اعتنى الإسلام بالحقوق بشكلٍ كبيرٍ، فالحق هو "الشيء الثابت الذي لا يُسوَّغ إنكاره"، أمَّا الحقوق الإسلامية فهي التي جاء بها نصٌ يدل على وجوب أدائها وعدم التفريط بها بحالٍ من الأحوال، لما يترتّب على الإتيان بها من المصالح في الدين والدنيا، ومن ضياعٍ لهذه المصالح عند التفريط بها، وأول هذه الحقوق وأعظمها حق الله -تعالى- خالق كل شيءٍ ومدبّر أُمور خلقه، فهو الذي أوجد الكون من العدم، وتفضّل على عباده بالنعم، ويتلخّص أداء حق الله -تعالى- بعبادته وعدم إشراك غيره بالعبادة معه، فقد خلق الله -سبحانه- الجن والإنس وأرسل إليهم الرسل والكتب من أجل العبادة، يقول الصحابي معاذ بن جبل رضي الله عنه: كنت ردف النبي -صلى الله عليه وسلم- على حمارٍ يُقال له غفير، فقال: (يا مُعاذُ، هلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ علَى عِبادِهِ، وما حَقُّ العِبادِ علَى اللَّهِ؟ قُلتُ: اللَّهُ ورَسولُهُ أعْلَمُ، قالَ: فإنَّ حَقَّ اللَّهِ علَى العِبادِ أنْ يَعْبُدُوهُ ولا يُشْرِكُوا به شيئًا، وحَقَّ العِبادِ علَى اللَّهِ أنْ لا يُعَذِّبَ مَن لا يُشْرِكُ به شيئًا، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ أفَلا أُبَشِّرُ به النَّاسَ؟ قالَ: لا تُبَشِّرْهُمْ، فَيَتَّكِلُوا).[١][٢]
إن من حق الله -تعالى- على عباده الإيمان به، أي الإيمان بكل ما أخبرنا به عن نفسه أو أخبرنا عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأسماء والصفات، ومنه أن الله -تعالى- هو الرازق، وهو المتَّصف بصفات الكمال في ذاته وأفعاله وأسمائه وصفاته، والإيمان بأنَّه لا شريك ولا مثيل أو شبيه له، وهو العليم بكل ما كان وما يكون وما سيكون وما لو كان كيف يكون، يقول تعالى: (يَعبُدونَ مِن دونِ اللَّـهِ ما لا يَملِكُ لَهُم رِزقًا مِنَ السَّماواتِ وَالأَرضِ شَيئًا وَلا يَستَطيعونَ فَلا تَضرِبوا لِلَّـهِ الأَمثالَ إِنَّ اللَّـهَ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ)،[٣] ويكون الإيمان بأسماء الله -تعالى- وصفاته من غير تشبيهٍ أو تحريفٍ أو تعطيلٍ، كما يتضمّن الإيمان بالله عدة أُمورٍ منها:[٤]
أمَّا التوحيد فهو أصل صلاح وقبول جميع الأعمال، وهو أول ما أوجب الله -تعالى- على عباده، ولفظ التوحيد من وحَّد؛ أي جعل الشيء واحداً، ولا يتحقّق إلا بالنفي والإثبات، فقول لا إله إلا الله يتضمّن نفي الألوهية عن غير الله -تعالى- مع إثباتها له وحده، وقد ذكر أهل العلم عن طريق البحث والاستقراء في القرآن الكريم والسنة النبوية ثلاثة أنواعٍ للتوحيد، وهي:[٥]
يمكن تقسيم مفهوم العبادة إلى عام وخاص على النحو الآتي:[٦]
وقد قسَّم العلماء العبادة إلى نوعين هما:[٦]
وتكون الأعمال التي يقوم بها الإنسان عبادةً إذا أراد العبد بها الامتثال لأوامر الله -تعالى- ونيل حبِّه ورضاه، فمن كانت نيَّته في إدخال الفرح على قلب أخيه المسلم الاستجابة لأمر الله -تعالى- كان فعله عبادة، وينطبق هذا المعنى على جميع شؤون الحياة من مأكلٍ، ومشربٍ، ونومٍ، وسفرٍ، وإقامةٍ، وبذلك تكون النية هي الضابط الدقيق بين العادة والعبادة، وتتضمّن العبادة على أربعة أمورٍ مهمّة، وهي: قول القلب بإيمانه بما أخبر الله -تعالى- به عن نفسه من الأسماء والصفات والأفعال، وقول اللسان بالدعوة إلى الله -تعالى- والإخبار عنه، وعمل القلب بالتوكل على الله، ومحبّته، ورجاء قربه، والخوف من عقابه، وإخلاص العبادة له، أمَّا عمل الجوارح فيكون بالصلاة، والصيام، ومساعدة الفقراء، والإحسان إلى الناس، وغيرها من الأعمال الصالحة، وعليه فإنَّ العبادة بمفهومها الشامل تتَّسع لِتشمل جميع جوانب الحياة، وليست مقتصرةً على العبادات الشعائرية فقط، فالعبادة التي أراد الله لها أن تكون الغاية من الخَلق تستوعب الحياة بجميع جوانبها.[٧]
إنَّ للعبادة مجموعةً من الشروط حتى تكون صحيحةً ومقبولةً، وهي:[٨]
وكما أنَّ للعبادة شروط صحة فإنَّ لها مُبطلاتٍ تنزع عنها قيمتها؛ منها:[٨]
إن على الإنسان أن يُعجِّل في التوبة، فهو في تقلُّبٍ دائمٍ ما بين صحةٍ وسقمٍ، وغنىً وفقرٍ، وفراغٍ وشُغلٍ، فالعاقل من تعجَّل بتوبةٍ نصوحٍ دون تسويفٍ أو تأجيلٍ،[١٠] وقد ورد لفظ التوبة ومشتقّاتها في القرآن الكريم والسنة النبوية بشكلٍ كبير؛ لما يُشير إليه من الأهمية، ويتألّف هذا اللفظ من علمٍ وحالٍ وفعلٍ، وتفصيل ذلك كما يأتي:[١١]
وعُرِّفت التوبة بأنَّها العودة إلى الله -تعالى- بفعل ما أمر به والابتعاد عن ما نهى عنه، وعرّف الإمام ابن حجر التوبة بأنها: "ترك الذنب لقبحه، والندم على فعله، والعزم على عدم العود، ورد المظلمة إن كانت، أو طلب البراءة من صاحبها"،[١١] والمُتأمّل في النفس البشرية يُدرك مدى حاجة الناس للتوبة، فالإنسان بطبيعته خطّاء، مما يتطلّب وجود العلاج، فكان في وجوب التوبة في حق المسلمين خير علاج، يقول الإمام القرطبي -رحمه الله- في وجوب التوبة: "واتّفقت الأمة على أنَّ التوبة فرضٌ على المؤمنين، وهي فرضٌ على الأعيان في كلِّ الأحوال وكلِّ الأزمان"، وعلى التائب أن يُسارع في الرجوع إلى الله -تعالى- من غير تسويفٍ أو تأخيرٍ، ومما يؤكّد على أهمية الفورية في التوبة قوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّـهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّـهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُون).[١٢][١٣]
إن من حقوق الله -تعالى- على عباده قيامهم بأداء الفرائض، وأهم هذه الفرائض وأعظمها عند الله الصلاة، وقد أوجبها الله -تعالى- على عباده بمقدار خمس صلواتٍ في اليوم والليلة، وأيضاً من الفرائض أداء الزكاة؛ وهي ما يؤخذ من أموال أغنياء المُسلمين ويُرَّد إلى فقرائهم، ومن حقّ الله على عباده صوم رمضان، ومن الجدير بالذكر أنَّ الصوم من العبادات التي اختَّص الله بها من بين سائر العبادات؛ لما فيه من الإخلاص، فهي من العبادات التي لا يطّلع عليها الناس بل هي خاصّة بين العبد وربّه، أمَّا فريضة الحج فهي واجبةٌ على من ملك الزاد والراحلة.[١٤]
إن عبادة الصبر من العبادات التي لا يُدرك فضلها إلا قلّة من العباد الذين صبروا على أقدار الله -تعالى- دون اعتراضٍ أو جزعٍ على القضاء والقدر، وللصبر ثلاثة أنواع:[١٤]
إنَّ يقين المؤمن بما أخبر الله -تعالى- به وكأنَّه يراه بعينه يُثمر التوكل على الله، وهو صدق اعتماد القلب على الله -تعالى- في جلب المصالح ودفع المضار من أُمور الدنيا والآخرة،[١٥] وبالإضافة إلى ذلك فقد عرّف كثيرٌ من الفضلاء والعظماء التوكّل بتعاريفٍ كثيرة، وفيما يأتي بعضها:[١٦]
وإنَّ من ثمرات التوكل تحقيق الإيمان، فالتوكل من أهم وأعظم عناصر وشروط الإيمان بالله تعالى، ولا يتم الإيمان إلا به، كما إن التوكل يُثمر ارتياحاً في النفس وطمأنينةً في القلب، ويكفي الله -سبحانه- من توكّل عليه جميع شؤون حياته، فهو -سبحانه وتعالى- حسبه، وهو أمان الخائفين وملجأ العالمين،[١٧] ولا بد من الإشارة إلى أنَّ التوكل على الله -تعالى- لا يتعارض مع الأخذ بالأسباب، فالتوكل يستند إلى أمرين: الثقة بالله مع الاعتماد عليه، بالإضافة إلى الأخذ بالأسباب، والمؤمن يأخذ بالأسباب باعتبارها سنن الله في خلقه دون الاعتماد عليها،[١٨] وتظهر محبة الله -تعالى- في تعظيمه ورجاء عفوه ومغفرته والخوف من عذابه، فهي من أعمال القلوب التي تُعدُّ من أُصول الشريعة الإسلامية التي يكتمل بها الإيمان، أمَّا عن حكمها فهي واجبة بإجماع المُسلمين.[١٩]
يعدّ الإيمان بالرسول -صلى الله عليه وسلم- من أركان الإيمان التي أوجب الله -تعالى- على عباده الإيمان بها، قال تعالى: (قُل يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّي رَسولُ اللَّـهِ إِلَيكُم جَميعًا الَّذي لَهُ مُلكُ السَّماواتِ وَالأَرضِ لا إِلـهَ إِلّا هُوَ يُحيي وَيُميتُ فَآمِنوا بِاللَّـهِ وَرَسولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذي يُؤمِنُ بِاللَّـهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعوهُ لَعَلَّكُم تَهتَدون)،[٢٠] ويكون الإيمان به بالاعتقاد الجازم بأنَّ رسالته حقٌ من عند الله تعالى، على أن يكون هذا التصديق بالقلب واللسان،[٢١] ويكون اتّباعه نتيجة محبة الله تعالى، ولا يُثمر هذا الاتّباع إلا إذا كان بقناعةٍ ورضا، والواجب على المسلم أن يتّبع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقتفي أثره في العقيدة والعبادة والسلوك؛ للفوز يوم القيامة برضا الله -تعالى- ومغفرته ورضوانه.[٢٢]
إن ما يبعث على محبّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتعظيمه محبّة الله -تعالى- له وموافقة أمره -سبحانه- ومراده في ذلك، فلا يستوي ولا يقوم إيمان العبد بالله إلا بمحبة رسوله، ولِما كان منه -صلى الله عليه وسلم- من شدة محبته لأُمّته، وكثرة دعائه لهم بالخير، وتحمّله مشاق الدعوة لهم للنور والإسلام، ومحبة النبي واجبة، فهي أصلٌ من أصول هذا الدين الحنيف،[٢٣] ومن مظاهر محبّته -صلى الله عليه وسلم- إيثار ما يُحبّه على ما يُحب العبد، والإكثار من ذكره، والشوق إليه،[٢٤] ويتحقّق تعظيم النبي -صلى الله عليه وسلم- بتقديم محبّته على الوالد والولد والناس أجمعين، وقد فاز الصحابة -رضوان الله عليهم- بلقاء النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان لهم النصيب الأكبر من محبّته، وعندما سُئل علي بن أبي طالب عن محبّتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- أجاب: "كان والله أحبَّ إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأُمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ".[٢٥]
إنَّ محبة صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- من حقوق النبي على المسلمين، فلا يُمكن أن يجتمع في قلب العبد حب النبي وبغض أصحابه،[٢٦] كما أن جميع الصحابة بإجماع المسلمين ثقاتٌ عدولٌ، وهم خير الأُمّة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن حقوقهم على المسلمين محبَّتهم، والترضّي عليهم، مع الاهتداء بهم، والاقتداء بسُنَّتهم، والدفاع عنهم وعن أُمهات المؤمنين رضي الله عنهم جميعاً.[٢٥]
إن الصلاة والسلام على النبي -صلى الله عليه وسلم- واجبةٌ على كلِ مؤمنٍ ومؤمنةٍ، وفيها الخير والأجرالعظيم،[٢٦] ومن ثمرات الصلاة عليه:[٢٧]
إن من حقِّ النبي -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين حرصهم على الدفاع عن سنّته، والقيام برَدِّ الشبهات الباطلة، فمن ادّعى حبَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- دون الغَيرة على سنّته فإنَّ دعوى حبِّه باطلة، ويكون الدفاع عن السنة باتّباعها، وإماتة البدع والضلالات التي قد تُنسب إليها.[٢٥]