه الرجال فصلّوا عليه، ثمّ دخلت النساء فَصَلَّيْنَ عليه، ثم بعد ذلك الصبيان، ثمّ أُدخل العبيد حتى صلى عليه جميع من في المدينة من المؤمنين، ثم دُفن الرسول –صلى الله عليه وسلم- وسط ليلة الأربعاء، قالت عائشة رضي الله عنها: "ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من جوف الليل ليلة الأربعاء".[6]

وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم

كان هناك من الأمارات ما دلّ على اقتراب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد هيّأ النبي أصحابه لذلك في حجّة الوداع حين قال لهم: (لَعلي لا أراكم بعد عامي هذا)،[7] فما عاش النّبي –صلى الله عليه وسلم- بعد حجة الوداع وبعد نزول آية: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)،[8] إلا إحدى وثمانين ليلةً، وبعد أن رجع النبي -صلى الله عليه وسلم- من حجة الوداع في العام العاشر من الهجرة، مكث بضعة أيامٍ في المدينة وبدأ بتجهيز جيش أسامة بن زيد، وفي هذه الأثناء بدأت تظهر عليه أعراض المرض الذي قُبض فيه، وكلّما اشتدّ عليه المرض كان يتطلّع إلى يومه عند عائشة رضي الله عنها، فاستأذن بقيّة زوجاته بأن يُمرّض في بيتها.[9][10]

وقد ثقل مرض النّبي -صلى الله عليه وسلم- وأهمّه أمر صلاة المسلمين، فسأل أصلّوا أم لا؟ ولمّا عجز عن الخروج إلى المسلمين للصلاة فيهم أمر أبا بكرٍ أن يؤمَّ بالمسلمين، ورَوى أنس بن مالك أنّه بينما هم في صلاة الفجر وأبو بكر يصلّي بهم، فاجأهم كشْف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ستار حجرة عائشة، فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة، ثمّ تبسّم، فظنّ الصدّيق أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يريد أن يخرج إلى الصلاة، وهمَّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحاً به صلى الله عليه وسلم، فأشار إليهم رسول الله بيده أن أتمّوا صلاتكم، ثمّ دخل الحجرة وأرخى الستر، ولم تأتِ على النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاةٌ أخرى؛ لاشتداد مرضه، فأسندته عائشة إليها وناولته السّواك، وما إن فرغ منه حتى رفع يده أو إصبعه وشخُص بصره نحو السّقف وتحركت شفتاه، فأصغت إليه عائشة وهو يقول: (في الرَّفيق الأعلى)،[11] ومالت يده فمات والتحق بالرفيق الأعلى،[9] وقد كانت وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في السنة الحادية عشرة للهجرة في يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول.[12]

دفن النبي صلى الله عليه وسلم

لقد تأخّر دفن النبي -صلى الله عليه وسلم- لاختلاف الصحابة في موته؛ فقد وقع عليهم خبر وفاته كالصاعقة، ولم يصدّقوا ذلك حتى أفاقهم أبو بكر -رضي الله عنه- من ذهولهم، كما إنّهم اختلفوا أين يُدفن، فمنهم من قال: يدفن في مسجده، وآخرون قالوا: في البقيع حيث دُفن ابنه إبراهيم وأصحابه، ومنهم من قال: يُحمل إلى القدس عند قبر أبيه إبراهيم عليه السلام، فتدخّل أبو بكر الصِّدّيق وحلّ الخلاف بينهم، فقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما مات نبيٌّ إلا دُفن حيث يُقبض)،[13] فقرّروا أن يدفنوا الرسول في المكان الذي مات فيه تماماً، وهو أسفل سريره في حجرة عائشة رضي الله عنها،[14] وقد تحقّقت رؤية عائشة -رضي الله عنها- حيث رأت في منامها كأنّ ثلاثة أقمارٍ سقطن في حجرتها، فلمّا قصّت ذلك على أبيها أبي بكر قال لها إن تصدُق رؤياها فإنّه يُدفن في بيتها خير أهل الأرض، فلما تُوفي النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها أبو بكر أنه أحد أقمارها وخيرها.[15]

وحينما أراد الصحابة حفر قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- اختلفوا في الطريقة التي سيحفرون بها قبره، وقد كان هناك طريقتان شرعيّتان للدفن؛ أحدهما طريقة الضّريح وهي معروفة عند أهل مكة، وكان الصحابي أبو عبيدة بن الجراح يقوم بها، أمّا الطريقة الأخرى فهي طريقة اللحد وهي معروفة عند أهل المدينة، وكان الصحابي أبو طلحة الأنصاري يقوم بها،[16] حيث رُوي عن عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (لما مات رسول الله اختلفوا في اللحد والشق، حتى تكلموا في ذلك وارتفعت أصواتهم، فقال عمر: لا تصخبوا عند رسول الله حيّاً ولا ميتاً، فأرسلوا إلى الشَّقَّاق واللاَّحد)،[17] فأرسل العباس رجلين أحدهما إلى أبي عبيدة، والآخر إلى أبي طلحة، ثمّ دعوا الله أن يختار لرسوله الطريقة الأنسب، فوجدوا أبا طلحة ولم يجدوا أبا عبيدة، فعلموا أنّ الله قد اختار لنبيّه طريقة اللحد، فجاء أبو طلحة الأنصاري، ورفع فراش رسول الله، وحفر اللحد الذي سيدفن فيه.[18][16]

وقد بدأ الصحابة ليلة الأربعاء في إنزال الرسول -صلى الله عليه وسلم- في قبره، ونزل في قبره علي بن أبي طالب، وعمّه العباس، والفضل بن العباس، وشُقران مولى رسول الله، وقام أبو طلحة بشقّ لحده، وقد كان شقران حين وُضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حفرته فأخذ قطيفة حمراء قد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلبسها ويفترشها فدفنها معه في القبر، وقال: والله لا يلبسها أحد بعدك، فدُفنت معه.[19]

المراجع

  1. ↑ أبو جعفر الطبري، تاريخ الطبري، بيروت: دار التراث، صفحة 212، جزء 3. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ابن سعد، الطبقات الكبرى، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 213-215، جزء 2. بتصرّف.
  3. ↑ الترمذي (1975 )، سنن الترمذي (الطبعة الثانية)، مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، صفحة 313، جزء 3. بتصرّف.
  4. ↑ ابن كثير، البداية والنهاية، الجيزة: دار هجر، صفحة 125، جزء 8. بتصرّف.
  5. ↑ عبد الكريم خضير، شرح عمدة الأحكام، صفحة 6-7، جزء 19. بتصرّف.
  6. ↑ أبو جعفر الطبري، تاريخ الطبري (الطبعة الثانية)، بيروت: دار التراث، صفحة 213، جزء 3. بتصرّف.
  7. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 886، صحيح.
  8. ↑ سورة المائدة، آية: 3.
  9. ^ أ ب نزار الريان، وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم- وأظلمت المدينة، قطر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، صفحة 31-77. بتصرّف.
  10. ↑ "بعث أسامة إلى مشارف الشام"، islamweb، 2005-2-23، اطّلع عليه بتاريخ 7-4-2019. بتصرّف.
  11. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4451، صحيح.
  12. ↑ "وفاة النبي صلى الله عليه وسلم"، www.islamweb.net، 2002-7-18، اطّلع عليه بتاريخ 7-4-2019. بتصرف.
  13. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي بكر الصديق، الصفحة أو الرقم: 5670، صحيح.
  14. ↑ محمد الشافعي، حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار، الرياض: دار المنهاج، صفحة 390-391. بتصرّف.
  15. ↑ الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 62، جزء 3. بتصرّف.
  16. ^ أ ب الذهبي، سير أعلام النبلاء، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 480-481، جزء 1. بتصرّف.
  17. ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1275، حسن.
  18. ↑ سنن ابن ماجه، ابن ماجه، مصر: دار إحياء الكتب العربية، صفحة 497، جزء 1. بتصرّف.
  19. ↑ إبراهيم العلي، صحيح السيرة النبوية، الأردن: دار النفائس، صفحة 582-583، جزء 1. بتصرّف.