هل التوبة النصوح تمحي ما قبلها

هل التوبة النصوح تمحي ما قبلها
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

التوبة

من رحمة الله -تعالى- بعباده أن شرع لهم الرجوع إليه بالتوبة الصّادقة، ورّغبهم في ذلك، حيث قال: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )،[1] فالتوبة واجبة في حقّ المسلم المذنب بإجماع علماء المسلمين على ذلك، وعلى العبد ألّا يقنط من رحمة الله تعالى، فإنّه يقبل التوبة من عباده جميعاً، مهما كان حجم الذنوب التي فعلوها في حياتهم، إن كانوا صادقين في توبتهم؛ لأنّ الله غفورٌ رحيمٌ، ودليل ذلك قوله: (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ).[2]كما قال أيضاً: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)،[3][4]وقال أيضاً في الحديث القدسي الذي أورده الإمام مسلم في صحيحه: (إنَّ اللهَ يقولُ: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني).[5][6]

والتوبة بمعناها الاصطلاحيّ: أن يعترف العبد بذنبه، ويحوّل فعله السيّء إلى الحسن، وأن يقلع عن فعل الذنوب مهما قلّت، ويرجع إلى الله تعالى، ويستشعر كرمه، وفضله،[7] وتُقبل توبة العبد إذا كانت مستوفيةً لشروط قبول التوبة، المتمثّلة بترك الذنب، وعقد العزم على عدم الرجوع إليه، لكن هناك بعض الأوقات التي لا تقبل فيها التوبة، منها: قبل غرغرة الإنسان عند حضور الموت، وقبل أن تطلع الشمس من مغربها، وقبل أن يحلّ عذاب الله تعالى،[8] ويستحبّ أن يقوم الإنسان بأداء صلاة التوبة عند توبته؛ المتمثّلة بصلاة ركعتين، ويستحبّ أيضاً أن يدعو الإنسان الله تعالى بدعاءٍ كان يدعو به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (اللَّهمَّ اغفِرْ لي ذَنبي كلَّه، دِقَّه وجِلَّه، وأولَه وآخِره، وعلانيته وسرَّه).[9][10]

مغفرة الذنوب بالتوبة النصوح

إنّ توبة الإنسان الصّادقة تمحو كلّ ما قبلها من ذنوبٍ اقترفها العبد، ولكن يجب أن تتوافر فيها العديد من الشروط، وهي:[11]

  • الإقلاع عن المعصية، وذلك بتركها تركاً تامّاً.
  • الندم الصادق على ارتكاب المعصية في الماضي.
  • العزم الصادق على عدم العودة إلى اقتراف المعصية مرّةً أخرى.
  • ردّ الحقوق إلى أصحابها، وذلك إن كانت المعصية التي اقترفها العبد في حقّ عبادٍ آخرين.

إذا التزم العبد بالشروط السابقة فهو بذلك تاب توبةً صادقةً، والله -تعالى- يقبل توبة العبد المستوفية للشروط، ويغفر لعبده ذنوبه مهما كانت كبيرةً وكثيرةً، ويكفّر عنه سيئاته، ويدخله جنّات النعيم، حيث قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)،[12] فليحرص الإنسان على التوبة والإخلاص إلى الله -تعالى- فيها، كي يقبلها.[13]

فضائل التوبة

إنّ للتوبة فضائل وفوائد تعود بالخير على الفرد، وفيما يأتي بيان البعض منها:[14][15]

  • تبديل سيئات العبد إلى حسنات.
  • مغفرة ذنوب العبد، مهما كانت صغيرةً أو كبيرةً، كثيرةً أو قليلةً.
  • نيل العبد رحمة الله تعالى.
  • فوز العبد التائب في الدنيا والآخرة.
  • دخول التائب الجنة، والنجاة من النار.
  • كسب محبّة الله تعالى، فالله -تعالى- يحب عباده التائبين، ودليل ذلك قوله: (إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).[16]

الوسائل التي تعين العبد على التوبة

هناك عددٌ من الوسائل التي تُعين الإنسان على التوبة الصادقة؛ حتى يكون من المقبولين عند الله عزّ وجلّ، منها:[14]

  • استحضار العبد الذنب الذي فعله، وما يترتب عليه من عقابٍ في الدنيا والآخرة.
  • إخلاص نيّته لله تعالى، فيبتغي بتوبته وجه الله تعالى.
  • مجاهدة نفسه في طاعة وعبادة الله تعالى، فيحاول قدر المستطاع العمل مع نفسه بتحفيزها على اتباع أوامر الله تعالى، واجتناب ما حرّم ونهى عنه.
  • استحضار وتذكّر الموت دائماً، وأنّه قادمٌ لا محالة.
  • الخوف الدائم من الله تعالى، والخشية منه، فعندما يخشى العبد ربّه، فإنّه يخشى عقابه وعذابه، وبالتالي يحرص على التوبة.
  • استشعار وجود رحمة الله تعالى، فعندما يستشعر رحمة ربّه وغفرانه للذنوب، فإنّه لا ييأس منه.
  • التفكّر في جنّات النعيم، وما أعدّ الله -تعالى- لعباده فيها من نعيمٍ مقيمٍ خالدٍ فيها.
  • الحرص على أداء الفرائض التي أمر بها الله تعالى.
  • المواظبة على الإكثار من النوافل التي تقرّب العبد من ربه، وتزيد من حسناته، وتضاعف أجوره.
  • الإكثار من ذكر الله تعالى، ومن قراءة القرآن الكريم، والاستغفار في كلّ الأوقات والأحوال.
  • الاستعانة بقراءة بعض قصص من تاب إلى الله تعالى، وكيفيّة انقلاب حاله بعد رجوعه إلى الله.
  • الابتعاد عن رفقاء السّوء، والاتجاه نحو الصحبة الصالحة من الأخيار؛ فهم عوناً لصاحبهم على الإكثار من الطاعات، وإرشاده إلى الخير والصواب، وتصحيح سلوكه.
  • اللجوء إلى الله -تعالى- بالدّعاء، بأن يعين على الثبات على الحقّ، وهجر المعاصي والذنوب.

علامات صدق توبة العبد

يوجد العديد من العلامات التي تدلّ على صدق توبة العبد، منها:[4]

  • شعور التائب بالذّنب على ما اقترف من ذنوبٍ، وما أضاع من وقتٍ فيما حرّم الله تعالى.
  • ابتعاد العبد عن الذنب الذي اقترفه، والابتعاد عن كلّ ما يؤدي إليه.
  • القرب من الله تعالى.
  • شعور العبد بالتقصير في حقّ الله تعالى، وفي حقّ نفسه جرّاء ما ارتكب من المعاصي.
  • شعور العبد بأنّ التّوبة التي وُفقّ إليها هي نعمةٌ من الله تعالى، فيحمده عليها، ويحافظ عليها أيضاً.

المراجع

  1. ↑ سورة الزمر، آية: 53.
  2. ↑ سورة الشورى، آية: 25.
  3. ↑ سورة الزمر، آية: 53.
  4. ^ أ ب "التوبة مقبولة بشروطها"، www.islamweb.com، 9-2-2004، اطّلع عليه بتاريخ 15-10-2018.بتصرف
  5. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2675، صحيح.
  6. ↑ "طريقة التوبة من المعاصي"، www.binbaz.com، اطّلع عليه بتاريخ 15-10-2018.بتصرف
  7. ↑ أنور النبراوي (28-11-2010)، "ما هي التوبة؟"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-10-2018.بتصرف
  8. ↑ د.أمين الشقاوي (5-9-2012)، "التوبة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-10-2018.بتصرف
  9. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 483، صحيح.
  10. ↑ "شروط التوبة وصلاتها ودعاء التائب"، www.islamweb.com، 19-7-2006، اطّلع عليه بتاريخ 15-10-2018.بتصرف
  11. ↑ "شروط التوبة وسبيل العودة إلى الله تعالى"، www.binbaz.com، اطّلع عليه بتاريخ 15-10-2018.بتصرف
  12. ↑ سورة التحريم، آية: 8.
  13. ↑ "التوبة تجب ما قبلها"، www.binbaz.com، اطّلع عليه بتاريخ 15-10-2018.بتصرف
  14. ^ أ ب محمد رفيق مؤمن الشوبكي (29-2-2016)، "التوبة: فضائلها والأسباب المعينة عليها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-10-2018. بتصرّف.
  15. ↑ يحيى بن موسى الزهراني، "ممحاة الذنوب [التوبة"]، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-10-2018. بتصرّف.
  16. ↑ سورة البقرة، آية: 222.