صيام شهر محرم

صيام شهر محرم
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

الصيام

شرع الله -تعالى- للمسلمين عبادة الصيام، وأوجب الصيام عليهم في شهرٍ خاصٍ؛ وهو شهر رمضان المبارك، ويعدّ صيام شهر رمضان ركناً من أركان الإسلام، والصيام في تعريف العلماء هو: الإمساك عن المفطرات جميعها، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، بنية الصوم تعبداً لله تعالى، وهو من العبادات التي تورّث التقوى في قلب الإنسان؛ لما فيه من سريّةٍ بين العبد وربّه، فهو المطلع عليه، ويتضح من تعريف الصيام أنّ له ركنان رئيسيان، الأول منهما؛ النية، فيعقد المسلم النية إذا أراد الصيام قبل طلوع الفجر، وأمّا الركن الثاني فهو: الإمساك عن جميع المفطّرات، والمفطّرات التي تفسد الصيام هي: الأكل أو الشرب خلال فترة الصيام بشكلٍ متعمّدٍ، أمّا إن أكل الصائم ناسياً؛ فصيامه صحيحٌ، ولا إثم عليه، والجِماع من المفطرات أيضاً، وكذلك التقيؤ عمداً، والاحتجام، ودليل ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أفطرَ الحاجمُ والمَحجومُ)،[1]والحيض، والنفاس، ونية الإفطار، والردّة عن الإسلام.[2][3]

يقسم الصيام افي الإسلام من حيث حكمه إلى قسمين رئيسيين؛ القسم الأول هو الصيام الواجب وهو: ما كان واجباً بسبب الزمان؛ كصيام شهر رمضان، ومنه ما كان واجباً بسببٍ خاصٍ، وعلّةٍ محددةٍ؛ كصيام الكفّارات، ومنه ما كان واجباً على الإنسان بإيجابه هو على نفسه؛ كصيام النذر، أمّا القسم الثاني من الصيام فهو الصيام المستحب، وهو نوعان، الأول: ما كان صيام الإنسان له تطوعاً مطلقاً من نفسه؛ كأن يصوم يوماً ويفطر يوماً، والثاني: ما كان تطوعاً مقيداً؛ كصيام يوم الاثنين من كلّ أسبوعٍ، أو صيام عاشوراء، أو يوم عرفة وما شابه ذلك، وللصيام مستحبّاتٌ يندب للصائم أن يراعيها أثناء صيامه، منها: السحور، ودليل ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (تسحَّروا، فإن في السَّحورِ بركةً)،[4] ومن ذلك أيضاً تعجيل الإفطار، وكذلك الإكثار من الصدقات وقراءة القرآن، والإفطار على الرطب، فإن لم يجد الصائم رطباً، فليفطر على تمرٍ، فإن لم يجد تمراً، فليفطر على ماءٍ، ومن مستحبات الصيام كذلك؛ الدعاء عند الإفطار، ودليل ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دعوتُهم: الصائمُ حتى يُفطرَ، والإمامُ العادلُ، والمظلومُ).[5][2][3]

صيام شهر محرّم

إنّ شهر محرّمٍ هو أحد شهور السنة الهجرية، ويعدّ من الأشهر الحُرم الأربعة، التي قال الله تعالى فيها: (إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّيْنُ القَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيْهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)،[6] فقد عظّم الله -تعالى- الأشهر الحُرم تعظيماً خاصاً، وجعل الإثم والذنب فيهم عظيماً، وكذلك العمل الصالح والأجر عليه، ومن أجل ذلك حثّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على الصيام في شهر محرّم، واستحبّه للمسلمين، ودليل ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أفضلُ الصيامِ، بعد شهرِ رمضانَ، صيامُ شهرِ اللهِ المُحرَّمِ)،[7] والواقع أنّه لم يثبت عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- صيامه شهراً كاملاً غير رمضان المبارك، لذلك فإنّ الحديث يُحمل على الترغيب بالإكثار من الصيام في شهر محرّم، دون صيامه كاملاً، وفي شهر محرّم يأتي يوم عاشوراء: وهو اليوم العاشر من شهر محرّم، حيث كان يوم عاشوراء اليوم الذي نجّى الله -تعالى- فيه موسى عليه السلام، وأغرق فرعون وجنوده، وكان اليهود يتخذون يوم عاشوراء عيداً، فيحتفلون به، فأراد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مخالفة اليهود بصيام ذلك اليوم، وأمر المسلمين بصيامه كذلك، ودليل ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أنتم أحَقُّ بموسى منهم، فصوموا).[8][9]

وقد كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يتحرّى صيام يوم عاشوراء، ويحرص على ذلك، وأخبر أنّ صيام يوم عاشوراء يكفّر عن الصائم ذنوب سنةٍ مضت، ومما دلّ على ذلك قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (صِيامُ يومِ عاشُوراءَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التِي قَبْلَهُ)،[10] وقد استحبّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- صيام يوم تاسوعاء مع يوم عاشوراء أيضاً، وهو اليوم التاسع من شهر محرّم، إلّا أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- توفي قبل أن يدرك ذلك اليوم من السنة التي تليها، والحِكمة من ذلك؛ مخالفة اليهود بتعظيمهم ليوم عاشوراء وحده، وكذلك الاحتياط في صيام يوم عاشوراء؛ خشية أن يكون تحرّي الهلال خاطئاً، مما يؤدي إلى أن يكون يوم تاسوعاء في العدد هو يوم عاشوراء في الواقع.[9]

الحِكمة من الصيام

شرع الله -تعالى- عبادة الصيام في الإسلام لحِكم عديدة، وفيما يأتي بيان بعضها:[11]

  • في الصيام تضييقٌ على مجاري الشيطان في نفس الإنسان؛ مما يقيه من الأخلاق الرديئة والفاسدة.
  • الصيام يزهّد الإنسان في الدنيا، ويقلل من رغبته في الشهوات.
  • يعين الصيام الإنسان على تذّكر الفقراء والمحتاجين، فإنه يسارع في مد يد العون لهم.
  • في الصيام تركٌ لرغبات الإنسان ومحبوباته من أجل الله تعالى، فإنّ ذلك يعلمه كيف تؤثر طاعة الله على شهوات الإنسان.
  • يعوّد الصيام الإنسان على التحكّم بذاته، ويقوّي القيام إرادة الإنسان وعزيمته، وبذلك يمكنه أن يتحمل المصاعب والآلام، ويكون صبوراً فيما قد يصيبه من همومٍ وابتلاءاتٍ.
  • الصيام يساهم في بناء صحّة جسم الإنسان، ويقيه من بعض الأمراض؛ كالسّمنة التي تسبب السكر، والضغط، وأمراض القلب والشرايين، وإنّ ذلك كله يؤدي بالإنسان إلى الكسل والخمول.
  • يعوّد الصيام الإنسان على الاعتدال في الأكل، فيكون حاله وديدنه في الصيام ودونه سواء.
  • يقوّي الصيام الإخلاص لله -تعالى- وتقواه في قلب المسلم.
  • يؤدي الصيام إلى فتور الشهوة في نفس الصائم؛ فإنه يعمل على إضعاف القدرات الجنسية، وإضعاف القوة المحركة للشهوة لدى الإنسان.

المراجع

  1. ↑ رواه علي بن المديني، في السنن الكبرى للبيهقي، عن شداد بن أوس، الصفحة أو الرقم: 4/265 ، صحيح.
  2. ^ أ ب "تعريف الصيام"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-19. بتصرّف.
  3. ^ أ ب "الصيام"، www.al-eman.com. بتصرّف.
  4. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 1923، صحيح.
  5. ↑ رواه ابن الملقن، في البدر المنير، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 5/152، صحيح.
  6. ↑ سورة التوبة، آية: 36.
  7. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1163، صحيح.
  8. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4680، صحيح.
  9. ^ أ ب "فضل شهر الله المحرم وصيام عاشوراء"، www.ar.islamway.net، 2002-3-18، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-19. بتصرّف.
  10. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي قتادة، الصفحة أو الرقم: 3853، صحيح.
  11. ↑ الشيخ محمد كامل السيد رباح (2014-6-29)، "تعريف الصيام وحكمه والحكمة من مشروعيته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-9-19. بتصرّف.