شروط العقيقة

شروط العقيقة
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

سنن المولود

يُسنُّ للمسلم إذا أتاه مولود جديد أن يقوم ببعض الأعمال ليبدي شكره لله على ما وهبه، وقد جاء ذكر تلك السنن في مواضع عديدة من السنة النبويّة الشريفة، حيث دعا لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقام بها بنفسه في أكثر الحالات، ومنها اختيار الاسم الحسن للمولود ليفتخر بحمله طوال عمره، ومن ذلك أن يكبِّر الوالد أو غيره في أذن المولود اليمنى، ويقيم الصلاة في أذنه اليسرى، ومن ذلك أيضاً أن يحلق شعره في اليوم السابع، ويعق عنه عقيقةً من الأنعام، اثنتان للذكر وواحدةٌ للأنثى، وقد جاء ذكر تلك الأعمال في ما رواه ابن عباس -رضي الله عنه- قال: (سبعةٌ من السنَّةِ في الصبيِّ يومَ السابعِ يُسَمَّى ويُخْتَنُ ويماطُ عنه الأَذَى وتُثْقَبُ أذُنُه ويُعَقُّ عنه ويحلَقُ رأْسُهُ ويُلَطَّخُ بِدَمِ عقيقتِهِ ويُتَصَدَّقُ بِوَزْنِ شعرِه في رأْسِهِ ذَهَبًا أوْ فضةً)،[1] فما هي العقيقة؟ وما حكمها؟ وماذا يُشترط فيها من الشروط لقبولها عن صاحبها؟

تعريف العقيقة

  • العقيقة في اللغة: يرجع أصل تسمية العقيقة إلى: (الشعر الذي يولد مع الصبي، أو الوبر الذي يكون على البهيمة وقت ولادتها، فيقال: عَقَّ عنه يوم أسبوعه، أي: حُلِقَت عقيقته، وذُبِح عنه، فكان الذبح مع الحلق، فنقل من الشعر إلى الذبح، فقيل للشاة عقيقة).[2] العقيقة فِي اللُّغَة اسمٌ للشعر الَّذي على رَأس المَولُود حِين ولد، وإِنَّمَا سميت العقيقة بذلك لِأَنَّه يشق اللَّحم والجلد.[3]
  • العقيقة فِي الاصطلاح: العقيقة في الاصطلاح هي: اسمٌ لما يُذبح بعد سبعة أيام من ولادة المولود الجديد، ويُقصد بها التقرّب إلى الله وشكره على ما وهب من الولد، وقد سُمّيت بذلك لأنّها تأتي مقارنة لحلق شعر المولود، والعقيقة سُنَّةٌ في اليَوم السَّابِع، وقيل: فِي اليوم الرَّابِع عشر، وقيل: فِي الحادي والعشرين. وَقد عق النَّبِي -صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم- عَن نَفسه بَعْدَمَا بُعِث إليه، وذلك الأمر خاصٌ بالنبي -عَلَيه الصَّلَاة وَالسَّلَام- ولا يجب على جميع أمّته. وتُعرَّف في الاصطلاح بأنها: ما يُذكَّى عن المولودِ شُكراً لله تعالى بِنِيّةٍ وأحكامٍ مَخصوصة، ويصح تسميتها: نسيكةً، أو ذبيحةً.[4]

حكم العقيقة

لم يُجمِع علماء المذاهب على حُكمٍ واحدٍ للعقيقة بل اختلفوا في ذلك اختلافاً ظاهراً؛ فذهب بعضهم كالإمام الشافعي وتلاميذه[5] والإمام أحمد بن حنبل[6] ومن وافقهما إلى القول بإنَّ العقيقة سُنَّةُ مؤكَّدة على جميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وخالفهم المالكية فقالوا: إنَّها مندوبةٌ لا سُنة[7] كما ذهب الإمام أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه ليس لها حُكماً خاصاً، بل هي كغيرها من المباحات، فيجوز فعلها، ويجوز كذلك تركها دون حُرمةٍ أو كراهة.[8]

قال أصحاب المذهب الحنفي ومن وافقهم إنَّ العقيقةَ فعلٌ كان سائداً في الجاهلية، ولما جاء الإسلام أقرها على حالها، وخالفهم جمهور العلماء في ذلك؛ واستدلوا على ما ذهبوا إليه بأن العقيقة وإن كانت موجودةً في الجاهلية فقد جاء الإسلام ليجعلها شعيرةً خاصةً به، وأعطاها قيمةً واحتراماً، وغيّر من مغزاها ومحتواها، فكانت سنةً أو مندوبة على اختلافهم، وقد وردت الكثير من النصوص التي تحثُّ على العقيقة والعمل بها، ومن تلك النصوص ما يلي:

  • قول النبيِّ عليه الصّلاة والسّلام: (الغلامُ مُرْتَهَنٌ بعقيقِتهِ يُذبح عنه يومَ السابعِ، ويسمَّى، ويحلقُ رأسه).[9]
  • روي أن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قالت: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمرهم عن الغلامِ شاتانِ مُكافَئَتانِ، وعن الجاريةِ شاةٌ).[10]
  • كما يروي ابن عباس رضي الله عنهما: (أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَقَّ عن الحَسَنِ والحُسَينِ كبشاً كبشاً).[11]
  • وعن سلمان بن عامر الضبي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (في الغلامِ عقيقةٌ فأهريقوا عنه دماً، وأمِيطُوا عنه الأذى).[12]

شروط العقيقة

أقوال الفقهاء في شروط العقيقة

هناك خلاف في المذاهب الفقهية في شروط العقيقة كما اختلفوا في حكمها، فمن الفقهاء من يقول بلزوم جميع شروط الأضحية في العقيقة، ومن العلماء من قال بعدم اشتراط شيءٍ من تلك الشروط، وفيما يلي بيان ما ذهبوا إليه:[13]

  • ذهب فقهاء المالكيّة والحنابلة والشافعيّة إلى إنه يُشترط أن تتصف العقيقة بجميع ما يشترط في الأضحية، أو أي ذبيحة أخرى يكون الهدف من ذبحها هو التقرّب إلى الله سبحانه وتعالى؛ ومن تلك القربات مثلاً: الهدي، والنذر، والفداء، فيُشترط عند الجمهور ما يلي:[13]
  • يرى الإمام الماوردي من فقهاء الشافعيّة، والشوكاني من الزيدية، والإمام ابن حزم الظاهري صاحب فقه أهل الظاهر، أنّه لا يُشترط في العقيقة شيءٌ مما يُشترط في الأضحية، لا من حيث سنّها ولا من حيث سلامتها، فتجوز العقيقة في كل عقيقة مهما كان وصفها، وتصح في العجفاء الهزيلة، وفي العرجاء، والمريضة، ولكنها في السليمة أفضل، والغاية عندهم من العقيقة مجرد إراقة الدم.
  • يُشترط عندهم أن تكون العقيقة من الأنعام: أي الإبل، والبقر، والغنم، والماعز، ولا يجوز أن تكون من غيرها كالطيور والدواجن.
  • يُشترط في العقيقة أن تبلغ السنّ المعتبَر للذبح في الأضحية، ويرجع ذلك إلى صنفها وحالها، يقول الإمام ابن رشد في ذلك: (وأما سن هذا النسك وصفته فسن الضحايا وصفتها الجائزة). وقال النووي من الشافعية: (المجزئ في العقيقة هو المجزئ في الأضحية، فلا تُجزِئ دون الجذعة من الضأن أو الثنية من المعز والإبل والبقر)، وفي ذلك تفصيلٌ واسعٌ عند الفقهاء.
  • يُشترط في العقيقة كذلك أن تكون خاليةً من أي عيبٍ أو مرضٍ يؤثر في لحمها ويُلحق الضرر به، يقول الإمام مالك: (إنما هي -أي العقيقة- بمنزلة النسك، والضحايا لا يجوز فيها عوراء، ولا عجفاء، ولا مكسورة، ولا مريضة)، ويقول الترمذي: (لا يُجزِئُ في العقيقة من الشاء إلا ما يجزئ في الأضحية).

شروط جواز العقيقة عند الجمهور

بما أن الفقهاء قد اختلفوا في شروط العقيقة فستُذكر الشروط التي قال بها جمهور الفقهاء على وجه الإفراد، لبيان أن هذا القول إنما هو قول من أوجب في العقيقة شروطاً خاصةً كالأضحية، وهذه الشروط عندهم كالآتي:[14]

  • أن تكون العقيقة من الأنعام: ويُقصد بالأنعام هنا المعز، والضأن، والبقر، والإبل، ولا تجوز العقيقة بغير ذلك من الحيوانات؛ كالأرانب، والدجاج، والعصافير.
  • أن تكون خاليةً من العيوب: فلا يجوز أن تكون العقيقة عجفاء هزيلة ليس فيها لحم، ولا عوراء ظاهراً عورها، ولا مريضة ظاهراً مرضها، ولا عرجاء ظاهراً عرجها، والمراد بالعيوب المذكورة هنا العيوب نفسها التي اشترطها الفقهاء في الأضحية لجوازها.
  • أن تبلغ العقيقة السن المطلوب: كما في شروط الأضحية لا تجوز العقيقة بالغنم إلا إذا أنهت الشاة سنةً من عمرها، كما يُشترط في البقر أن تبلغ سنتين، ويُرجع في ذلك إلى ما اشترطه الفقهاء في سن الأضحية لجوازها.

وقت ذبح العقيقة

اختلف الفقهاء في وقت ذبح العقيقة كما اختلفوا في وقت جواز ذبح الأضحية، فقد رأى علماء وفقهاء المذهب الشافعي وعلماء وفقهاء المذهب الحنبلي أن من وُلِد له ولدٌ فقد جاز له أن يعُقَّ عن مولوده ذكراً كان أم أنثى بمجرد خروجه من بطن أُمِّهِ وانفصاله عنها،[5] بينما يرى فقهاء المالكيّة وأصحاب المذهب الحنفيّ وفقهاؤه أنه يُعقّ عن المولود إذا بلغ من العمر سبعة أيام تامات، ولا تجوز العقيقة عندهم قبلَ ذلك، وإذا أخَّرها عن ذلك فلا شيء عليه لكن الأولى والأكمل أن يعُق عنه في اليوم السابع.[4]

المراجع

  1. ↑ رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4-62، رواته ثقات.
  2. ↑ إبراهيم بن إسحاق الحربي أبو إسحاق (1405)، غريب الحديث (الطبعة الأولى)، مكة المكرمة: جامعة أم القرى، صفحة 45، جزء 1. بتصرّف.
  3. ^ أ ب القاضي عبد النبي بن عبد الرسول الأحمد نكري (2000)، دستور العلماء (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 238، جزء 2. بتصرّف.
  4. ^ أ ب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلاميّة الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 276-277، جزء 30.
  5. ^ أ ب يحيى بن شرف النووي، المجموع شرح المهذَّب، بيروت: دار الفكر، صفحة 429، جزء 8.
  6. ↑ منصور بن يونس البهوتي، كشاف القناع، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 24، جزء 3.
  7. ↑ محمد بن يوسف (1994)، التاج والإكليل (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 389، جزء 4.
  8. ↑ أبو بكر بن مسعود الكاساني (1986)، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 69، جزء 5.
  9. ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن سمرة بن جندب، الصفحة أو الرقم: 1522، حكم المحدث: حسن صحيح.
  10. ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة، الصفحة أو الرقم: 1513، حكم المحدث: حسن صحيح.
  11. ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2841، حكم المحدث: سكت عنه؛ وقد قال في رسالته لأهل مكة كل ما سكت عنه فهو صالح.
  12. ↑ رواه ابن حزم الظاهري، في المحلى، عن سلمان بن عامر الضبي، الصفحة أو الرقم: 7/524.صحيح.
  13. ^ أ ب حسام الدين بن موسى محمد بن عفانة (2003)، المفصل في أحكام العقيقة (الطبعة الأولى)، فلسطين: طبع القدس، صفحة 74-75. بتصرّف.
  14. ↑ حسام الدين بن موسى محمد بن عفانة، أحكام العقيقة (الطبعة الأولى)، القدس: أبو ديس، صفحة 32-34. بتصرّف.