الصيام في شهر شعبان

الصيام في شهر شعبان

صيام التطوع

الصيام في اللغة: هو مطلق الإمساك،[1] أمَّا شرعاً: فهو إمساكٌ بنيَّة عن أشياء مخصوصة، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، من شخصٍ معيّن مخصوص وهو المسلم العاقل غير الحائض والنفساء،[2] أمَّا التطوع: فهو "التقرب إلى الله -تعالى- بما ليس بفرضٍ من العبادات"،[3] وصوم التطوع: هو "التقرب إلى الله -تعالى- بما ليس بفرضٍ من الصوم"، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لا يَدْخُلُ منه أحَدٌ غَيْرُهُمْ، فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ منه أحَدٌ).[4][5]

واختلف الفقهاء في أنواع صيام التطوع، فقسَّمه الحنفية إلى مسنونٍ ومندوبٍ ونفلٍ، أمَّا الصيام المسنون: فهو يوم عاشوراء وتاسوعاء معاً، والمندوب: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، وصوم الاثنين والخميس، وصوم ستة أيامٍ من شوَّال، ويدخل فيه كل صومٍ ثبت طلبه شرعاً والوعد بالثواب فيه، كصيام داود عليه السلام، والنفل: ما عدا ذلك مما لا يُكره، وقسَّم المالكية صيام التطوع إلى ثلاثة أقسام: سنَّةٍ، ومستحبٍ، ونفلٍ، أمَّا السنَّة: فصيام يوم عاشوراء، والمستحب: صيام الأشهر الحُرُمِ، وشعبان، والعشر الأولى من شهر ذي الحِجَّة، ويوم عرفة، وصيام ستٍ من شوَّال، وثلاثة أيام من كل شهر، والاثنين والخميس، والنافلة: كل صومٍ لا وقت له ولا سبب، إلا الصوم الواجب، وما يُمنع صيامه، وقال الشافعية والحنابلة: "صوم التطوع والصوم المسنون بمرتبةٍ واحدة".[5]

ويجب على الصائم اجتناب الكذب، والغيبة والنميمة، والشتم، لقوله صلى الله عليه وسلم: (مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به، فليسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ في أنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ)،[6] ويُسنّ أن يقول لمن شتمه إني صائم، ويُسنّ للصائم كذلك تأخير السحور، وتعجيل الفِطر، والأفضل أن يُفطر على رطبٍ، فإن لم يجد فعلى تمرٍ، فإن لم يجد فعلى ماءٍ، ويُسن قوله عند فطره: "اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت سبحانك وبحمدك، اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم"، ويُكره للصائم أن يجمع ريقه فيبتلعه ولا يُفطر بذلك، ويحرم عليه بلع النخامة ويُفطر إن وصلت إلى فمه؛ لأنها من خارجه، ويُفطر كذلك إذا تنجّس فمه بدمٍ أو قيءٍ ثم ابتلعه، ويُكره ذوق الطعام بلا حاجة، وكذلك مضغ علكٍ قويٍ يزداد صلابةً مع مضغه، ويُفطر إن وجد طعم العِلك في حلقه، ويحرم مضغ العِلك المتحلل إجماعاً، ويُكره للصائم الإتيان بشيءٍ من دواعي الجِماع إذا كان فيه تحريك لشهوته، ويحرم عليه ذلك إذا ظن أنه سوف يُنزل.[7]

الصيام في شهر شعبان

حكم الصيام في شعبان

قال جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية: يُستحب صوم شهر شعبان؛ لما رُوي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: (كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصُومُ حتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ حتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ، فَما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إلَّا رَمَضَانَ، وما رَأَيْتُهُ أكْثَرَ صِيَامًا منه في شَعْبَانَ)،[8] وذهب الحنابلة إلى عدم استحباب صوم شهر شعبان.[5]

الحكمة من إكثار النبي من صيام شعبان

اختلف العلماء في الحكمة من إكثار النبي- صلى الله عليه وسلم- من صوم شهر شعبان، فقال ابن بطال: كان النبي-صلى الله عليه وسلم- ينشغل عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر؛ لسفرٍ أو غير ذلك ثم يجمعها ويقضيها في شهر شعبان، وقيل: كان يصومه تعظيماً لشهر رمضان، وقال بعضهم: الحكمة في إكثاره -صلى الله عليه وسلم- من صيام شعبان دون غيره من الشهور؛ أن أزواجه كنَّ يقضين ما عليهنَّ من رمضان في شعبان، فكان صيامه مع أزواجه، وقيل: الحكمة في ذلك أن شهر شعبان يتبعه شهر رمضان، والصيام في رمضان واجبٌ لا مجال لصيام التطوع فيه، فيصوم في شعبان قدر ما يصوم من شهرين في غيره؛ لما يفوته من صيام التطوع في رمضان، والأولى في ذلك ما رُوي عن أسامة بن زيدٍ حيث قال: (يا رسولَ اللَّهِ! لم أرك تَصومُ شَهْرًا منَ الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ؟! قالَ: ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ).[9][10]

حكم صيام النصف الثاني من شعبان

يدل النهي الوارد في حديث أبي هريرة: (إذا انتصف شعبانُ، فلا تصوموا حتى يكونُ رمضانُ)،[11] وقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تَقَدَّمُوا رَمَضانَ بصَوْمِ يَومٍ ولا يَومَيْنِ إلَّا رَجُلٌ كانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ)،[12] على عدم جواز صيام النصف من شعبان، إلا لمن كانت له عادةٌ من صيام تدخل فيها تلك الأيام،[10] وقال الحنابلة: يُكره صيام يوم الشك، أي يوم الثلاثين من شهر شعبان، إذا لم يكن غيمٌ أو سحابٌ أوقَتَر.[13]

أحكام النيَّة في صوم التطوع

قال جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة: لا يُشترط في صوم التطوع تبييت النيَّة، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (دَخَلَ عَلَيَّ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ذَاتَ يَومٍ فَقالَ: هلْ عِنْدَكُمْ شيءٌ؟ فَقُلْنَا: لَا، قالَ: فإنِّي إذَنْ صَائِمٌ)،[14] وذهب المالكية إلى اشتراط النيَّة في صيام التطوع كالصيام الواجب، فلا بد من تبييت النيَّة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يبيِّتِ الصِّيامَ منَ اللَّيلِ فلا صيامَ لَه)،[15] فلا تجوز النيَّة بعد الفجر، واختلف جمهور الفقهاء في آخر وقت للنيَّة في صيام التطوع؛ فذهب الحنفية إلى أن آخر وقتٍ للنيَّة هو قبل نصف النَّهار الشرعي، والمراد بالنَّهار الشرعي: ظهور ضوء الشمس في الأُفق من المشرق إلى غروب الشمس، وذهب الشافعية إلى أن آخر وقتٍ للنيَّة هو قبل الزوال، وذهب الحنابلة والشافعية في رواية أخرى إلى أن آخر وقتها يمتد إلى ما بعد الزوال، واتفق الفقهاء على أنه لا يُشترط تعيين النيَّة في صوم التطوع، فيصح صوم التطوع بمطلق النيَّة، ويُشترط لصحة نيَّة صيام التطوع في النَّهار أن لا يكون قد فعل شيئاً من المفطرات قبل النيَّة.[5]

المراجع

  1. ↑ أحمد بن محمد الفيومي، المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، بيروت: المكتبة العلمية، صفحة 352، جزء 1.
  2. ↑ منصور بن يونس البهوتي (1993)، دقائق أولي النهى لشرح المنتهى (الطبعة الأولى)، الرياض: عالم الكتب، صفحة 469، جزء 1. بتصرّف.
  3. ↑ محمد بن أحمد الشربيني (1994)، مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 182، جزء 2.
  4. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 1896، صحيح.
  5. ^ أ ب ت ث وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية (1993)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: دار الصفوة، صفحة 86-96، جزء 28. بتصرّف.
  6. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 1903، صحيح.
  7. ↑ منصور بن يونس البهوتي، الروض المربع شرح زاد المستقنع، بيروت: دار المؤيد- مؤسسة الرسالة، صفحة 234-237. بتصرّف.
  8. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم المؤمنين عائشة، الصفحة أو الرقم: 1969، صحيح.
  9. ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن أسامة بن زيد، الصفحة أو الرقم: 2356، حسن.
  10. ^ أ ب ابن حجر العسقلاني (1959)، فتح الباري شرح صحيح البخاري، بيروت: دار المعرفة، صفحة 214-215، جزء 4. بتصرّف.
  11. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 397، صحيح.
  12. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1082، صحيح.
  13. ↑ عبدالقادر بن عمر التغلبي (1983)، نيل المارب بشرح دليل الطالب (الطبعة الأولى)، الكويت: مكتبة الفلاح، صفحة 282، جزء 1. بتصرّف.
  14. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1154، صحيح.
  15. ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن حفصة بنت عمر، الصفحة أو الرقم: 2333، صحيح.