كيف أتوب إلى الله توبة صادقة

كيف أتوب إلى الله توبة صادقة
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

التوبة

عرّف العلماء التوبة بأنّها: الرجوع والإقلاع عن معصية الله تعالى، إلى طاعته، ومن رحمة الله بعباده أن فتح لهم باب مهما بلغت ذنوبهم وآثامهم، ومهما بلغوا من شدّة العصيان والبعد عن الله، ولولا التوبة لفسدت النفوس والأرض كذلك؛ لأنّ المنع من التوبة معناه أن يبقى الإنسان في حالةٍ من تأنيب الضمير، وتكدير العيش، والرغبة في التخلّص من الحياة، ممّا قد يؤدي إلى إيذاء النفس بالانتحار ونحوه، وقد يمتد الإيذاء نحو الآخرين أيضاً، وبذلك تكون التوبة وسيلة وقاية للإنسان من كلّ ذلك، ووقايةً للمجتمع عامةً من استمرار المجرمين بجرائمهم، وتوسّعهم فيها خصوصاً عندما يتملّكهم اليأس من إمكانية العودة عن ذلك الطريق إذا لم يكن هناك مجال للتوبة، يقول الدكتور وهبة الزحيلي في بيان الفائدة التي شُرعت التوبة في الإسلام من أجلها: (إنّ التوبة ليست وسيلة للإغراء بالمعاصي والتشجيع على ارتكابها، بل هي مساعدة على استئصال شأفة الجريمة من المجتمع، فكما أنّ غاية العقاب هو إصلاح المجرم، فإنّ التوبة أعظم أثراً من العقاب في ذلك؛ لأنّها تأتي من دافع ذاتي واقتناع داخلي، فتعيد الأمل للمجرم بالحياة الفعّالة المنتجة).[1][2]

وقد حثّ الله -تعالى- عباده على التوبة في كثير من المواضع، منها قوله: (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)،[3] بل تفضّل على التائبين أيضاً بأن وعدهم بتبديل سيئاتهم إلى حسنات، قال الله تعالى: (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَات)،[4] وقد أخبر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّ الله -عزّ وجل- يفرح بتوبة عبده العاصي، ورجوعه إليه، وهكذا فإنّ الإسلام دينٌ لا يعرف القنوط، ولا اليأس ولا الاستسلام للمعصية، وليس فيه رجال دينٍ، وصكوك غفران، ولا يحتاج فيه العبد إلى واسطة حتى يتوب إلى الله تعالى، بل إنّ باب التوبة مفتوحٌ له متى ما أراد أن يعود إلى ربه، والأدلة على سعة رحمة الله كثيرة، ممّا يشجّع الإنسان على التوبة، وهجر المعصية، والتخلص من آثارها السلبية جميعها، فيجتهد بالمسارعة إلى التوبة، ورفض وساوس الشيطان التي تدعوه إلى تسويفها وتأجيلها، كما تقيه أيضاً من التمادي في المعاصي والزيادة فيها، فيعود بعدها قادراً على القيام بدوره في خلافة وإعمار الحياة.[1]

كيفية التوبة الصادقة

حتى يتوب الإنسان إلى الله -تعالى- توبةً صادقةً نصوحةً، لا بدّ له من التقيّد بشروط التوبة التي نصّ عليها العلماء، وفيما يأتي بيانها:[5]

  • الإقلاع عن المعاصي والذنوب التي كان عليها العبد فوراً.
  • الندم والحسرة، على ما فعله العبد في الماضي من معاصي وآثام.
  • العزيمة والإصرار على عدم الرجوع لمثل ما كان عليه، من عصيانٍ في حق الله تعالى.
  • إرجاع الحقوق المسلوبة إلى أصحابها، أو الإستبراء منها.
  • إخلاص النية لله -تعالى- في التوبة، وليست من أجل غرضٍ آخرٍ، فلا يعدّ تائباً الذي ترك الذنوب رياءً، ولا يعدّ من ترك شرب الخمر والمخدرات بسبب إفلاسه، تائباً كذلك، ولا يعدّ من ترك الزنا خوفاً من الأمراض التي يتسبب بها، تائباً.
  • استشعار قبح الذنب وضرره، فلا يتمنى الإنسان العودة إليه، ولا يشعر باللذة والسرور إذا تذكّره.
  • الإسراع والمبادرة في التوبة، وعدم تأخيرها.
  • استدراك ما فات الإنسان من حقوق الله -تعالى- أثناء عصيانه، فإن كان عليه زكاة لم يخرجها فيجدر به أن يبادر في إخراجها.
  • هجر مكان المعصية، إذا كان لذلك المكان أثرٍ في إرجاعه للمعصية.
  • ترك رفقاء السوء الذين كان لهم دورٌ في إعانة الإنسان على معصية الله تعالى.
  • التخلّص من جميع آثار المحرمات الموجودة لدى الإنسان التائب، فإن كان لديه شيء من أنواع المسكرات، أو الصور، أو الأفلام المحرّمة ونحو ذلك، فعليه أن يسارع في إتلافها.
  • البحث عن رفاق صالحين، يعينون الإنسان على الثبات على توبته، كما يجدر به الحرص على مجالس الذكر، والعلم، وملء وقته بكلّ ما يفيده حتى لا يتسلّل إليه الشيطان بوساوسه.
  • أن يباشر الإنسان في استخدام جسده الذي تعوّد سابقاً على المعصية وأكل الحرام، في طاعة الله ومرضاته، ويحرص على إنباته من المال الحلال.
  • الاجتهاد في تحصيل الحسنات؛ لأنها طريقٌ لإذهاب السيئات، والتخلّص منها.

من قصص التائبين

فيما يأتي بيان بعض قصص التائبين:[6]

  • جاءت امرأةٌ تدعى الغامدية إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مرةٌ، تقول له فيها بأنّها زنت، وتريد منه أن يطهرها بإقامة الحد، وكانت حينها حاملاً، فأخبرها الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أن تذهب إلى أن تضع مولودها، فذهبت، ثمّ عادت بعد فترةٍ من الزمن، وهي تحمل طفلها في يديها، فقالت للرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أنّها قد وضعت حملها، فأخبرها أن تذهب فتُرضع وليدها، وتفطمه، فذهبت ثمّ عادت بعد فترةٍ، وأخبرت الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- أن يُطهّرها فقد فطمت الطفل، فأمر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- حينها بأن يُحفر لها حفرةً، وتُوضع فيها ليرجمها الناس، فكان ممّن رجمها خالد بن الوليد رضي الله عنه، وقد أصابه شيءٌ من دمها أثناء الرجم، فسبّها، فقال له الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (مهلاً يا خالدُ، فوالذي نفسي بيدِه لقد تابت توبةً، لو تابها صاحبُ مُكْسٍ لغُفر لهُ).[7]
  • كان الفضيل بن عياض -رحمه الله- قاطعاً للطريق، وقد عشق مرّةً جاريةً، فذهب إليها يريد أن يرتقي الجدران ليصلها، فإذا به يسمع تالياً يتلو قول الله تعالى: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ)،[8] فقال: (بلى يا رب لقد آن)، ورجع، فآواه الليل إلى خربةٍ، سمع فيها أُناس يسألون بعضهم، أيرتحلون الآن أم يأجّلون رحيلهم إلى الصباح، فقال بعضهم: (بل نرتحل في الصباح؛ لأنّ فضيلاً يقطع علينا الطريق الآن)، فجلس الفضيل يفكر في نفسه، ويقول: (أنا أسعى إلى المعاصي في الليل، وبعض المسلمين هنا يخافونني)، وأدرك أنّ الله -تعالى- ساقه إليهم حتى يسمع كلامهم فيرتدع عن أفعاله، وقال: (اللهم إنّي تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة بيتك الحرام).

المراجع

  1. ^ أ ب "التوبة والوقاية"، www.ar.islamway.net، 2016-1-11، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-23. بتصرّف.
  2. ↑ "ما تعريف التوبة و ما شروطها؟ "، www.ar.islamway.net، 2008-8-18، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-23. بتصرّف.
  3. ↑ سورة المائدة ، آية: 74.
  4. ↑ سورة الفرقان، آية: 70.
  5. ↑ "شاب فعل جميع المحرمات ويريد التوبة"، www.islamqa.info، 2001-8-6، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-23. بتصرّف.
  6. ↑ سعيد مصطفى دياب (2015-6-26)، "من قصص التائبين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-23. بتصرّف.
  7. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي، الصفحة أو الرقم: 1695، صحيح.
  8. ↑ سورة الحديد، آية: 16.