-

الحكمة في شعر المتنبي

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الحكمة في شعر المتنبي

حُظي الشاعر أبو الطيب المتنبي على شهرة واسعة في شعر الحكمة التي استقاها من التجارب التي عاشها في حياته، كما أخذ قسماً من حكمه من خلال دراسته للفلسفة حيث أصبحت حكمه أمثالاً يقتدى بها، وتظهر مدى فلسفة المتنبي بالحياة، وتميزت هذه الحكم بمطابقتها لواقع المتنبي، وكانت خالية من التقليد أو التكلّف؛ فهو يدوّن ما يجول بنفسه، وما عاشه من تجارب، وكان شعر المتنبي غنيّاً بالحكم سواء بالوصف، أو الرثاء، أو المدح، أو الهجاء، أو الفخر.[1]

تميزت شخصية المتنبي بالعبقرية، والعمق الإنساني، والفصاحة، ورهافة الحسّ عدا عن اعتزازه الشديد بنفسه وبعروبته وبإسلامه، وجاء شعره انعكاساً لهذه الشخصية، وقدرته العالية على معرفة الإنسان وأحواله، والقدرة العالية على التعبير عن نفسيته وأفكاره، وكل هذا لم يأتِ نتيجة عصارة تجربة شاعر عاش خمسين عاماً بل نتيجة اطلاعه الواسع وفهمه لثقافة عصره.[2]

من المتفق عليه في الأوساط الأدبية في العصور القديمة والحديثة أنّ المتنبي كان من أبرز شعراء العرب تميزاً في شعر الحكمة، وأكثرهم نظماً فيها، ولكن دارسي الشعر اعتبروا الحكمة عنده موضوعاً شعرياً منفرداً بذاته، وهذا أمر وجب تصحيحه؛ إذْ إنّ أغراض الشعر الأساسية هي: المدح والهجاء والرثاء ثم يستعان بطرق فنية من أجل ايجاد أساس لهذه الأغراض، وهي أبيات من الغزل في مقدمة القصيدة، ثم الوصف والحكمة، والدلالة على ذلك نجد القليل من قصائد الوصف والغزل أمّا الحكمة فلا توجد قصيدة مستقلة تنفرد بها وحدها.[3]

من المعروف أنّ الحكمة عند المتنبي بارزة في أغلب قصائده وليس في كلها، وتأتي بالغالب من أجل تأكيد معنى أو دعم قضية، والمتابع لأشعار المتنبي يلاحظ القليل من شعر الحكمة في بدايات حياته، وإن وجدت فهي تتصف بالبساطة ويرجع السبب للحياة البدوية التي عاشها في فترة صباه، ولكن عندما انتقل إلى حلب وتتوفر له فرصة الاطلاع على تراث الحضارات الأخرى يصبح هناك شكلاً آخر من الحكمة أكثر تنوعاً وعمقاً.[3]

مصادر الحكمة في شعر المتنبي

اكتسب المتنبي شهرة واسعة لم يحظَ بها غيره من الشعراء، وبلغت هذه الشهرة في حياته الآفاق جعلت منه مصدراً لاهتمام الأدباء والنقاد، وقد ساهمت الأغراض الشعرية المتعددة التي تناولها، والعمق في المعاني والأفكار، والصياغة الفنية في هذا الانتشار إلا أنّ المتقصي لحصيلة شعر المتنبي يجد أنّ العامل الأول لهذا الانتشار هو ما دوّنه من حكم في شعره، والتي أصبحت أمثالاً وأقوالاً تتردد على ألسنة الناس. وهذا يقودنا إلى معرفة مصادر هذه الحكمة ومنها:[4]

  • امتلاك المتنبي لقدرات عقلية مميزة تجسّدت في الموهبة التي كان يتمتع بها في نظم الشعر مبكراً، إضافة إلى الذكاء الحاد والذاكرة القوية والفكر المستنير وسرعة البديهة، زد على ذلك حبه للعلم وسعيه في طلبه؛ فكل هذه الميزات جعلته مؤهلاً لفهم فلسفة الحياة.
  • تنقله بين بادية الشام والعراق في بداية شبابه بعد تركه للكوفة ملازماً لوالده، وكان لحياة البادية الأثر البالغ في ولعه باللغة وتمكّنه من معرفة ألفاظها ومعانيها، واستمر هذا التأثر معه طوال حياته، وظهر في الكثير من شعره.
  • التجارب الإنسانية الصادقة التي عاشها وما مرّ به من أحداث، فكان يستخلص العبر والمواعظ من هذه التجارب ويصيغها على شكل حكم في شعره.
  • الثورة الفكرية والعلمية واللغوية التي عاصرها المتنبي في القرن الرابع الهجري؛ فقد انتشر في هذه الفترة امتلاك الكتب والمصنفات، وتوسعت المكتبات، وظهر الكثير من الأدباء والمفكرين والفلاسفة والشعراء منهم: الخليل بن أحمد، والفارابي، وإخوان الصفا، والبيروني، وابن سينا، والفيلسوف الكندي، وقد كان لهذه الحركة الفكرية الأثر الكبير في شعر المتنبي كيف لا وهو من أكثر الشعراء طموحاً وتجدداً.

أبو الطيب المتنبي

يعتبر المتنبي قامة من القامات الشعرية في الأدب العربي؛ تمكّن بموهبته أن يُخّلد اسمه على مر التاريخ؛ لتميز شعره ونظمه في كافة الأغراض الشعرية، وكان شعره انعكاساً حقيقياً للتجارب التي عاشها حتى أصبح المتنبي مثالاً يقتدى به في تدوين الشعر؛ لشموليته وتميزه وذوقه الخاص، وكان المتنبي طموحاً معتداً بنفسه وبشعره سعى لتغيير ما كان عليه من حال، فاتخذ من الشعر ذريعةً ليصل إلى ما كان يصبو إليه، ولكنه قُتل قبل أن يبلغ مبتغاه، ورغم فشله في تحقيق طموحه إلا أنه تمكّن من تخليد اسمه وشعره على مرّ الزمان.[5]

خصائص شعر المتنبي

اتسم شعر المتنبي بخصائص عديدة، نجملها فيما يلي:[6]

  • حرص المتنبي على اختيار المفردات المناسبة لأغراض شعره؛ ففي الرثاء والمدح يستخدم ألفاط يرفع بها من منزلة الممدوح أو المرثي، وفي الهجاء يقلل من شأن المهجو، أما في الفخر فكانت ألفاظه تعكس نفسه المتعالية، وتمثل حالة الحبّ التي يعيشها في الغزل.
  • صياغة الجمل بشكل سهل بالغة التأثير بحيث تترك الأثر الكبير في نفس السامع.
  • الإكثار من الصور الفنية التي عكست ما بنفسه وخياله، وأظهرت الكثير من عبقريته.
  • الحرص على استخدام الطباق بهدف تثبيت المعنى وتأكيده في ذهن المتلقي.
  • العناية بالجناس والتكرار اضافة إلى الوزن والقافية بما يتناسب مع حالة الشاعر.
  • وضوح النزعة الذاتية للمتنبي في كافة قصائده وموضوعات شعره.
  • احتواء القصائد على حكم إنسانية عميقة تتلاءم مع كل عصر.
  • الظهور الساطع للقيم الجمالية في شعره؛ كانت من الدلائل الواضحة لخلود شعره على مرّ الزمان.

المراجع

  1. ↑ هدى معروف (2016-2017)، ديوان المتنبي دراسة جمالية ، الجزائر: جامعة العربي بن مهيدي - ام البواقي - كلية الآداب واللغات - قسم اللغة والأدب العربي ، صفحة 88. بتصرّف.
  2. ↑ آية محمود (2015)، مالئ الدّنيا وشاغل الناس "المتنبي"، سوريا : المركز الوطني للمتميزين ، صفحة 11. بتصرّف.
  3. ^ أ ب أ.د. حامد طاهر (2014-2016)، الحكمة في شعر المتنبي ، صفحة 2-3. بتصرّف.
  4. ↑ شلوف حسين (2005-2006)، شعر الحكمة عند المتنبي بين النزعة العقلية والمتطلبات الفنية، الجزائر: جامعة الإخوة منتوري - قسنطينة- كلية الآداب والعلوم- قسم اللغة العربية، صفحة 82-88. بتصرّف.
  5. ↑ هدى معروف (2016- 2017)، ديوان المتنبي دراسة جمالية ، الجزائر: جامعة العربي بن مهيدي- أم البواقي- كلية الآداب واللغات- قسم اللغة والأدب العربي ، صفحة 6. بتصرّف.
  6. ↑ هدى معروف (2016-2017)، ديوان المتنبي دراسة جمالية ، الجزائر : جامعة العربي بن مهيدي- أم البواقي- كلية الآداب واللغات- قسم اللغة والأدب العربي ، صفحة 94. بتصرّف.