-

كيف نزل القرآن الكريم على سيدنا محمد

كيف نزل القرآن الكريم على سيدنا محمد
(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

نزول القرآن الكريم

القرآن الكريم هو كلام الله -تعالى- المُنزّل على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- بلفظه ومعناه، وهو كتاب الله الخالد الذي أمر المولى -سبحانه- بتلاوة آياته، وهو المعجزة الكبرى للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد أراده الله -سبحانه- أنْ يكون هداية للناس أجمعين، حيث قال: (كِتابٌ أَنزَلناهُ إِلَيكَ لِتُخرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ بِإِذنِ رَبِّهِم إِلى صِراطِ العَزيزِ الحَميدِ)،[1] وهو مكتوب في المصاحف ومقروء بالألسنة، ومحفوظ في صدور المؤمنين، ويعدّ الاشتغال به من أفضل العبادات وأجلّ القربات؛ فقد جعل الله -تعالى- في قراءة كلّ حرف منه عشر حسنات، وهو كتاب أراده الله منهج حياة ودستور أمّة؛ فقد أودع فيه علم الأحكام والشرائع، والأمثال والحكم، والمواعظ والقصص، فهو تقويم لسلوك العباد، وتنظيمٌ لحياتهم، ويعدّ الاستمساك بهُداه استمساكاً بالحبل المتين، واستناداً إلى الركن الركين، والإعراض عن نهجه ضلال في الدنيا والآخرة، حيث يقول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (كتابُ اللهِ، فيه نبأُ ما قبلكم، وخبرُ ما بعدكم، وحُكمُ ما بينكم، هو الفصلُ ليس بالهزلِ، من تركه من جبَّارٍ قصمه اللهُ، ومن ابتغى الهدَى في غيرِه أضلَّه اللهُ، وهو حبلُ اللهِ المتينُ، وهو الذِّكرُ الحكيمُ، وهو الصراطُ المستقيمُ، وهو الذي لا تزيغُ به الأهواءُ، ولا تختلفُ به الآراءُ، ولا تلتبس به الألسُنُ، ولا يَخلَقُ عن كثرةِ الرَّدِّ، ولا تنقضي عجائبُه، ولا يَشبعُ منه العلماءُ، من قال به صدَق، ومن حكم به عدَل، ومن عمِل به أُجِر، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيم)[2][3]

كيفية نزول القرآن على سيدنا محمد

تناول العلماء مسألة كيفية نزول القرآن الكريم من وجهين؛ وجه متّفقٌ عليه عند أهل العلم، وهو أنّ القرآن الكريم نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- مُفرّقاً حسب الأحداث والأحوال، والوجه الآخر محلّ خلاف بين أهل العلم، وهو أصل نزول القرآن الكريم وكيفيته، وبيان ذلك فيما يأتي:[4]

  • مسألة نزول القرآن الكريم مفرّقاً: جاءت الآيات الكريمة تقرّر نزول القرآن مفرّقاً حسب الحوادث والأحوال، وبيّنت الحكمة من ذلك؛ فقال الله -عزّ وجلّ-: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا)،[5] وقد ذكر الشيخ السعدي في تفسير هذه الآية أنّ نزول القرآن بهذه الصفة يزيد النبي -صلى الله عليه وسلم- طمأنينةً وثباتاً، وخصوصاً أنّ نزول الآيات عند حدوث السبب يكون أشدّ تثبيتاً، وأعمق وقْعاً، وقوله -تعالى-: (وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا)[5]، يؤكّد على هذا المعنى، ويظهر عناية المولى -سبحانه- برسوله -عليه الصلاة والسلام- إذ جعل إنزال الآيات حسب أحوال الرّسول -عليه السلام- ومصالح الدّين، كما أنّ نزوله مفرّقاً على امتداد ثلاث وعشرين سنة فيه مراعاة لأحوال النّاس، وهو بتلك الصفة يتيح لهم المجال للتّفكر والتّدبر واستخراج أحكامه وعلومه، قال المولى -عز وجل- تأكيداً على هذا المعنى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا)[6] ومن الآيات التي تؤكّد نزول آيات القرآن الكريم مفرّقة حسب الحاجة لها تلك الآيات التي أعقبت حادثة الإفك بحقّ السيدة عائشة -رضي الله عنها-، حيث قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[7] وكذلك الآيات الأولى في سورة عبس التي نزلتْ عقِب حادثة إعراض النبي -صلى الله عليه وسلم- عن حاجة ابن أم مكتوم -رضي الله عنه-، إذ كان -عليه السلام- وقتها منشغلاً مع الملأ من قريش وطامعاً في إسلامهم.
  • مسألة أصل نزول القرآن: كانت هذه المسألة محطّ اختلاف في الآراء عند أهل العلم، وسبب ذلك يرجع إلى اختلاف الفهم لبعض الآيات التي تدل على نزول القرآن في وقت واحد، مثل قول الله -تعالى-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)،[8] وقوله -سبحانه-: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)،[9] وأشهر الأقوال في المسألة:
  • القول الأول: أنّ نزول القرآن الكريم من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا كان جملة واحدة في ليلة القدر، ثم تعاقب بعد ذلك نزوله مفرّقاً في ثلاث وعشرين سنة.
  • القول الثاني: أنّ أول نزول للقرآن الكريم كان في ليلة القدر، ثم نزل بعد ذلك منجّماً تبعاً للحوادث وحاجات الناس، وتجدر الإشارة إلى أنّ هذا الخلاف لا يترتّب عليه أثر في واقع تنزيل القرآن على النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد أشار أهل العلم إلى أنّ الحكمة من هذا التنزيل هو إظهار عظمة القرآن وكرامته عند الله -تعالى-.

صور نزول الوحي على النبي عليه السلام

ذكر أهل العلم الكيفيات التي كان ينزل بها الوحي الأمين على النبي -صلى الله عليه وسلم- بصور وأشكال متعددة، وأهمّها ما يأتي:[10]

  • مثل صلصلة الجرس: وهذه الكيفية كانت أشد ما يكون عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقد ثبت في الحديث: (أنَّ الحارثَ بنَ هشامٍ سأل رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : كيف يأتيك الوحيُ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم : أحيانًا في مثلِ صلصلةِ الجرسِ، فهو أشدُّه عليَّ؛ فيُفصَمُ عنِّي وقد وعيْتُ ما قال، وأحيانًا يتمثَّلُ لي الملَكُ رجلًا فيُكلِّمُني فأعي ما يقولُ، قالت عائشةُ: ولقد رأيتُه ينزلُ عليه الوحيُ في اليومِ الشَّديدِ البردِ، فيُفصَمُ عنه، وإنَّ جبينَه ليتفصَّدُ عرَقًا).[11]
  • بصورة رجل: حيث يلقي كلام الله -تعالى- إلى النبي محمد.
  • جبريل بصورته الحقيقية: حيث تؤكّد الأدلة والشواهد الصحيحة رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لجبريل -عليه السلام- على حقيقته التي خلقه الله عليها، وأنّ ذلك كان هذا في بداية الوحي، وقد جاء في الحديث عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ -أي انقطاع- الْوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: "فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنْ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَجَئِثْتُ مِنْهُ رُعْبًا فَرَجَعْتُ، فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي، زَمِّلُونِي، فَدَثَّرُونِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ)،[12] إلى الآية: (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ).[13][14][15]

المراجع

  1. ↑ سورة إبراهيم، آية: 1.
  2. ↑ رواه ابن تيمية، في درء التعارض، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 5/268، له طرق.
  3. ↑ يحيى الزهراني، "فضل القرآن وأهله"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2018. بتصرّف.
  4. ↑ محمد المنجد (2-7-2012)، "هل نزل القرآن جملة واحدة أم مفرَّقاً ؟"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2018. بتصرّف.
  5. ^ أ ب سورة الفرقان، آية: 32.
  6. ↑ سورة الإسراء، آية: 106.
  7. ↑ سورة النور، آية: 11.
  8. ↑ سورة البقرة، آية: 185.
  9. ↑ سورة القدر، آية: 1.
  10. ↑ "كيفية نزول القرآن الكريم"، www.islamweb.net، 26-9-2016، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2018. بتصرّف.
  11. ↑ رواه ابن خزيمة، في التوحيد، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 358/1، أشار في المقدمة أنه صح وثبت بالإسناد الثابت الصحيح.
  12. ↑ سورة المدثر، آية: 1.
  13. ↑ سورة المدثر، آية: 5.
  14. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 4925 ، صحيح.
  15. ↑ محمد المنجد (19-6-2009)، "رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 11-11-2018. بتصرّف.