كيف مات الطبري

كيف مات الطبري

الطبريّ

هو مُحمَّد بن جَرير بن يَزيد بن غَالب، ويُكنَّى ب(أبي جعفر الطبريّ)، وقد وُلِد في عام 224هـ في طَبَرِستان، ومن الجدير بالذكر أنَّه لم يَكُن للطبريّ أولاد، وهذا ما اتَّفق عليه المُؤرِّخون؛ حيث إنَّه لم يتزوَّج، علماً بأنّ نشاته كانت تحت إشراف والده الذي اعتنى به، ووَجَّهه إلى حِفْظ القُرآن الكريم في صِغَره، وقد ازداد اهتمام والده به؛ بسبب تلك الرُّؤيا التي رآها، وتفاءل بها؛ إذ رأى أنَّ ابنه يَقِف بين يَدَي الرَّسول -صلّى الله عليه وسلّم-، ومعه أحجار يُلقي منها بين يدي الرسول -عليه السلام-، وقد قصَّ والده هذه الرُّؤيا عليه أكثر من مرَّة، وذكَّره بتفسيرها؛ وذلك أنَّه عندما يَكبُر سَوْف يُصبِحُ ناصِحاً في دِينه، وقد كانت هذه الرُّؤيا حافزاً للطبريّ؛ حتى يَجتهد في عِلمه، والدفاع عن دِين الله تعالى.[1]

كانت حياة الطبريّ تتمحوَر حول العِلم، والمعرفة؛ فقد كان ينتقل من مكان إلى آخر؛ طلباً للعِلم، وقد سُجِّلت أولى رحلاته في عام 236 للهجرة، وهو في سِنِّ 12، وكان يَقْصِد بَلدة الريّ، ثمّ انتقل بعدها إلى بغداد مركز الدَّولة العبَّاسية في ذلك الوقت، وكان يأمل لقاء الإمام أحمد بن حنبل، إلّا أنَّه لم يَستطع لقاءه؛ بسبب وفاته قَبل وصُول الطبريّ إلى بغداد، ثمّ انتقل إلى البَصْرة، ثمّ إلى الكوفة، وأَخَذ العِلم من بعض عُلمائها، ثمّ انتقل إلى مِصْر، وأقام في الفسطاط، وأَخَذ العِلم من عُلمائها، ثمّ عاد إلى بغداد، واستوطن فيها حتى وفاته -رَحِمه الله-.[2]

كيف مات الطبريّ

اختلف المُؤرِّخون حول اليوم الذي تُوفِّي فيه الطبريّ، إلّا أنَّهم اتَّفقوا على السنة التي تُوفِّي فيها، وهي سنة 310هـ، حيث ذَكَر بَعضُهم أنَّ الطبريّ رَحِمه الله تُوفِّي عشيّة يَوم السبت، في السادس والعشرين من شهر شوَّال، في حين أنَّ ذكر البعض الآخر أنَّه تُوفِّي عشيّة يَوم الأحد، في السابع والعشرين من شهر شوَّال، وذلك في عَهْد الخليفة (جَعفر المُقتدِر بالله)، حيث دُفِن في مَنزِله في (رحبة يعقوب)، وهي منطقة الأعظميّة حاليّاً،[3] وقد كانت وَفاته وهو في مِحراب العمل، والعِلم الذي كان مُنشغلاً به، وتجدُر الإشارة إلى أنَّه قد اجتمعت في جنازته أعداد لا تُحصَى من الناس، ويُذكَر أنَّهم استمرُّوا في الصلاة عليه عِند قَبْره عِدَّة شُهور في الليل، وفي النهار، وقد رَثاه عَدد كبير من أَهْل الأدب، والعِلم.[4]

أهمّ آثار الطبريّ

لقد تَرَك الطبريّ بَعد وَفاتِه ثروةً عِلميّة أظهرت غزارة عِلمه، وَسعَة ثقافته، وتمثَّلت هذه الثروة في موسوعات، ومُؤلَّفات عِلميّة في مُختلَف العلوم التي أبدع فيها، ومن هذه المُؤلَّفات ما يلي:[4]

  • تفسير الطبريّ، والمعروف ب(جامع البيان في تأويل القُرآن).
  • تاريخ الطبريّ، والمعروف ب(تاريخ الأُمَم والمُلوك).
  • اختلاف الفُقَهاء، والمعروف ب(اختلاف عُلماء الأمصار في أَحكام شَرائِع الإسلام).
  • كتاب المُنتخَب من ذيل المذيل.
  • الخفيف في أحكام شرائع الإسلام.
  • أَدَب النُّفوس الجيّدة والأخبار النفيسة.
  • المُسند المُجرَّد.
  • القراءات وتنزيل القُرآن.

ومن الجدير بالذكر أنَّ هنالك العديد من الكُتب التي عَكَف الطبريّ على كِتابتها، إلّا أنَّه لم يَستطِع أن يُكمِلها، ومن هذه الكُتب ما يلي:[4]

  • فضائل علي بن أبي طالب.
  • فضائل أبي بكر الصدِّيق.
  • فضائل العبَّاس.
  • عبارة الرُّؤيا في الحديث.
  • المُوجَز في الأُصول.

أخلاقُ الطبريّ وصِفاته

كان الطبريّ رَحِمه الله يتمتَّع بالأخلاق، والصِفات الحميدة التي جَعلَته يتميَّز عن غيره من العُلَماء، ومن هذه الصِفات ما يأتي:[4]

  • تمتَّع الطبريّ بالذكاء، والعقل النيِّر، والمقدرة الكبيرة على الحِفْظ، وهذا ما لاحَظَه والده عليه مُنذ صِغره.
  • تميَّز الطبريّ بالوَرَع، والزُّهد؛ فقد كان زاهداً في حياته، وغير مُهتمّ بزُخْرُف الدنيا، ومَتاعها، كما أنَّه كان يَرفض عطايا الأُمَراء، والمُلوك، والحُكَّام.
  • اتَّصف الطبريّ بِعفَّة النفس، وعِفَّة اللسان؛ فلم يَكُن يُؤذي أحداً بقَولِه، ولم يَكُن يَسأل الناس.
  • اتَّسم الطبريّ بالعَفْو، والتواضُع أمام الجميع، كما أنَّه كان شُجاعَ القلب؛ يَقولُ الحقَّ بكل جُرأةٍ، ولا يَسكُت عن الباطل.

رأي العُلَماء في الطبريّ ومُؤلَّفاته

كان للطبريّ نصيبٌ وافرٌ من ثَنَاء العُلَماء، والأُدَباء عليه، وفيما يلي بعضٌ من هذه الآراء:[5][1]

  • أثنى الخطيبُ البغداديُّ على الطبريّ في كتابه (تاريخ بغداد)؛ حيث قال: (كان أحدَ أئمَّة العُلَماء، يُحكَمُ بقَوْله، ويُرجَعُ إلى رَأيه؛ لمَعرِفته، وفَضْله)، كما تحدَّث عن جَمْع الطبريّ للعُلوم بطريقة لم يفعلها أَحد، ولم يُشارِكه فيها أَحَد؛ فقد كان فقيهاً بالقُرآن، وعَالِماً بالسُّنة.
  • تحدَّث الحافظ الذَّهبيّ عن الطبريّ، ووَصَفه بأنَّه عَالِمٌ ثِقة في التفسير، وإمامٌ في الإجماع، والاختلاف، عدا عن أنَّه عارفٌ بالقراءات، وعلَّامةٌ في التاريخ.
  • مَدَح شيخ الإسلام ابن تيميّة الطبريّ، ووَصَفه بأنَّه من العُلماء الكِبار، وذَكَر أنَّه من عُظَماء الأئمَّة في الإسلام، كالإمام أحمد، والإمام الشافعيّ.
  • قال ياقوت الحمويّ عن الإمام الطبريّ إنَّه فَقيهٌ، ومُقرِئ، ومُؤرِّخٌ مَعروفٌ، ومَشهور.
  • ذَكَر ابن كثير أنَّ الطبريّ هو من أئمَّة الإسلام العامِلِين العالِمين بكتاب الله تعالى، وسُنَّة نبيِّه.

لم يكنِ الثَّناء على الطبريّ ذاته فحسب، بل إنَّ العديد من العُلَماء، والفُقَهاء قد أثنوا على مُؤلَّفاته التي حَظِيت باهتمامٍ، وعِنايةٍ بالغين، وقد كان تفسير الطبريّ هو أكثر الكُتُب التي ذَكَرها العُلَماء، وتَحدَّثوا عنها، ومنهم ابن تيميّة الذي اعتبرَه أفضل التفاسير، وأعظمها، أمَّا الإمام النوويّ فقد قال إنَّه لم يَقُم أحدٌ بتصنيف مثل هذا الكتاب، وقال القفطيّ إنَّ كتاب تفسير الطبريّ هو أكبر تفسير للقُرآن، وأكثر التفاسير فائدة، ولم يَختلِف السيوطيّ عن هؤلاء العُلَماء؛ فقد ذَكَر هو أيضاً أنَّ هذا الكتاب من أعظم التفاسير، وأجلِّها، وقد ذَكَر مُحمَّد الفاضل بن عاشور أنَّ الطبريّ قد تفنَّن في هذا الكتاب بشكلٍ عجيب، وقد تَجلَّت مَنهجيَّته بشكلٍ واضح فيه، وسيطرت على غيرها من التفاسير.[1]

المراجع

  1. ^ أ ب ت "ترجمة الإمام الطبري "، ar.islamway.net، 21-3-2017، اطّلع عليه بتاريخ 14-10-2018. بتصرّف.
  2. ↑ جنان محمد، النقد اللغوي عند الطبري - إمام المفسرين (لمسات لغوية نقدية من فكر المفسر)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 13-15. بتصرّف.
  3. ↑ جنان محمد مهدي، النقد اللغوي عند الطبري - إمام المفسرين (لمسات لغوية نقدية من فكر المفسر)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 29. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث "الإمام الطبري"، islamstory.com، 1-5-2006، اطّلع عليه بتاريخ 14-10-2018. بتصرّف.
  5. ↑ علي الشبل (4-11-2014)، "ثناء العلماء على الإمام الطبري"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-10-2018. بتصرّف.