كيف أصبح تقياً

كيف أصبح تقياً

التقوى

قد يصدر عن الإنسان أمورٌ ظاهرها حسن، أو ربما يكون ظاهرها قبيحاً، لكن باطن الفعل ربما يكون لا يُشير إلى ظاهره، فيكون الفعل الحسن في ظاهره إنّما هو قبيحٌ في قلب صاحبه، كأن يفعل الإنسان عملاً صالحاً في الظاهر ولكن غايته من ذلك الفعل أن يُري الناس فعله، فيبطل عمله بنيّته تلك، بينما قد يصدر من شخصٍ فعلٌ ظاهره المعصية أو الظلم لكن قصد صاحبه ونيَّته الخشية من الله تعالى، ومثال ذلك أن يمنع شخصٌ آخر من قراءة القرآن فإن ظاهر فعله معصية صريحة وهي منع مسلمٍ قراءة كتاب الله، لكن ذلك ربما يكون منعه مَبنيّاً على علَّةٍ؛ كأن يكون ذلك القارئ ممّن لا يجوز له قراءة القرآن كالكافر والمشعوذ الذي يُحرِّف كتاب الله. بالمحصِّلة، فإن أفعال العباد وأقوالهم إنّما يكون حساب الأجر والثواب فيها على درجة مخافة العبد من الله، والسبب الذي دفعه للقيام به، وبناءً على شدّة تقوى العبد أو ضعفها يتميَّز المسلمون فيما بينهم.

معنى التقوى لغةً واصطلاحاً

  • التقوى لغةً من الاتقاء والوقاية، وتعني الصون والحماية، وتعني كذلك الاحتراز بطاعة الله عن عقوبته، وصيانة النفس عن استحقاق العقوبة بالفعل أو الترك.[1]
  • التقوى في الاصطلاح تعني أن يتَّقيَ العبد ما سوى الله تعالى. ويصدق في تعريفها كذلك أنّها المحافظة على آداب الشريعة، وقيل: هي مُجانبة جميع الأفعال والأقوال التي تُبعد عن الله سبحانه وتعالى.[2]

كيف أصبح تقياً

ينبغي على كلِّ مسلمٍ أن يبتعد عن كلِّ فعل نهاه الله عنه، وأن يقوم بكلِّ ما أمره الله به، وأن يتقرَّب إلى الله -سبحانه وتعالى- بالأعمال الصالحة في القول والفعل، وممّا يُعين المسلم على أن يُصبح تقيّاً ما يأتي:[3]

  • أن يكون حبُّ الله عزّ وجلّ بالنسبة للمسلم أشدَّ من حبِّ ما سواه: فيُحبُّ الله سبحانه وتعالى مَحبَّةً تستوجب اجتناب نواهيه واتِّباع أوامره حُبّاً له، فيُحبَّ جميع ما أمره به ويكره كلَّ ما نهاه عنه، ويُحبَّ كل من أحبّهم الله سبحانه وتعالى ودعا لحُبهّم، وأولهم محمد -عليه الصّلاة والسّلام- ثم أنبياء الله وأولياءه، وأهل التقوى والصلاح والوَرَع، والعلماء الثِّقات العدول.
  • أن يستشعر المسلم مُراقبة الله له في جميع أحواله: فيقوم بالعمل الذي طلبه منه على أتمِّ صورةٍ كأنّه يرى الله ويقوم بما أمره الله به وهو يُشاهده، ويعلم أنهّ إن لم يكن يرَ الله حقاً فإن الله يراه ويُراقبه في جميع حركاته وسَكَناته.
  • استحضار ضرر المعاصي والذنوب: فإنّ للذنوب والخطايا أضراراً لا يمكن حصرها، منها ما ينعكس على المسلم في حياته الدنيا، ومنها ما يظهر عليه في الآخرة، ولو لم يجد العاصي من آثار الذنوب سوى البعد عن الله لكفاه ذلك أن يعلم عظمة ما فعله من الذنوب في الدنيا والآخرة.
  • أن يُجاهد هواه ويتَّقيه بكل ما أوتي من طاقة: فيُذكِّر نفسه بالله سبحانه وتعالى كلما عرضت له نفسه شيئاً من هواها ما يُؤدّي به إلى الوقوع في المعاصي والآثام.
  • أن يتجنَّب المسلم وساوس الشيطان ومكائده: فيعلم أنّ الشيطان له عدو، وأنّه ينصب شراكه ليُوقعه في المعاصي فيُبعده عن الله كما بعُد هو، فإن علم المسلم ذلك يقيناً فإنّه لن يسمع من الشيطان ولن يقوم بفعل ما يدعوه إليه من المعاصي.

ثمرات وفوائد التقوى

إذا لجأ العبد إلى التقوى فإنّها أعظم سلاحٍ يتسلَّحُ به، حيث إنَّ الله سبحانه وتعالى قد تكفَّل بحفظ من يتَّقيه في نفسه فلم يفعل إلا ما يرضيه، ولم يقترب ممّا يُغضبه، ومن أهمِّ وأبرز فوائد التقوى وثمراتها ما يأتي:[4]

  • توصل المسلم إلى نَيل محبة الله ومرضاته، ودليل ذلك ما ورد في الحديث القدسي الذي يرويه المصطفى -عليه الصّلاة والسلام- عن ربه، قال: (إنَّ اللهَ قال: من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه ...).[5]
  • التقوى حصنٌ للمسلم ووقايةٌ من الوقوع في المعاصي والذنوب والآثام ومكائد الشيطان ووساوسه.
  • التقوى توصل العبد إلى فهم كتاب الله وحفظه، وحبِّ مدارسته، وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، فإن العبد التقيَّ الذي يُحبُّ سيحبُّ كل ما جاء به الله، ولا أعظم من القرآن الكريم ليُحبّه المؤمن، حيث إنّه كلام الله، وبقراءته يتَّصل العبد بخالقة دون أي وساطة.
  • أثبتت العديد من الآيات القرآنية الصريحة أنّ الله سبحانه وتعالى يكون مع المتَّقين في جميع أحوالهم، ومن تكون مَعيّة الله مُتحصِّلةً عنده فلن يخشَى من جور جائرٍ أو ظلم ظالم، أو بطش ذي سلطان، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ).[6]
  • تَيسير أمور المُتّقين، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا).[7]
  • التقوى بابٌ لتكثير الخيرات واستجلاب الرزق للعبد المؤمن، قال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).[8]
  • التقوى هي أساس التَّفاضل بين الناس، وأكرم الخلق عند الله أكثرهم اتِّقاءً له وخشيةً منه، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ).[9]
  • التقوى سبيلٌ للنَجاة من عذاب يوم القيامة يوم لا ينفع نفسٌ شيئاً إلا تقواها وخشيتها من الله.
  • التقوى بابٌ لقبول الأعمال ونيل الأجر والثّواب من الله عليها.

المراجع

  1. ↑ الجرجاني (1983)، التعريفات (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 65. بتصرّف.
  2. ↑ زين الدين محمد المدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين الحدادي ثم المناوي القاهري (1990)، التوقيف على مهمات التعاريف (الطبعة الأولى)، مصر: عالم الكتب، صفحة 106. بتصرّف.
  3. ↑ أحمد فريد (1993)، التقوى الغاية المنشودة والدرة المفقودة، الرياض: دار الصميعي، صفحة 34-53. بتصرّف.
  4. ↑ سعيد بن علي بن وهف القحطاني، نور التقوى وظلمات المعاصي في ضوء الكتاب والسُّنَّة (الطبعة الأولى)، الرياض: مطبعة سفير ، صفحة 20 وما بعدها.
  5. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502، صحيح.
  6. ↑ سورة النحل، آية: 128.
  7. ↑ سورة الطلاق، آية: 4.
  8. ↑ سورة الأعراف ، آية: 96.
  9. ↑ سورة الحجرات، آية: 13.