أبي القاسم الشابي

أبي القاسم الشابي

نشأة أبي القاسم الشابي وحياته

وُلِدَ أبو القاسم الشابي في شهر آذار عام 1909م، في بلدة الشابية إحدى ضواحي توزر في منطقة تسمى الجريد جنوب تونس، والتي كانت لها أثر مهم في شاعرية الشابي، بما تميزت به هذه المنطقة من جمال خلاب وأراضٍ ساحرة، جعلت الشابي يتغنى بها في أشعاره، لكن الشابي لم يستقر في مسقط رأسه طويلاً، فقد اضطر أن يرحل مع والده بعد ذلك إلى مدنٍ تونسية أُخرى، حيث كان والده يشغل منصب رئيس المحكمة الشرعية في عدة مدن تونسية.[1]

تلقَّى أبو القاسم الشابي تعليمه الابتدائي في الكتاتيب، فقد حرص والده أن يعلمه القرآن وهو في عمر الخامسة، وما إن أتمَّ الشابي التاسعة من عمره حتى كان قد حفظ القرآن حفظاً كاملاً، ودلَّ ذلك على نبوغه وذكائه، كما حرص والده على تعليمه اللغة العربية والعلوم الأُخرى بنفسه إلى أن بلغ الحادية عشر، وكان للشابي ميل شديد إلى المطالعة فقرأ في طفولته الكثير من الكتب الدينية والفلسفية القديمة التي يمتلكها والده.[1]

في عام 1921م التحق أبو القاسم الشابي بالكلية الزيتونية في العاصمة، والتي كان لها أثر كبير ونقطة تحول في حياته، فوجد فيها الحرية التي يبدأ منها انطلاقته، فدرس فيها العلوم الدينية واللغوية إلى أن تخرَّج منها عام 1927م، وحصل على شهادة التطويع التي تعتبر من أعلى وأرفع الشهادات في ذلك العصر، وبعد ذلك التحق بكلية الحقوق التونسية، والتي تخرَّج منها عام 1930، وفي أثناء حياته الدراسية قاد حركة طلاب الزيتونة التي طالبت بإصلاح مناهج التعليم والإدارة في الكلية، وكان له الفضل في تأسيس عدد من الجمعيات الأدبية والثقافية التي كانت لها شأن في الحياة الاجتماعية والأدبية.[1]

صفات أبي القاسم الشابي

وصف محمد الأمين الشابي شقيقه أنَّه كان نحيف الجسم، طويل القامة، سريع البديهة، ذكي، دائم الحضور في مجالس الأدب، يبدي رأيه بحزم وقوة، ويجاهر به في شعره ونثره، بالإضافة إلى ما حمله قلبه من حب الوطن ومحاربة الجهل، حيث أدرك الشابي خطورة الأفكار الاستعمارية وسيطرتها على العقول لإبقائها فقيرة وجاهلة، فثار يزرع الحماس في شعبه، ويوقظ ضمائرهم بالشعر، والمحاضرات، وتأسيس النوادي.[2]

فكان الرجل الثائر الذي يرفض الخنوع والذل، وأدرك أنَّ نهوض الأمم لا تكون إلا بالوعي وبمحاربة الظلم والطغيان، وبقي كذلك على الرغم من معاناته أمام الكثير من الناس الذين أنكروا أفكاره وحاربوها. والجدير بالذكر أنَّ حياته كان يغلب عليها طابع التشاؤم، فغرقت نفسه بالألم والشقاء، والناظر في حياة الشاعر يدرك تأثره بالبيئة التي عاش بها، وأنَّ المحن التي آلمت به جعلته يميل إلى حياة صوفية سامية، يناجي الذات التونسية المتألمة، ويحمل آلام بلاده وشعبه فوق آلامه الشخصية.[2]

المسار الأدبي لأبي القاسم الشابي

إنَّ حياة أبو القاسم الشابي الأدبية مرَّت بمسارات مهمة، نذكر أبرزها:[3]

  • انفتاح الشابي على الحضارات الأجنبية، واطِّلاعه على الأدب الأوروبي والأمريكي، رغم ثقافته العربية وتمرسه في آدابها.
  • إلقاء الشابي أول محاضرة في حياته الأدبية في عام 1929م تحت عنوان الخيال الشعري عند العرب، وكان ذلك في المكتبة الخلدونية، إذ استعرض فيها تراث العرب الشعري في مختلف الأزمنة والأمكنة.
  • محبة الشابي للمجالس الأدبية، فكان يخالط كبار الأدباء التونسيين عندما كان تلميذاً في جامع الزيتونة، بالإضافة إلى ارتياده للنوادي الأدبية للاستماع إلى المحاضرات ومجالس الشعر.
  • المناداة بتجديد الشعر العربي وتحريره من الرواسب القديمة، بالاقتداء بالأساليب الأدبية في الأدب الغربي المليء بالخيال والفكر، فقد وجه الشابي الكثير من الانتقادات في محاضراته للعقلية الجامدة لرجال السياسة والثقافة العرب، الذين يرفضون فكرة الانفتاح في الأدب والشعر.
  • المعاناة من ردود فعل المحافظين فقاموا بمقاطعته وانتقاده، بسبب أفكاره الحازمة، مما جعل نفسه تذوب في الحزن، وظهر ذلك جلياً في بعض أشعاره.
  • كتابة قصائد بمواضيع مختلفة؛ ما بين الغزل والوطنيات والطبيعة، وقد نُشِرت قصائده في مجلة أبولو بالقاهرة التي كانت منبراً له، الأمر الذي جعل رئيس تحرير المجلة الشاعر أحمد زكي أبو شادي يطلب منه كتابة مقدمة ديوانه الينبوع.
  • الشابي من الشعراء الذين يحملون الأمل في قلوبهم، فتغنى بالمستقبل وإرادة الحياة، وآمن بالتجديد ورفض التقليد.

مؤلفات أبي القاسم الشابي

ومن أبرز أعمال أبو القاسم الشابي، نذكر منها:[2]

  • ديوان أغاني الحياة: الذي جمعه بنفسه ونشره شقيقه بعد وفاته في عام 1955م، ثمَّ تمت طباعته مرة أُخرى عام 1966م، وأضيفت إليه قصائد لم تنشر في الطبعة الأولى.
  • الخيال الشعري عند العرب: إنَّ هذا الكتاب عبارة عن محاضرة ألقاها الشابي في القاعة الخلدونية حيث تم نشرها عام 1929م.

مرض أبي القاسم الشابي ووفاته

تحمَّل أبو القاسم الشابي أعباء الحياة لوحده بعد وفاة والده، فقلبت حياته رأساً على عقب، وبدأ اليأس يتسلل إلى حياته، إذ كان والده هو من يلبِّي كل ضروب العيش، فانهار ذلك كله مرة واحدة واضطُّر الشابي أن يتحمل مسؤولية عائلته ورعايتهم، ولم يتوقف الأمر هنا، فقد أصيب الشابي بداء تضخم القلب واشتدت عليه الآلام، فقد استمر في إرهاق نفسه دون أن يأخذ بنصيحة الأطباء له بأن يكفَّ عن إرهاق نفسه بالكتابة والقراءة، وأصرّ على مواصلة عمله، حتى عام 1934م اشتد به مرضه فنقل إلى المستشفى الإيطالي بالعاصمة، وفارق الحياة فجر الثلاثاء في اليوم التاسع من شهر تشرين الأول/أكتوبر سنة 1934م، ولم يكن قد بلغ السادسة والعشرين عاماً بعد، ونقل جثمانه إلى مسقط رأسه ودفن في الشابية.[1]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث أبو القاسم محمد كرو (1952)، الشابي، حياته وشعره (الطبعة الأولى)، تونس: المكتبة العلمية ومطبعتها، صفحة 24، 25، 26، 27، 28، 29، 30. بتصرّف.
  2. ^ أ ب ت حنا الفاخوري (1986)، الجامع في تاريخ الأدب العربي الحديث (الطبعة الأولى )، بيروت: دار الجيل ، صفحة 556، 557، 559، 560، . بتصرّف.
  3. ↑ "أبو القاسم الشابي.. شاعر الأمل"، www.aljazeera.ne، اطّلع عليه بتاريخ 11-4-2018. بتصرّف.