قصة قصيرة جدا

قصة قصيرة جدا
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

قصة أحلام في الشارع

استيقظتُ عصرَ يوم قائظٍ بعد قيلولة استغرقت وقتًا طويلًا أو قصيرًا، لا أدري، فكما هو معروف أنّ القيلولة في ذلك الوقت بالتحديد تُرغمك على الاستيقاظ من النوم بحالِ من فقد الذاكرة لتوّه، فلا يعي الزّمان ولا المكان!، لذا؛ وبطبيعة هذه الحال لم أُدرك جيّدًا ما كنتُ أنوي فعله بعد الاستيقاظ، إلا أنّي لم أجد نفسي إلا وقد اغتسلتُ وحملتُ رأسي الثقيل معي وقدتُ به إلى الشارع، ويا ليتني لم أفعل ولم أشهد ما شهدت!.

في الشارع وجدتُ الأحلام مُلقاة على قارعة الطريق، منسيّة كأيِّ شيء، أو بالأحرى؛ كاللا شيء!، هذه الأحلام لربّما انتهت صلاحيّتها بعد زمن من وجودها، أو لربّما انتهت قبل أن تبدأ!، مثل الحلم الذي رأيته ذلك اليوم، حلم متجسّد على شكل يكاد أن يكون شبيهًا بطفل وطفلة، بدا لي حينها -ولا يهم ما بدا لي!- أنّهما إخوة، الطفلة تسند رأسها على كتف أخيها، هذا الكتف الذي بالكاد يستطيع إسناد نفسه!، والطفل يركن إلى أمان القلب الأنثويّ الذي يغمر روحه بالطمأنينة، فكأنّهما ملاكان هبطا إلى الأرض وحطّا على مكان خالٍ من كل شيء إلّا منهما!.

حينها، حاولتُ فعل شيء ما، إحضار ثياب وطعام وبعض النقود لهما فما إن بدأت خطواتي بالتحرك حتى استوقفني بدء حوارهما إذ سمعتُ الطفل يقول لأخته:

-حالم: أتعلمين يا رهف؟ وددتُ لو أنّي أرى أولاد الأغنياء كيف يحزنون؟ وهل يجوعون ولو للحظة؟! فنحن نجوع ولا نعرف معنى الشبع، وهم يشبعون ولا أظنهم يعرفون معنى الجوع!، وددتُ لو أنّهم يكونون مكاننا ليوم واحد، لو أنّهم يجربون معنى الفقد والحرمان!.

-رهف: ألا تخجل من قولك هذا يا حالم؟! أتتمنى لهم ما يؤرقنا كلّ يوم ويحوطنا بالبؤس والهوان؟ كيف ترجو للآخرين ما نتألم نحن منه؟ لم أعهدك كذلك يا أخي، إنّ تغيير حالنا للأفضل لا يكون بتمنّي السوء للآخر، كائنًا من كان!.

-حالم: الأمر ليس كذلك يا رهف لكنّي سئمتُ من هذا الحال، ولا حياة لمن ننادي أو نشكو أمرنا، بل لا حياة لأيّ شيء أو أحد حولنا!، آآه كم أودّ أن أكون كمدير البنك الذي مرّ من أمامنا، أحلم أن أكون صاحب سلطة ومال، أمنع الأطفال من النوم في الشوارع وأمنحهم بيوتًا يأوون إليها ومجالس علم ينتفعون بها، صدّقيني لو كنتُ مكانه لما نمتُ لحظةً وفي الخلاء إنسان يجول كالقطة!.

-رهف: انظر من عاد إلى هنا! إنّه مدير البنك.

ولم أجد إلا مدير البنك وقد قطع على الطفلين المسكينين حوارهما الحكيم وأحلامهما الخياليّة باتجاهه نحوهما غاضبًا شاتمًا ومهدّدًا!، أنّه إذا وجد الطفلين مرة أخرى قابعين على باب بنكه فسيمزّقهما إربًا ولن يرحمهما من عقابه!. فهربا من فورهما واختفيا قبل أن أدركهما، قبل حتى أن أفكّ عُقدة لساني من هول الصدمة!، أيا طفلاي المسكينان! ما ذنبكما إذ وُلدتما فقيرين والبطون حولكما تتدلّى مما تحمله في أحشائها من شبع! ولا تشعر بمصابكما؟ ولم أفكر سوى بأنّ الفضيلة تمجدت كعادتها، أنّ مسكينًا حلُم بها...

ملاحظة: القصّة بتصرّف، من نص "أحلام في الشارع" للرافعي من كتابه "وحي القلم".