يُعتبر الموت من الحقائق الأساسيّة في الكون، ويعاينه الإنسان فيمن حوله، وسيمر به لا محالة، وقد اهتمّ الكثير من العلماء بموضوع الموت وماهيّته وما بعده من الجزاء والثواب ومن الحساب، ويتردّد على ألسنة الكثير من الناس سؤالهم بالحكمة من موت الإنسان، وكيف يحصل الموت، ورغم تقدّم العلم واتّساع المعارف واشتهار المعدّات الطبيّة الدقيقة إلّا أنّ الموت حقيقة لا بدّ من وقوعها على كلّ إنسان، فلماذا يموت الإنسان؟
كلمة الموت كغيرها من الألفاظ، ولها عند العلماء عدّة معانٍ؛ وفيما يأتي بيان المعنى اللغوي والاصطلاحي للموت:
كتب الله -سبحانه وتعالى- على الإنسان الموت لحِكم جليلة، منها ما يأتي:[5]
يعدّ الموت من الأمور التي لا يعلمها إلّا الله سبحانه وتعالى، وقد استأثر الله -سبحانه وتعالى- به في علم الغيب عنده لحِكمة يعلمها؛ قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)،[8] وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (مفاتيحُ الغيبِ خمسٌ لا يعلمُها إلّا اللهُ: لا يعلمُ ما في غدٍ إلّا اللهُ، ولا يعلمُ ما تغيضُ الأرحامُ إلّا اللهُ، ولا يعلمُ متى يأتي المطرُ أحدٌ إلّا اللهُ، ولا تدري نفسٌ بأيِّ أرضٍ تموتُ، ولا يعلمُ متى تقومُ الساعةُ إلّا اللهُ)،[9] أمّا بالنسبة لحقيقة الموت فقد قال بعض العلماء بأنّها انقطاع لتعلّق الروح بالجسد والمفارقة بينهما، فالانقطاع بينهما ليس انقطاعاً تاماً، وإنما هو تبدّل الحال، والانتقال من دار إلى دار؛ فالإنسان عندما يأتي أجله تنتهي حياته الدنيويّة بصفة نهائيّة، ويدخل في حياة أخرى لا يعلم حقيقتها وتفاصيلها إلّا الله سبحانه وتعالى، والإنسان يكون ميتاً في الشّرع بانقطاع الحياة عن جسده، وهذا موت نسبيّ؛ أي: بالنسبة لعلم الإنسان المحدود، وموت نسبي بالنسبة للدار الدنيا، وهو في الوقت ذاته بداية لدار البرزخ؛ وهي المرحلة التي بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة.[10]
أمّا بالنسبة لمقدمات الموت، أو ما يُعرف بسكرات الموت؛ فهي: الآلآم والشّدة التي تعتلي المرء عند قدوم أجَلِه، وهذه الشّدة إذا كانت على المؤمن لا تدلّ على نقصٍ في إيمانه وتقّواه، وإنّما هي زيادة له في حسناته، أو تكفير له عن سيئاته، أمّا الشدّة بالنسبة للكافر فهي زيادة له في عذابه، فالأموات نوعان؛ هما: ميّت مستريح، وميّت مستراح منه، فعن أبي قتادة الأنصاريّ رضي الله عنه: (أنّ رسولَ اللهِ -صلّى الله عليه وسلّم- مُرَّ عليه بجنازةٍ، فقال: مُستريحٌ ومُستراحٌ منه، قالوا: يا رسولَ اللهِ، ما المستريحُ والمستراحُ منه؟ قال: العبدُ المؤمنُ يَستريحُ من نَصَبِ الدنيا وأذاها إلى رحمةِ اللهِ، والعبدُ الفاجرُ يَستريحُ منه العبادُ والبلادُ، والشجرُ والدَّوابُّ).[11][12]
نهى الإسلام عن تمنّي المرء للموت، لِما ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم : (لا يتمنَّى أحدُكمُ الموتَ، إمّا محسِناً فلعلَّه يَزدادُ، وإمّا مُسيئاً فلعلَّه يَستَعتِبُ)،[13] فالعبد لا يعلم ما ينتظره بعد الموت، وإذا كان تمنّي المرء للموت بسبب شدّة ألمّت به، فإنّ هذا يعدّ من باب الجزع ممّا أصابه، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لا يَتمنَّينَّ أحدُكمُ الموتَ مِن ضُرٍّ أصابَهُ، فإن كانَ لا بدَّ فاعِلاً، فليقُلْ اللَّهُمَّ أحيِني ما كانتِ الحياةُ خَيراً لي، وتوفَّني إذا كانتِ الوفاةُ خَيراً لي)،[14] إلّا أنّ هناك حالتين يجوز تمنّي الموت فيهما؛ الحالة الأولى: أن يخشى المرء على نفسه من الوقوع في الفِتن، والحالة الثانية: تمنّي الشهادة في سبيل الله.[15]