كيف أعلم أن الله يحبني

كيف أعلم أن الله يحبني
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

حبّ الله للعبد

من الطبيعي أن يحبّ العبد ربّه، ويحاول إثبات ذلك وادّعائه، ويرجو أن ينال محبّة الله تعالى، فإنّ محبّة الله شرفٌ عظيمٌ لا تُعطى إلّا لأوليائه الصالحين المخلصين، المستحقّين لهذا الحبّ وهذا التعظيم، يقول بعض أهل العلم: أنّ ليس الشأن في أن يحبّ العبد ربه، وليس هذا هو الشأن الذي يُطمح إليه ويُرجى، فإنّ كلّ الناس يدّعون ذلك، حتى النصارى واليهود زعموا أنّهم أبناء الله وأحباؤه، فقال الله تعالى فيهم: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ)،[1] فكذّب الله تعالى هذا الإدّعاء والكذب منهم، لكنّ الشأن الحقيقيّ كما يوضّح أهل العلم؛ هو من فاز بحبّ الله له، ورضي له عباداته وطاعاته، ولا يكون ذلك إلّا باتّباع سنّة النبيّ عليه السلام، فإنّ ما يرضاه الله تعالى لعباده هو ما كان على شكل سنّة النبيّ، فقد قال الله تعالى: (فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ).[2][3]

علامات محبّة الله للعبد

اجتهد بعض العلماء في تلخيص آثار وعلامات محبّة الله تعالى لعباده، فقال الغزالي رحمه الله: (وأمّا الفعل الدال على كونه محبوباً، فهو أن يتولى الله تعالى أمره؛ ظاهرَه وباطنه، سرَّه وجهره، فيكون هو المشير عليه، والمدبّر لأمره، والمزيِّن لأخلاقه، والمستعمل لجوارحه، والمسدِّد لظاهره وباطنه، والجاعل همومَه همّاً واحداً، والمُبغِّض للدنيا في قلبه، والموحش له من غيره، والمؤنس له بلذة المناجاة في خَلواته)، وقال المقدسي في مختصر منهاج القاصدين: (ومن أقوى العلامات: حسن التدبير له، يربيه من الطفولة على أحسن نظامٍ، ويكتب الإيمان في قلبه، وينوِّر له عقله، فيتبع كل ما يُقربه، ويَنفر عن كل ما يبعد عنه، ثمّ يتولاه بتيسير أموره، من غير ذلٍّ للخلق).[4]

وحبّ الله تعالى لعباده ثابتٌ في القرآن الكريم، والسنّة الشريفة، وحبّ الله سبحانه ليس كحبّ المخلوقات لبعضها، فهو الخالق الذي ليس كمثله شيءٌ، فلا يعرف العبد كنه هذا الحب، ولكنّه يدرك أثره، ومن آثار وعلامات حبّ الله للعبد الواردة عن العلماء ما يأتي:[5]

  • وضع القبول للعبد في الأرض بين الناس، فالنبيّ -عليه السلام- يقول: (إذا أحبَّ اللهُ العبدَ نادى جبريلَ: إن اللهَ يحبُّ فلانًا فأحبِبْه، فيُحِبُّه جبريلُ، فينادي جبريلُ في أهلِ السماءِ: إنّ اللهَ يحبُ فلانًا فأحبُّوه، فيُحِبُّه أهلُ السماءِ، ثم يُوضَعُ له القَبولُ في الأرضِ).[6]
  • إشغال العبد بالذكر، والطاعات، والنوافل، ومؤانسته بخلواته معه، وحبّ مناجاته، وفي الحديث يقول النبيّ عليه السلام: (وإنَّ اللَّهَ يُعطي الدُّنيا مَن يحبُّ ومن لا يحبُّ، ولا يعطي الدِّينَ إلَّا لمن أحبَّ، فمَن أعطاهُ اللَّهُ الدِّينَ فقد أحبَّهُ).[7]
  • تسديد العبد في الظاهر والباطن، وإظهار تأييده ونصرته، فالله تعالى يقول في الحديث القدسي: (من عادَى لي وليّاً فقد آذنتُه بالحربِ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به ، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه).[8]
  • ابتلاء العبد ببعض الابتلاءات، والاختبارات لتكفّر خطاياه، وترتفع درجاته في ميزان الله سبحانه، فقد قال النبيّ عليه السلام: (وإنَّ اللهَ إذا أحبَّ قومًا ابتَلاهم، فمَن رَضي فله الرِّضَى، ومَن سخِط فله السَّخطُ).[9]
  • تهيئة العبد لاستخدامه في عملٍ صالحٍ، وقد يُقبض فيه، فالنبيّ عليه السلام يقول: (إذا أراد اللهُ بعبدٍ خيرًا يستعمِلُه، قيل: كيف يستعمِلُه يا رسولَ اللهِ؟ قال: يوفِّقُه لعملٍ صالحٍ قبْلَ الموتِ).[10]
  • حفظ جوارحه عن الوقوع في المعاصي والآثام، ففي الحديث القدسي سابق الذكر: (وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها)،[8] وقد استنبط العلماء من معناه أنّ جوارح العبد تتحرّك في طاعة الله وما يرضيه، فهي مشغولةٌ كلياً به وبرضاه.[4]
  • جعله متواضعاً أمام المؤمنين ذليلاً لهم، وعزيزاً على الكافرين منتصراً عليهم، وهو مجاهدٌ في سبيل الله لتحقيق النصرة لدينه، فالله تعالى يقول: (فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ).[11][4]

أسباب نيل محبة الله سبحانه

ذكر ابن القيّم عشرة أسبابٍ تُعين العبد للوصول إلى محبّة الله سبحانه، والفوز بهذا الشرف العظيم، فيما يأتي ذكرٌ للنقاط التي أوردها ابن القيّم رحمه الله:[12]

  • قراءة القرآن بالتفكّر، والتدبّر، ومحاولة فهم معانيه وما أُرِيد منه، لأجل العمل به بعد ذلك.
  • الاجتهاد في إتيان النوافل التي تقرّب العبد إلى ربه سبحانه.
  • ملازمة ذكر الله تعالى في كلّ وقتٍ وحينٍ، وبكلّ الأشكال؛ كذكر القلب، واللسان، والجوارح، فإنّ منزلة العبد عند ربّه بقدر ما يذكره.
  • إيثار العبد لما يحبّ الله ويرضاه على ما يحبّه العبد ويرضاه.
  • حرص العبد على أن يدرك في قلبه معاني ومفاهيم أسماء الله الحسنى، وصفاته العُلا، فإنّ من عرف الله سبحانه بصفاته، وأسمائه أحبّه.
  • العكف على مطالعة مظاهر الكرم والبرّ التي يتفضّل بها على عبده، فباستشعار النعم يزداد الحبّ له سبحانه، وهو السبيل إلى نيل محبّته.
  • انكسار العبد بكلّيّته بين يدي ربّه، والجلوس بين يديه تواضعاً وتأدّباً.
  • الاجتهاد في جلوس جلسات خلوةٍ بين العبد وربّه، يستغفر فيها العبد من ذنوبه، ويناجي فيها ربّه، ويتقرّب إليه فيتلو كلامه، ويستشعر العبودية بين يديه.
  • مجالسة أهل معرفة الله سبحانه، والاستماع إليهم، والتعلّم منهم، وعدم الحديث أمامهم إلّا إذا ظنّ الإنسان أنّ من حديثه فائدةً تعمّ المستمعين وتشمله نفسه كذلك.
  • ترك كلّ عملٍ، أو قولٍ من شأنه أن يُباعد بين القلب وربّه.

المراجع

  1. ↑ سورة المائدة، آية: 18.
  2. ↑ سورة آل عمران، آية: 31.
  3. ↑ "محبة الله جل جلاله لعبده: أسبابها وآثارها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-20. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "علامات محبة الله للعبد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-19. بتصرّف.
  5. ↑ "علامات حب الله للعبد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-19. بتصرّف.
  6. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3209 ، صحيح.
  7. ↑ رواه أحمد شاكر، في عمدة التفسير، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 1/323، إسناده صحيح.
  8. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502، صحيح.
  9. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2396 ، حسن.
  10. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 341، صحيح.
  11. ↑ سورة المائدة، آية: 54.
  12. ↑ "عشرة أسباب تجلب محبة الله تعالى"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-19. بتصرّف.