كيفية بر الوالدين

كيفية بر الوالدين
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

بر الوالدين

أوصى الله -تعالى- ببرّ الوالدين، وحضّ على ذلك، وورد ذلك في العديد من آيات القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)،[1] حيث قرن الله -تعالى- في الآية السابقة بين برّ الوالدين وتوحيده وعدم الإشراك به، وقال ابن كثير -رحمه الله- إنّ من الواجب الإحسان إلى الوالدين؛ لأنّهما السبب في وجود الأبناء بعد الله تعالى، كما أنّ برّ الوالدين من صفات الأنبياء والرسل عليهم السلام، وممّا يحصل عليه الابن ببرّ والديه استجابة دعاءهما له، كما أنّ رضا الله -تعالى- على عبده من رضا والديه عليه، وبيّن الله -تعالى- أنّ البرّ بالأم مقدّمٌ على البرّ بالأب، ودليل ذلك قوله: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ)،[2] كما أنّ الإسلام لا يمنع من برّ الوالدين الكافرين، لعلّ البرّ بهما يكون الطريق إلى إسلامهما، حيث قال الله -تعالى- في القرآن الكريم: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)،[3] حيث قال الإمام القرطبي أنّ الآية السابقة تدلّ على برّ الوالدين الكافرين، مع الحرص على دعوتهما إلى الإسلام برفقٍ ولينٍ.[4]

كيفية بر الوالدين

يمكن للمسلم أن يبرّ والديه بطرقٍ وأشكالٍ كثيرةٍ، سواءً في حياتهما أو حتى بعد مماتهما، وفيما يأتي بيان ذلك:[5]

بر الوالدين في حياتهما

يجب على المسلم البرّ بوالديه في حياتهما، وذلك بالعديد من الأفعال، منها:

  • طاعة الوالدين المطلقة دون عصيان أوامر الله تعالى، وأوامر رسوله صلّى الله عليه وسلّم، حيث قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (إنما الطاعةُ في المعروفِ).[6]
  • الإحسان في صحبتهما، والحرص على إدخال السرور والفرحة إليهما، حيث قال الله تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا).[7]
  • الإنفاق على الوالدين، وعدم البخل أو الشحّ عليهما، حيث إنّ نفقة الوالدين واجبة على الأبناء.
  • التأدب في حضرتهما، والحديث معهما بطريقةٍ لبقةٍ، دون رفع الصوت عليهما، أو التأفّف.
  • طلب رضاهما وراحتهما، والحرص على ذلك بشكلٍ دائمٍ.

بر الوالدين بعد مماتهما

يمكن للمسلم البرّ بوالديه بعد موتهما، من خلال:

  • إرسال الدعوات إليهما، والاستغفار لهما، فهو من العمل الصالح الذي يستمرّ للوالدين بعد وفاتهما، حيث قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث...أو ولدٌ صالحٌ يدعو له).[8]
  • صلة أصدقاء الوالدين، والاستوصاء بهم وإكرامهم، فعبد الله بن عمر -رضي الله عنه- كان حريصاً على برّ أصدقاء وأهل والده الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث يُروى عنه: (أنّه كان إذا خرج إلى مكةَ كان له حمارٌ يتروَّحُ عليه، إذا ملَّ ركوبَ الراحلةِ، وعمامةً يشدُّ بها رأسَه، فبينا هو يوماً على ذلك الحمارِ، إذ مرَّ به أعرابيٌّ، فقال: ألستَ ابنَ فلانِ بنِ فلانٍ؟ قال: بلى، فأعطاه الحمارَ، وقال: اركب هذا والعمامةَ، قال: اشدُدْ بها رأسَك، فقال له بعضُ أصحابِه: غفر اللهُ لك، أعطيتَ هذا الأعرابيَّ حمارًا كنت تروحُ عليه، وعمامة ًكنت تشدُّ بها رأسَك، فقال: إنّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول: إنَّ مِن أَبَرِّ البِرِّ صلةُ الرجلِ أهلَ وُدِّ أبيه، بعد أن يُولِّيَ وإنَّ أباه كان صديقاً لعمرَ).[9]

ثمرات بر الوالدين

يعدّ برّ الوالدين من أجلّ وأفضل الأعمال الصالحة، وقد جعل الإسلام لهذا العمل فضلاً كبيراً، وثمراتٍ عديدةٍ في الدينا والآخرة، وفيما يأتي بيان بعضٍ منها:[10]

  • يعدّ برّ الوالدين من أفضل الأعمال إلى الله وأحبّها، حيث سُئل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (أيُّ الأعمالِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قال: الصَّلاةُ لوقتِها، قال: ثمَّ أيُّ؟ قال: بِرُّ الوالدَيْنِ).[11]
  • يزيد الله -تعالى- في رزق البارّ بوالديه، ويمدّ في عمره، حيث قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (من سرَّه أن يُعظِمَ اللهُ رزقَه، وأن يُمِدَّ في أجَلِه، فلْيَصِلْ رَحِمَه).[12]
  • استجابة دعاء الوالد لابنه البارّ، حيث رُوي عن الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (ثلاثُ دَعواتٍ لا تُرَدُّ: دعوةُ الوالِدِ لِولدِهِ).[13]
  • برّ الوالدين من السعي في سبيل الله، حيث قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (وإن كان خرج يسعَى على أبوَيْن شيخَيْن كبيرَيْن فهو في سبيلِ اللهِ).[14]

نماذج عن بر الوالدين

فيما يأتي بعض القصص التي تدلّ على برّ الأنبياء والصحابة بوالديهم، وكيف سطّروا للتاريخ أعظم وأجمل صور البرّ والإحسان بالوالدين:[15]

إسماعيل عليه السلام

فهو الابن البارّ الذي رُزق به إبراهيم عليه السلام، بعد سنواتٍ طِوال من الانتظار، يُفاجئ ذات يومٍ بأبيه قائلاً له: (إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ)،[16] فما كان منه إلّا أن استسلم واستجاب لأمر الله، ولأوامر والده الخليل إبراهيم عليه السلام، وقال له: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).[16]

عبد الله بن مسعود

الصحابي الذي بلغ من البرّ مبلغاً، حيث يُروى أنّه أراد ذات يومٍ أن يسقي والدته الماء، فلمّا أحضره كانت قد غلبها النعاس ونامت، فبقي طوال الوقت واقفاً إلى جانبها يحمل لها الماء حتى استيقظت، فأعطاها الماء، وشربت منه.

الحسن البصري

فهو التابعي الذي من شدّة برّه بأمه كان لا يأكل معها بنفس الإناء؛ وذلك مخافةً أن يأكل شيئاً منه كانت نفسها تشتهيه.

الإمام الذهبي

العالم الذي لم يخرج من مدينته لطلب العلم مع رغبته بذلك؛ وذلك وقوفاً عند طلب والدته التي أمرته ألّا يخرج، فامتثل لأمرها من شدّة برّه بها، ولم يخرج من مدينته، ولم يسافر حتى توفاها الله، ثمّ خرج، فبارك الله له في علمه مع بقائه في مدينته، وذلك بسبب برّه بوالدته.

المراجع

  1. ↑ سورة النساء، آية: 36.
  2. ↑ سورة لقمان، آية: 16.
  3. ↑ سورة لقمان، آية: 15.
  4. ↑ الشيخ صلاح نجيب الدق (13-5-2016)، "فضائل بر الوالدين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-9-2018. بتصرّف.
  5. ↑ د شريف فوزي سلطان (13-8-2016)، "بر الوالدين طريق السعادة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-9-2018. بتصرّف.
  6. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 7257، صحيح.
  7. ↑ سورة لقمان، آية: 15.
  8. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1631، صحيح.
  9. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 2552، صحيح.
  10. ↑ "فضل بر الوالدين"، ar.islamway.net، 21-4-2018، اطّلع عليه بتاريخ 5-9-2018. بتصرّف.
  11. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أنس بن مالك وأبي هريرة وعلي بن أبي طالب وابن عباس، الصفحة أو الرقم: 6291، صحيح.
  12. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3/293، صحيح.
  13. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3032، حسن.
  14. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن كعب بن عجرة، الصفحة أو الرقم: 1428، صحيح.
  15. ↑ "عشرون قصة في بر وعقوق الوالدين"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-9-2018. بتصرّف.
  16. ^ أ ب سورة الصافات، آية: 102.