كيف يكون سجود التلاوة
السجوديعدّ السجود مظهراً من أعظم مظاهر التّبتل والخضوع لله تعالى، وقد امتدح المولى -سبحانه- الساجدين في مواضعٍ كثيرةٍ في القرآن الكريم، فقال -عزّ وجلّ- على
السجود
يعدّ السجود مظهراً من أعظم مظاهر التّبتل والخضوع لله تعالى، وقد امتدح المولى -سبحانه- الساجدين في مواضعٍ كثيرةٍ في القرآن الكريم، فقال -عزّ وجلّ- على سبيل المثال: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ)،[1] وفي مُحكم التنزيل سورةٌ اسمها السجدة، وبالرّغم من أنّ السجود ركنٌ من أركان الصلاة، لا تصحّ صلاة العبد إلّا به، إلّا أنّه شُرع في مواطنٍ أخرى، منها: السجود عند المرور بآياتٍ محدّدةٍ في القرآن الكريم، حيث تأتي مقترنةً بالدعوة إلى السجود صراحةً أو إشارةً، ويسمّى هذا السجود بسجود التلاوة، فما هي كيفيته وأحكامه، وما هي مواضعه في سور القرآن الكريم؟
حكم سجود التلاوة وكيفيته
ذهب المحقّقون من أهل العلم إلى أنّ سجود التلاوة سنّةٌ مستحبّةٌ في حقّ من مرّ على آيةٍ فيها سجدة، سواءً كان قارئاً لها أو مستمعاً، ولا يأثمان بتركها، ولكنّ التارك لها أضاع على نفسه ثوابها وفضلها، ولو قرأ الإمام في صلاته آيةً فيها سجدةً، ولم يسجد تابعه المأموميين في ذلك، ولكنّها تصبح في حقّهم واجبةً لا مستحبةً في حال سجد الإمام سجود التلاوة، وذلك لأجل متابعة الإمام،[2][3] حيث ذهب جمهور أهل العلم إلى مشروعيّة سجود التلاوة في الصلاة سواءً كانت فريضةً، أو نافلةً، وسواءً كانت سريّةً، أو جهريّةً، إلّا أنّه يستحبّ للإمام تنبيه المأمومين عليها في الصلاة السريّة خشية الظنّ أنّه سهوٌ من الأمام، ويجوز للخطيب إذا تلا آيةً فيها سجدةً أنْ ينزل من منبره فيسجدها ويسجد معه الناس، كما يجوز له ترك ذلك ولا حرج في ذلك، ولا يشترط لمن كان يتلو القرآن جالساً وأراد سجود التلاوة أنْ يقوم استعداداً لها، وذهبت طائفةٌ من العلماء إلى أنّ سجود التلاوة يُشترط له ما يُشترط لصحة الصلاة، مثل: الطهارة، واستقبال القبلة، وستر العورة، ولكنّ هذا الرأي خالفه طائفةٌ أخرى من أهل العلم، بدليل ما رواه البخاري -تعليقاً- أنّ عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يسجد للتلاوة من غير وضوءٍ، وإنّ هذا السجود ليس بصلاةٍ، فالصلاة أقلّها ركعةً؛ فلا يُقاس عليها وهذا ما رجّحه ابن تيميّة.[4]
أما كيفية سجود التلاوة فهو كغيره من السجود المعروف، فإذا مرّ القارئ للقرآن بآيةٍ فيها سجدةً على وجه الاستحباب في حال كان في موضعٍ يتمكّن فيه من السجود، أمّا ما يقوله القارئ عند سجوده فقد ورد في الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- قولها: كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يقول في سجود القرآن بالليل: (سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِه)،[5] وأفتى كثيرٌ من أهل العلم بجواز التّسبيح بدلاً عن الدعاء المأثور، خاصةً لمن لا يحفظه؛ فيقول ما يقوله المصلّي في سجوده: (سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى)، وإذا كان الذي مرّ بآيةٍ فيها سجدة لا يريد السجود، أو كان في موضع يتعسّر السجود فيه فلا يُشرع له أنْ يقول أو يردّد ذكراً محدّداً، أو تسبيحاً معيناً بديلاً عن السجود، حيث عدّ بعض أهل العلم ذلك من قبيل البدع، بدليل أنّ زيد بن ثابت –رضي الله عنه- قرأ عند النبي -صلّى الله عليه وسلّم- سورة النجم فلم يسجد فيها، ولم يُعلّمه النبي –عليه الصلاة والسلام- شيئاً يقوله بدلاً عن السجود، وقد أجاب الإمام ابن حجر العسقلاني عن ذلك عندما سُئل عمّن يقول بدلاً من سجود التلاوة سمعنا وأطعنا غُفرانك ربنا وإليك المصير، فقال: (إنَّ ذَلِكَ لَا أَصْلَ لَهُ، فَلَا يَقُومُ مَقَامَ السَّجْدَةِ، بَلْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ إنْ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ لأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ).[6]
وتقرّر عند بعض العلماء أنّ المسلم يُكبّر عند البدء بسجود التلاوة في حالة الشروع بالخفض، واستندوا في ذلك لما رواه أهل السنن عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقرأُ علينا القرآنَ فإذا مرَّ بالسَّجدةِ كبَّر وسجد وسجدنا معه)،[7] أمّا عند الرفع من السجود فلا يكبّر؛ وذلك لأنّ سجود التلاوة تندرج تحت باب العبادات التوقيفية، فيقتصر فيها المكلّف على ما ورد وصحّ به الخبر، أمّا إذا كان سجود التلاوة أثناء الصلاة فيكبّر عند الخفض له والرفع منه، لمّا ثبت عن صفة صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- أنّه كان يكبّر في كلّ خفضٍ ورفعٍ، كمّا أنّه لا يوجد تشهّد عقب سجود التلاوة ولا سلام، فهذا الأمر كما سبق توقيفيّ، والأصل فيه الاتباع.[8]
مواضع سجود التلاوة
ذهب كثيرٌ من أهل التحقيق إلى أنّ مواضع السجود في القرآن الكريم خمسة عشر موضعاً، وذهب آخرون إلى أنّها ثلاثة عشر موضعاً، حيث اختلفوا في السجدة الواردة في سورة (ص) في الآية الرابعة والعشرين منها، وقالوا: (إنَّها سَجدة شكر)، والموضع الثاني بالحجّ في الآية السابعة والسبعين،[9] وحجّة الفريق الأول أنّ الخمسة عشر موضعاً جاء بها الحديث الشريف، حيث إنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- علّم مواضع سجدات التلاوة لعمرو بن العاص رضي الله عنه، والرواية: (أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أقرأَه خَمسَ عَشرةَ سَجْدةً في القرآنِ، مِنها ثلاثٌ في المُفَصَّلِ، وفي الحجِّ سجدتانِ)،[10] حيث يجد المستقرئ لآيات القرآن الكريم أنّ مواضعها كالآتي:السجدة الأولى في سورة الأعراف، مروراً بسورة الحجّ التي تضم سجدتين، وانتهاءً بسورة العلق في الجزء الثلاثون، التي تنتهي آياتها بسجدةٍ، ومواضع الآيات على الترتيب: (الأعراف: 206)، (الرعد: 15)، (النحل: 49)، (الإسراء: 107)، (مريم: 58)، (الحج: 18)، (الحج: 77)، (الفرقان: 60)، (النمل: 25)، (السجدة: 15)، (ص: 24)، (فصّلت: 37)، (النجم: 63)، (الانشقاق: 21)، (العلق: 19).[11]
المراجع
- ↑ سورة السجدة، آية: 15.
- ↑ دائرة الافتاء، "هل يأثم من يترك سجود التلاوة؟"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2018. بتصرّف.
- ↑ دائرة الافتاء، "كم سجدة للتلاوة، وهل يجوز أن لا أسجدها عندما أمرُّ عليها؟"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2018. بتصرّف.
- ↑ رامي حنفي (17-3-2013)، "ملخص أحكام سجود (التلاوة - الشكر - السهو)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 3425، حسن صحيح.
- ↑ محمد الشوبكي (2-1-2016)، "دعاء سجود التلاوة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن القطان، في الوهم والإيهام، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 4/197، حسن.
- ↑ محمد المنجد (31-10-1999)، "كيفية التكبير في سجود التلاوة"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2018. بتصرّف.
- ↑ محمد آل رحاب (9-9-2015)، "نظم السور التي فيها آيات سجود التلاوة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه النووي، في الخلاصة، عن عمرو بن العاص، الصفحة أو الرقم: 2/620، حسن.
- ↑ محمد المنجد (25-6-1999)، "مواضع سجود التلاوة في القرآن الكريم"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 13-10-2018. بتصرّف.
المقال السابق: لماذا سميت حائل بهذا الاسم
المقال التالي: كيف يمكن توسيع الحذاء الضيق
كيف يكون سجود التلاوة: رأيكم يهمنا
0.0 / 5
0 تقييم
