-

لماذا سمي بيت الله الحرام بالحرام

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

بيت الله الحرام

يُطلَق لفظ بيت الله الحرام على الكعبة المُشرَّفة، قال الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ۚ ذَٰلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)،[1] ويُطلَق البيت الحرام أيضاً على المسجد الحرام، والحرم المكيّ كلّه، ويُعدّ بيت الله الحرام أوّل بيتٍ وُضِع للناس في الأرض لعبادة الله،[2] قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ).[3]

ولبيت الله الحرام منزلة عظيمة عند المسلمين؛ فهو قبلتهم التي يتوجّهون إليها في صلواتهم من جميع أنحاء الأرض، فما سبب تسمية بيت الله الحرام بالحرام، وما مكانته عند المسلمين، وما هي آدابه؟ هذه المسائل وغيرها ما ستبحث فيه المقالة بتوفيق الله وتيسيره.

سبب تسمية بيت الله الحرام بالحرام

سُمِّي المسجد الحرام في مكّة المكرّمة بهذا الاسم؛ لأنّ الله -سبحانه وتعالى- حرّمها إلى يوم القيامة؛ فلا يجوز القتال فيها، ولا قطع شجرها، ولا التقاط لقطتها إلّا من عرّفها، ولا عضد شوكها، ولا يجوز أن يُنفر صيدها،[4] فقد جاء في رواية الصحابيّ الجليل عبد الله بن عباس: (قال رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يومَ فتحِ مكّةَ: (لا هجرةَ، ولكن جهادٌ ونيّةٌ، وإذا استُنْفِرتم فانفروا)، وقال يومَ فتحِ مكّةَ: (إنَّ هذا البلدَ حرَّمَهُ اللهُ يوم خلقَ السماواتِ والأرضَ، فهو حرامٌ بحرمةِ اللهِ إلى يومِ القيامةِ، وإنَّهُ لم يَحِلَّ القتالُ فيهِ لأحدٍ قبلي، ولم يَحِلَّ لي إلا ساعةً من نهارٍ، فهو حرامٌ بحرمَةِ اللهِ إلى يومِ القيامةِ، لا يُعْضَدُ شوكُهُ، ولا يُنَفَّرُ صيدُهُ، ولا يُلْتَقُطُ لقطتُهُ إلا من عرَّفها، ولا يُخْتَلَى خلاهُ)، فقال العباسُ: يا رسولَ اللهِ، إلا الإذخرُ، فإنَّهُ لِقَيْنِهِمْ ولبيوتهم، قال: (إلا الإذخرُ)).[5]

أحكام البيت الحرام

لبيت الله الحرام أحكام خاصّة بيّنتها نصوص القرآن الكريم والسُّنة النبويّة الشريفة، ومن هذه الأحكام ما يأتي:[6]

الصّيد في الحرم

لا يجوز صيد الحرم لورود النصوص الشرعيّة التي تدلّ على حُرمَته ومنعه، وهذا التّحريم ليس شاملاً للحيوانات جميعها، بل للحيوانات التي تنطبق عليها صفات معيّنة؛ كأن يكون حيواناً بريّاً يُباح أكله، وبطبيعته ينفر من البشر، مثل: الغزال، والحمام، والجراد، وغيره، وأمّا من صاد حيواناً مُحرَّماً فعليه المثل فيما له مثل من النّعم، وتجب عليه القيمة فيما ليس له مثل من النّعم، هذا ويدخل في النهي بيض الحمام الذي في الحرم.[6]

قطع شجر الحرم

لا يجوز لأيّ شخصٍ أن يقطع الشّجر الذي في الحرم، ولا النبات الرّطب منه، ولا أن يأخذ شيئاً من ورقه إلا الإذخر، والإذخر هو نباتٌ عشبيّ ذو رائحةٍ عطرةٍ، تُنقََع أزهاره مثل الشاي، ويُستنفَع من خشبه بسقف البيوت، لذا رخّص الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- للمُسلمين فيه. ولا يجوز أن يُقطَع شوك الحرم إلا إذا كان في طريق الناس فيؤذيهم، أو كان في أرض شخص يريد أن يبني فيها؛ أي ممّا تدعو الحاجة الشديدة إلى قطعه وإزالته؛ فيجوز قطع اليابس من شجر الحرم وحشيشه، ويجوز الانتفاع بما انكسر من أغصان الأشجار، وسقط منها من ورق إذا كان بغير فعل الآدميّ، ويجوز قطع ما أنبته الآدميّ من الزرع والبقول وغيره، أمّا النبات المنهيّ عن قطعه فهو ما نبت بنفسه، ويجوز أخذ ما فيه منفع، مثل: الثمار، والسِّواك، وما يُستعمَل كدواء.[7][8][9]

لقطة الحرم

اللقطة في الحرم لا تخلو من أمرين؛ فقد تكون ذات قيمة عند الناس، كأن تكون نقوداً أو سلعةً لها قيمة، فواجدها مُخيَّر بين أمرين؛ إمّا أن يأخذها ولكن بعد أن يُبلّغ عنها ويُعرِّف عليها، أو يُسلّمها للجهات المختصّة، ولا يتملّكها مهما طالت مدّة بقائها عنده، وإمّا أن يتركها إن كان خائفاً من عدم القيام بحقّها من التعريف بها، فيُبرّئ بذلك ذمَّته، ومَن أخذ اللقطة التي تكون ذات قيمة ولم يُعرِّف بها، ولم يردَّها للجهة المختصّة، فإنّه يأثم على ذلك، ويبقى آثماً إلى أن يفعل أحد الأمرين، وقد لا يكون للقطة أيّ قيمة، فيجوز لمن التقطها أن يفعل بها ما يشاء؛ إمّا أن يُعرّفها، أو يتصدّق بها، أو يأكلها.[10]

السيِّئات في الحرم

ذهب جمهور أهل العلم إلى أنّ السيّئات تتضاعف في الحرم المكيّ، واختلفوا في المقصود بمضاعفتها؛ فذهب بعضهم إلى أنّ المقصود هو حملها على حقيقتها؛ أي مضاعفة العدد كما هو الحال في مضاعفة الحسنات، وإلى هذا القول ذهب فقهاء الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة، ومنهم من ذهب إلى أنّ المقصود بها هو التعظيم؛ أي أنّ إثم السيّئات أعظم وعقوبتها أشدّ، ومن حيث العدد فإنّ السيّئة تُعدّ سيّئةً واحدةً، وهذا أحد الأقوال عند كلٍّ من فقهاء الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة، وحسب كلا المعنيين فالواجب على المسلم أن يُبعِد نفسه عمّا يُهلكها؛ فالسيّئة في الحرم عظيمة وشديدة، وكذلك عقابها.[11]

مُضاعفة الحَسنات

اتّفق فُقهاء المذاهب الأربعة الحنفيّة، والشافعيّة، والحنابلة، والمالكيّة على أنّ الحسنات إذا فُعلت في الحرم المكيّ فإنّها تتضاعف، وذلك لقول الله -سبحانه وتعالى- في كتابه العزيز: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ)،[12] قال الإمام القرطبيّ في هذا: أي جعله مُباركاً لتضاعُف العمل فيه، والبركة: كثرة الخير، وقال الشيخ ابن باز رحمه الله: (وبقيّة الأعمال الصالحة تُضاعَف -أي في الحرم، ولكن لم يرد فيها حدّ محدود، إنّما جاء الحدّ والبيان في الصّلاة، أمّا بقيّة الأعمال كالصّوم والأذكار وقراءة القرآن والصّدقات فلا أعلم فيها نصّاً ثابتاً يدلّ على تضعيف مُحدَّد، وإنّما فيها في الجملة ما يدلّ على مُضاعفة الأجر، وليس فيها حدّ محدود).[13]

آداب زيارة المسجد الحرام

لدخول المسجد الحرام جملة من الآداب التي تنبغي مراعاتها، ومنها:[14]

  • تقديم الرِّجل اليُمنى على الرِّجل اليُسرى عند الدخول، وقراءة دعاء دخول المسجد.
  • تنزيه الداخل إلى المسجدِ المسجدَ عن الروائح الكريهة، مثل: الثوم، والبصل، والدخان.
  • الإتيان بتحيّة البيت، وهي ركعتان يؤدّيهما المسلم، أمّا من دخل المسجد مُحْرِماً فيبدأ بالطّواف.
  • تنزيه المسجد عن الخصومة ورفع الصّوت فيه، مع كراهة نشد الضالّة والبيع فيه.
  • الإكثار من القيام بالطّاعات، واجتناب المعاصي، وتجنّب مزاحمة الناس.
  • قراءة دُعاء الخروج من المسجد عند الخروج منه، ويُستحَبّ تقديم الرجل اليُسرى على الرجل اليُمنى عند الخروج منه.

آداب دخول حرم مكّة المكرّمة

لمكّة المكرّمة قدر عظيم عند الله سبحانه وتعالى، وعلى من يريد دخول حرمها آداب ينبغي أن يراعيها؛ إظهاراً لتشريفها على سائر بقاع الأرض، ومن هذه الآداب:[15]

  • الإحرام: يُشرَع لمن دخل الحرم المكيّ أن يُحرم وجوباً أو استحباباً، ويكون الإحرام واجباً على من أراد الحجّ والعمرة، ومُستحبّاً لمن لم يُرِد أداء النّسك.
  • المبيت في ذي طوى والاغتسال: فمن السُّنة لمن يريد دخول مكّة المكرّمة مُحرِماً أن يبيت في ذي طوى، ويغتسل منها إذا كانت في طريقه، أمّا إذا لم تكن في طريقه فإنّه يبيت، ويغتسل في غيرها.
  • وقت دخول مكّة: أفضل الأوقات لدخول مكّة المكرّمة هو وقت النهار.
  • دخول مكّة من أعلاها والخروج من أسفلها: من السُّنة أن يدخل الشّخص مكّة المكرّمة من الثنية العُليا التي في البطحاء، وأن يخرج من الثنية السُّفلى.
  • المحافظة أثناء الدّخول على عدم إيذاء الناس في الزّحام.
  • دخول المسجد من باب بني شيبة.
  • قراءة دعاء دخول المسجد الحرام.
  • البدء بالطّواف للمعتمر أو الحاجّ.

المراجع

  1. ↑ سورة المائدة، آية: 97.
  2. ↑ "الفرق بين المسجد الحرام والبيت الحرام"، www.ar.islamway.net، 4-6-2015، اطّلع عليه بتاريخ 16-10-2017. بتصرّف.
  3. ↑ سورة آل عمران، آية: 96.
  4. ↑ "سبب تسمية المسجد الحرام بالحرام"، www.islamweb.net، 27-5-2012، اطّلع عليه بتاريخ 30-8-2017. بتصرّف.
  5. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 3189، صحيح.
  6. ^ أ ب "أحكام البلد الحرام"، www.makkah.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 27-9-2017. بتصرّف.
  7. ↑ أشرف طه أبو الدهب (2002)، المعجم الإسلامي-الجوانب الدينيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار الشروق، صفحة: 41. بتصرّف.
  8. ↑ "تعريف ومعنى إذخر في معجم المعاني الجامع-معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 6-11-2017. بتصرّف.
  9. ↑ "أحكام البلد الحرام"، www.makkah.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 6-11-2017. بتصرّف.
  10. ↑ "أحكام البلد الحرام"، www.makkah.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 6-11-2017. بتصرّف.
  11. ↑ "أحكام البلد الحرام"، www.makkah.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 6-11-2017. بتصرّف.
  12. ↑ سورة آل عمران، آية: 96.
  13. ↑ "أحكام البلد الحرام"، www.makkah.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 6-11-2017. بتصرّف.
  14. ↑ "آداب زيارة المسجد الحرام"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-9-2017. بتصرّف.
  15. ↑ "أحكام البلد الحرام-آداب دخول مكّة المكرّمة"، www.makkah.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 28-9-2017. بتصرّف.