-

لماذا نصوم

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

علاقة العبادات بالسلوك

لمّا اقتضت حكمة المولى -عزّ وجلّ- تشريع الأحكام والفرائض للعباد جعلها الله -سبحانه وتعالى- مرتبطة بسلوك العبد وأخلاقه وقِيَمه، ومن هنا كانت تشريعات الشعائر التّعبدية لها أبعاد ودلالات كبيرة أوسع بكثير من حدود أداء الشعيرة، وهذا من كمال التشريع الرّبانيّ؛ إذ تسعى العبادات في الإسلام إلى تشكيل حلقة متكاملة من السلوك القويم في حياة العبد؛ على اعتبار أنّ الدين يشمل كلّ مناحي الحياة، فتُصبِح العبادات بهذا المفهوم طاقة إيمانية تظهر حقيقتها في أخلاق العبد وتعامله مع ذاته ومع الناس من حوله وفق ما يريد الله تعالى، فالصلاة تنهى صاحبها عن الفحشاء والمنكر، والزّكاة تعمل على حماية نفس المُزكّي من الشّح والبخل، وتدفع إلى الإحساس بضعف الآخرين وحاجتهم، وكذلك فريضة الصيام لها أبعادها وآثارها العظيمة على حياة الفرد والمجتمع، فما هو الصوم؟ ولماذا نصوم؟ وكيف يُسهم الصوم إيجاباً في سلوك الفرد والمجتمع؟

الحِكمة من الصيام

شرع الله -سبحانه وتعالى- الصيام لحِكَم جليلة، ومقاصد عضيمة منها ما يلي:[1]

  • الصيام عبادة مفروضة يُظهر العبد من خلالها الاستسلام لأمر الله تعالى، وهو وسيلة لتحقيق تقوى الله سبحانه وتعالى، فالصائم الذي يستطيع منع نفسه من المباحات في نهار شهر رمضان يصبح أكثر استطاعة وأقوى إرادة في منع نفسه من ارتكاب المحرّمات في الشهور الأخرى من غير شهر رمضان المبارك.
  • الصيام تذكير بفضل الله -تعالى- على عباده، فيُصبح الصائم أكثر اعترافاً وشكراً لِنِعَمِ الله -تعالى- التي لا تُعدّ ولا تُحصى.
  • الصيام يعمل على تذكير الصائمين بمن حولهم من الفقراء والمحتاجين، فيشعُر بحالهم ويشفقُ على ضعفهم وقد أحسّ بحرارة العطش والجوع، ويُسارِع إلى مدِّ يد العون لهم.
  • الصيام إضعاف لسيطرة الشيطان على الإنسان، وقهر لوسوسته؛ حيث إنّ الصيام يحدّ من شهوات النّفس التي تعَدُّ سلاحاً للشيطان في إغواء العباد في البعد عن الله تعالى، فتعلو همّة العبد على فعل الطاعات والاجتناب والابتعاد عن المنكرات.
  • الصيام يُمكِّن المسلم من كسر حدّة الشهوة، ومن هنا جاءت الوصيّة النبويّة المباركة بحَثّ الشباب على الصوم في سبيل تحصين النّفس من الفاحشة والسيطرة على نزوعها للرّذيلة، فقال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (مَن استطاع منكم الباءةَ فلْيتزوَّجْ فإنَّه أغضُّ للبصرِ وأحصَنُ للفَرْجِ ومَن لم يستطِعْ منكم الباءةَ فلْيصُمْ فإنَّه له وجاءٌ)،[2] فالشهوة تسكن وتضعف باعتياد الصوم.
  • الصيام مدرسة أخلاقيّة تُؤَهّل الصائم لسلوكيات إيجابية كثيرة، ويتمرّن فيها على قِيَم رفيعة، فيتعوّد الصائم على مجاهدة النفس والصبر وخاصة في مجال مقاومة المُغريات والمَلذّات المُحرّمة، ويتعلّم الانضباط في تنظيم وقته ومشاغله، ويُعدّ الصيام فرصة سانحة لضبط الكلام من الإساءة والغيبة والنميمة، وهو أيضاً ميدان واسع لتوطين النفس على استشعار مراقبة الله سبحانه وتعالى.
  • الصيام يوحّد مشاعر المسلمين، فيصوم المسلمون كلّهم على اختلاف أماكنهم وأشكالهم وأجناسهم؛ امتثالاً لأمر الله تعالى.
  • الصيام يُسفِر عن آثار كبيرة في سلامة الجسد وصحة البدن ومعافاتها من الأسقام والأمراض؛ فهو يعطي فرصة لراحة الجهاز الهضميّ، ويساعد الجسم على تفريغ السموم، ويشعر مرضى السّكر وارتفاع ضغط الدّم وغيرها براحة كبيرة أثناء الصوم، وبعض الأطباء غير المسلمين يوصون مرضاهم بالامتناع عن الطعام والشراب كوسيلة لعلاج بعض الأمراض.

تعريف الصيام

  • الصيام لغةً: مصطلح أصله الثلاثي الصاد والواو والميم، ودلالته الإِمساك والركود في مكان، ومنه صيام الصائم أي إمساكه عن كلّ ما منع عنه، وكذلك الإِمساك عن الكلام والصمت يعدّ صوماً.[3]
  • الصيام اصطلاحاً: عرّفه الجرجاني بأنّه عبارة عن إمساك مخصوص، وهو الإمساك عن الأكل والشرب والجِماع من الصبح إلى المغرب مع النيّة،[4] وهي عبادة مفروضة واجبة على جميع الأمم ابتداءً من آدم -عليه السلام- وانتهاءً بأمّة محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-مصداقاً لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).[5][6]

أنواع الصيام

يُقسم الصيام في الإسلام إلى أربعة أنواع، بيانها على النحو الآتي:[7]

  • النوع الأول: الصوم الذي فرضه الشرع، وهو صوم شهر رمضان المبارك، إمّا أداءً أو قضاءً.
  • النوع الثاني: الصوم الواجب في الكفارات؛ حيث يجب الصيام فديةً لأذى المُحرِم، ومن لم يجد الهدي يصوم ثلاثة أيام في الحجّ وسبعة بعد رجوعه إلى أهله، وفي كفارة قتل الخطأ، فمن لم يجد رقبة مؤمنة يصوم شهرين متتابعين، وكفارة اليمين لمن عجز عن الإطعام أو الكسوة أو تحرير رقبة فيصوم ثلاثة أيام، وتجب جزاءً لمن قتل الصيد في الإحرام إذا لم يجد المثل من النعم التي اصطادها أو لم يقم بالإطعام، وكفارة الظِهار لمن لم يجد رقبة مؤمنة، فيلزمه صيام شهرين متتابعين، ومن واقَعَ زوجته في نهار رمضان يلزمه صيام شهرين متتابعين إذا لم يجد رقبة مؤمنة يُعتِقها.
  • النوع الثالث: الصوم الواجب بالنذر؛ حيث يجب الصيام بحقّ المُكلّف الذي ألزم نفسه شيئاً لله تعالى نذراً، لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: (من نذر أن يُطِيعَ اللهَ فلْيُطِعْهُ، ومن نذرَ أن يعصِيَه فلا يَعْصِه).[8]
  • النوع الرابع: صوم التطوّع ومحلّه خارج رمضان، وهو من النّوافل التي يُؤجَر عليها العبد وأنواعه كثيرة، منها: صيام الأيام البِيض من كلّ شهر قمريّ أي اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، وصيام يومي الاثنين والخميس من كلّ أسبوع، وصيام ستّة أيّام من شهر شوّال، وصيام يوم عرفة أي التاسع من شهر ذي الحِجّة، ويوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر مُحرّم.

المراجع

  1. ↑ محمد الشوبكي (28-6-2015م)، "الحكمة من تشريع الصيام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-12-2017م. بتصرّف.
  2. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 4026 ، أخرجه في صحيحه.
  3. ↑ أحمد بن فارس (1979م)، معجم مقاييس اللغة، بيروت: دار الفكر، صفحة 323، جزء 3. بتصرّف.
  4. ↑ علي الجرجاني (1983م)، التعريفات (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 36.
  5. ↑ سورة البقرة، آية: 183.
  6. ↑ محمد الرازي (1420هـ)، مفاتيح الغيب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، صفحة 239، جزء 5. بتصرّف.
  7. ↑ محمود سعدات (17-6-2016م)، "أنواع الصيام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-12-2017م. بتصرّف.
  8. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 6696 ، صحيح.