لماذا سمي صلح الحديبية بهذا الإسم
صلح الحديبية
بدأت القصّة عندما رأى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في المنام، وهو في المدينة المنورة، أنّه يذهب إلى مكّة، ويدخلها معتمراً هو وأصحابه فيحلقون روؤسهم، ويُقصّرون، ويذبحون الهدي، فأخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه بذلك، ففرحوا واستبشروا، وظنّوا أنّهم سيدخلون مكّة في العام نفسه بعد صدّ قريش لهم عنه طول السنين الماضية، ثمّ أمر الرسول محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- أصحابه -رضي الله عنهم- أن يتجهّزوا للسفر إلى مكّة، وخرج رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وبرفقته ألف وأربعمئة صحابيّ، ولم يأخذوا معهم من السّلاح إلّا سلاح المسافر، فقلدوا الهدي وأحرموا من ذي حليفة، وتوجّهوا إلى مكّة بنيّة العمرة، ولمّا اقترب المسلمون من مكّة المكرّمة أرسل رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أحد الصحابة ليستقصي له الطريق ويأتيه بأخبار قريش، فما لبث الصحابيّ أن عاد وأخبر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ قريشاً قد جمعت الأحابيش لقتال المسلمين، فتوقّف المسلمون، واستشارهم رسول الله، فقال أبو بكر رضي الله عنه: (إنّما جئنا معتمرين، ولم نأتِ لقاتل أحداً، ولكن إذا قاتلونا فلنقاتلهم)، ولكنّ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أمر الصحابة أن ينزلوا في ذلك الموقع، ثمّ أرسلت قريش بُديل الخزاعي ليتحاور مع رسول الله، فقال: (إنّ القوم مقاتلوك وصادوك عن البيت الحرام)، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (إنّا لم نَجِئْ لقتالِ أحدٍ، ولكنَّا جِئْنَا مُعْتَمِرِين، وإنّ قريشاً قد نَهِكَتْهم الحربُ، وأَضَرَّتْ بهم، فإن شاؤُوا مادَدْتُهم مدةً، ويُخَلُّوا بيني وبينَ الناسِ، فإن أظْهَرَ فإن شاؤوا أن يَدْخُلوا فيما دخَلَ فيه الناسُ فعلوا؛ وإلّا فقد جَمُّوا، وإن هم أبَوْا، فوالذي نفسي بيدِه لأُقاتِلَنَّهم على أمري هذا حتى تَنْفَرِدَ سالفتي، وليَنْقَذَنَّ اللهُ أمرَه).[1][2]
ثمّ أرسلت قريش مكرز بن حفص فأعاد له رسول الله ما قاله للذي سبقه، ثمّ أرسلوا عروة بن مسعود الثقفي، وقال له رسول الله ما قال لمكرز، وبعدها بعث رسول الله عثمان بن عفان -رضي الله عنه- إلى مكّة ليُحاور قريشاً، فتأخر عثمان بالعودة، وشاع أنّه قد قُتل، فاجتمع الصحابة تحت شجرةٍ وبايعوا رسول الله على الثأر لعثمان رضي الله عنه، وسُمّيت بيعة الرضوان، ولكن سرعان ما تبيّن أنّها كانت إشاعة، ورجع عثمان سالماً ففرح رسول الله والصحابة بعودته، وما لبثت قريش أن شعرت بصعوبة الوضع فأرسلت سهيل بن عمرو لعقد الصلح مع المسلمين، وعُرف هذا الصّلح بصلح الحُديبية.[2]
سبب تسمية صلح الحديبية
اختلف العلماء في تسمية حادثة الحديبية، حيث إنّ بعضهم سمّاه بالصلح وهم العلماء الذين اهتموا بتدوين السيرة النبوية، وسمّاها البعض الآخر بقصة الحديبية، وأمر الحديبية، وغزوة الحديبية، واستند كلّ فريق منهم لمُرجح توصل إليه، وكان سبب تسمية الحديبية بهذا الاسم هو الموقع الذي تمّ فيه الصلح، كما ذكر البخاري في صحيحه: (وسار النبيُّ -صلّى الله عليه وسلّم- حتى إذا كان بالثَّنِيَّةِ التي يَهْبِطُ عليهم منها، برَكَتْ به راحلتُه، فقال الناس: حلْ حلْ، فأَلَحَّتْ، فقالوا خَلَأَتِ القَصْواءُ، خلَأَتِ القصواءُ، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ما خلَأَتِ القصواءُ، وما ذاك لها بخُلُقٍ، ولكن حبَسَها حابسُ الفيلِ، ثمّ قال: والذي نفسي بيدِه، لا يَسْأَلُونَنِي خطةً يُعَظِّمون فيها حرماتِ اللهِ إلّا أَعْطَيْتُهم إيَّاها، ثمّ زجَرَها فوثَبَتْ، قال: فعَدَلَ عنهم حتى نزَلَ بأقصى الحديبيةِ على ثَمَدٍ قليلِ الماءِ، يَتَبَرَّضُه الناسُ تَبَرُّضاً، فلم يَلْبَثْه الناسُ حتى نَزَحُوه).[3][4]
بنود صلح الحديبية
كانت بنود صلح الحديبية أربعة بنود، وهي:[5]
- عودة المسلمين إلى المدينة من دون أن يدخلوا مكة في ذلك العام، ودخولهم إليها معتمرين في العام التالي بشرط ألّا يكون معهم إلّا سلاح المسافر، ولا تزيد أقامتهم فيها عن ثلاثة أيام، وخروج قريش منها، وعدم تعرّضهم للمسلمين.
- هدنة مدتها عشر سنواتٍ، لا يتعرّض بها أحد الاطراف للآخر.
- حرية دخول القبائل في تحالف مع أي الطرفين، سواءً مع المسلمين، أو مع قريش، واعتبارالاعتداء على الحليف اعتداءً على الطرف الذي تحالف معه، وخرقاً واضحاً لبنود المعاهدة.
- إعادة من جاء إلى المسلمين هارباً من قريش إلى أهله، بينما لا تسلّم قريش من جاءها هارباً من المسلمين.
مواقف بعض الصحابة يوم الحديبية
كان للصحابة -رضي الله عنهم- عدّة مواقف يوم الحديبية، منها:[6].
- سطّر الصحابة -رضي الله عنهم- أروع الأمثلة في حبّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهذا ما شهد عليه العدو قبل الصديق، حيث قال عروة بن مسعود الثقفي بعد أن لقيَ رسول الله ليفاوضه يوم الحديبية: (لقد وفدت على الملوك كسرى، وقيصر، والنجاشيّ، فوالله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمّد محمّداً، فما يكاد يتنخم بخامة إلّا سقطت في يد أحدهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا أمرهم أبتدروا أمره، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده)، وكان قول عروة السابق لمّا رآه، حيث إنّه كان كلّما كلّم رسول الله أمسك لحيته، وكان رجل بجانب رسول الله يلبس المغفر، يضرب يد عروة بنعل السيف، ويقول له أخّر يدك عن لحية رسول الله، فقال: من هذا؟ فقالوا له: المغيرة بن شعبة، وممّا حدث في ذلك الحوار أنّ عروة قال لرسول الله: إنّي أخاف أن يفرّ من حولك ويدعوك، فأجابه أبو بكر الصّديق قائلاً: (أمصص بظر اللات، أنحن نفرّ عنه؟).[7]
- بعد أن تمّ صلح الحديبية، جاء أبو جندل وهو صحابيّ من المستضعفين في مكّة ولجأ للمسلمين، فطالب به سهيل فرفض رسول الله ذلك، فأصرّ سهيل على أخذه وفقاً للشرط الرابع من شروط المعاهدة، وحاول رسول الله جاهداً ضمّه للمسلمين من غير أن يُلغي المعاهدة، إلّا أن سهيل لم يقبل بذلك، فصبّر رسول الله أبا جندل، وبشّره بالفرج القريب، وأخبره أنّ المسلمين قد عقدوا معاهدة مع قريش، فقام عمر بن الخطاب يمشي بجانب أبي جندل ويقول له: (اصبر يا أبا جندل، فإنّما هم المشركون، وإنّما دم الواحد منهم دم كلب)، ويقرّب منه قائم السيف طمعاً أن يأخذه ويضرب أباه، ولكنّه لم يفعل، ونفذت القضية.
- لمّا قُضي صلح الحديبية، أمر رسول الله أصحابه -رضي الله عنهم- بنحر الهدي، فلم يتحرّك منهم أحد من شدّة ما أصابهم من الحزن، حيث إنّهم كانوا يأملون دخول مكة وأداء العمرة، كما قال لهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأمرهم بنحرها ثلاث مرّات فلم يتحرّك منهم أحد، فدخل رسول الله إلى خيمته، وأخبر زوجته أم سلمة رضي الله عنه بالأمر، وكانت صاحبة عقل ورأي، فاقترحت على رسول الله بأن يخرج إليهم، ويذبح هديه، ويحلق رأسه من غير أن يكلّم أحد، فخرج رسول الله وفعل ذلك من غير أن يكلّم أحداً منهم، فلمّا رأى الصحابة ذلك قاموا فنحروا الهدي، وحلق بعضهم روؤس بعض، حتى كاد يقتل بعضهم بعضاً من شدّة الغمّ.
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، الصفحة أو الرقم: 2731، صحيح.
- ^ أ ب "صلح الحديبية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-5-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المسور بن مخرمة و مروان بن الحكم، الصفحة أو الرقم: 2731، صحيح.
- ↑ "حديث صلح الحديبية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-5-2018. بتصرّف.
- ↑ "وقفات مع بنود صلح الحديبية وتوثيقه"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 7-5-2018. بتصرّف.
- ↑ صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 313-314. بتصرّف.
- ↑ صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم، صفحة 310-311. بتصرّف.