-

لماذا سميت سورة البقرة بهذا الاسم

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

القرآن الكريم

القرآن الكريم كتاب الله ومُعجزة نبيّه محمد -عليه الصّلاة والسّلام- الخالدة، يحوي في ثناياه مئة وأربع عشرة سورةً، لكل سورة منها اسم خاصّ فيها، فمنها من سُمي باسم نبي من أنبياء الله عليهم السّلام، مثل سورة هود، وسورة يونس، ومنها ما سُمّي باسم قصة تحويها السّورة مثل سورة البقرة.

تعريف بسورة البقرة

تُعدّ سورة البقرة أطول سورة في القرآن الكريم، عدد أياتها 286 آيةً، وترتيبها في المُصحف الثّانية بعد سورة الفاتحة، نزلت بالمدينة، بل تُعدّ أوّل سورة نزلت بالمدينة باستثناء الآية (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ)[1] إذ نزلت في حجّة الوداع، فهي آية مكيّة. لسورة البقرة فضلٌ وثواب كبير، وهي ذات أهميّة كبيرة، وتحوي العديد من الأحكام إلى جانب آيات الرّقية، وكغيرها من السّور المدنيّة تناولت سورة البقرة التّشريع الإسلاميّ المُنظِّم لحياة المسلمين في نطاقَي العبادات والمُعاملات، من إقامة الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وأحكام الجهاد، والحدود وغيرها الكثير ممّا يُنظّم حياة الفرد المسلم والجماعة، وذَكَرت السّورة أحوال المُنافقين وصفاتهم، وكذلك صفات الكفّار وأحوالهم.[2]

وممّا يُميّز سورة البقرة عن غيرها من السّور الكريمة وجود أطول آيةٍ في القرآن الكريم في ثناياها، وهي آية الدَّين التي بيّنت أحكام الدَّين في الإسلام، وكذلك اشتمالها على آية الكرسي التي هي أعظم آية في القرآن الكريم. ولأن سورة البقرة ذات منزلة عظيمة، ولكثرة احتوائها على الأحكام والمواعظ، أُطلق عليها اسم فُسطاط القرآن، ولقد جاء فضل سورة البقرة في العديد من الأحاديث النبويّة الشّريفة، منها:[2]

  • قال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: (لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة).[3]
  • قال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: (اقْرَؤوا القرآنَ؛ فإنه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابه. اقرَؤوا الزَّهرَاوَين: البقرةَ وسورةَ آلِ عمرانَ؛ فإنهما تأتِيان يومَ القيامةِ كأنهما غَمامتانِ، أو كأنهما غَيايتانِ، أو كأنهما فِرْقانِ من طيرٍ صوافَّ تُحاجّان عن أصحابهما. اقرَؤوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أَخْذَها بركةٌ، وتركَها حسرةٌ، ولا يستطيعُها البَطَلَةُ. قال معاويةُ: بلغني أنَّ البطلَةَ السحرةُ).[4]
  • عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام: (إنَّ لكلِّ شيءٍ سَنامًا وإنَّ سَنامَ القُرآنِ سورةُ البقرةِ مَن قرَأها في بيتِه ليلًا لَمْ يدخُلِ الشَّيطانُ بيتَه ثلاثَ ليالٍ ومَن قرَأها نهارًا لَمْ يدخُلِ الشَّيطانُ بيتَه ثلاثةَ أيَّامٍ).[5]

سبب تسمية سورة البقرة

سُمّيت سورة البقرة بهذا الاسم لاشتمالها على قصة البقرة التي أمر الله بني إسرائيل بذبحها لاكتشاف قاتل أحدهم، وبعد ذبحها عليهم أن يضربوا الميت بجزء منها، فيحيا بإذن الله ويُخبرهم من قتله، والقصة تبدأ بقوله عزَّ وجلّ: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّه يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللّه أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنَ لَّنَا مَا هِي قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِىَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ اللّه لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ الاَْرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ * وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَرَأْتُمْ فِيهَا وَاللّه مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللّه الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ).[6] ولم ترد قصة بقرة بني إسرائيل إلا في سورة البقرة.[7]

قصة بقرة بني إسرائيل

رُوِي أنَّ رجلاً من بني إسرائيل قُتِل، فاختلف النّاس في القاتل، وحتى يستدلّوا على القاتل أمرهم الله سبحانه عزَّ وجلّ عن طريق الإيحاء لنبّيهم موسى عليه السّلام أن يذبحوا بقرةً، ولم يَذكر لهم مواصفات البقرة تخفيفاً عليهم، ثم يضربوا ببعض تلك البقرة بأي جزء منها ذلك الميت، فإن ذلك الميت سيتكلّم بأمر الله ويُخبِر بمن قتله، فأخبر موسى عليه السّلام بني إسرائيل بذلك، قال الله عزَّ وجلّ: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً)؛[6] فقد جاء ذكر البقرة هنا نكرةً، فخفّف الله عليهم وشدّدوا هم على أنفسهم: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ )،[6] والمقصود هنا السّؤال عن سنّها، فبدأ الاشتراط من هنا لسؤالهم: (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ)؛[6] ليست مُفرطةً في السنّ ولا صغيرة، (عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ)؛[6] أي: بين هذين السِنَّين، وهنا شدّدوا على أنفسهم مرّةً أخرى بسؤالهم عن لونها مع عدم اشتراطه للونٍ مُعيّن، (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا)؛[6] فلما أجابهم عن لونها وعمرها سألوه عن وصفها بقولهم: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ)؛[6] غير مُذلّلة في الحراثة والسّقاية، تحرث أحياناً وأحياناً لا تحرث، نصف في كل شيء: في سنها، وفي كونها تُثير الأرض حيناً لكنّها لا تسقي الحرث، يعني: تعمل شيئاً وتترك أشياء، فليس هناك عيب فيها، وقيل: ليس هناك لون يُداخل الصّفار الذي فيها (مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ).[6] اختلف العلماء في قوله: (وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ) هل هي عائدة على أنّهم تعبوا ووجدوا مشقّةً في الحصول عليها؟ أم أنهم كأنّما أُكرِهوا على هذا الأمر إكراهاً بدليل كثرة سؤالهم واعتراضهم على نبيّهم؟ وعندما فعلوا ما أمرهم الله به وذبحوا البقرة ثم أخذوا جزءاً منها ورموه على جثّة القاتل فنطق بقدرة الله وذكر لهم من القاتل، حيث كان منهم. (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا)؛[6] فكشف الله كذبهم وقتلهم لنفسٍ بغير وجه حقّ، وفوق كل ذلك سترهم على القاتل وادعائهم بالباطل عدم المعرفة وإلباس التّهمة لبريءٍ لا ذنب له.[8]

المراجع

  1. ↑ سورة البقرة، آية: 281.
  2. ^ أ ب د وهبة بن مصطفى الزحيلي (1418هـ)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة الثانية)، دمشق: دار الفكر المعاصر، صفحة 68-71، جزء 1. بتصرّف.
  3. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 780، صحيح.
  4. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 804، صحيح.
  5. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن سهل بن سعد، الصفحة أو الرقم: 780، أخرجه في صحيحه.
  6. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ سورة البقرة، آية: 67- 73.
  7. ↑ وهبة مصطفى الزحيلي (1418)، تفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج (الطبعة الثانية)، دمشق: دار الفكر المعاصر، صفحة 70، جزء 1. بتصرّف.
  8. ↑ صالح المغامسي، سلسلة محاسن التأويل، السعودية: دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية، صفحة 12، جزء 4. بتصرّف.