طريقة غسل الجنابة

طريقة غسل الجنابة
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

الطّهارة

تُعْتبر الطّهارةُ مِن أهمِّ الأُمور التي ركّزت عليها الشّريعةُ الإسلاميةُ السَّمحة، فقد أَولتها جانباً كبيراً من الاهتمام، إذ إنّ بعض العبادات والنّوافل كالصَّلوات لا تَصِحُّ دون طهارة، وتُقسم الطّهارة إلى نوعين: طهارةٌ من الحدث الأكبر (الحيض والنّفاس للمرأة، والجنابة لِكُلٍّ من الرَّجُل والمرأة)، وتكون الطّهارة من الحدث الأكبر عن طريق الغُسل، أمّا الطّهارة من الحدث الأصغر (كالبول والغائط والرّيح والصَّوت) فتكون عن طريق الوضوء، والآتي بيانٌ لبعض أحكام وطريقة الاغتسال من الجنابة التي هي حدثٌ أكبر.

معنى الجنابة

الجُنُب: الذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الغُسْل بالجِماع وخُروجِ الْمَنِيِّ. ويَقَع عَلَى الواحِد، والاثْنَين، والجَميع، والمؤنَّث، بلَفْظ وَاحِدٍ. وَقَدْ يُجْمع عَلَى أَجْنَاب وجُنُبِين. وأَجْنَبَ يُجْنِبُ إِجْنَابًا، والجِنَابَة الاسْم، وَهِيَ فِي الْأَصْلِ: البُعْد. وسُمّي الْإِنْسَانُ جُنُبا لِأَنَّهُ نُهِيَ أَنْ يَقْرَب مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَتَطَهَّرْ. وقيل لِمُجَانَبَمته الناسَ حَتَّى يَغْتَسل.[1]

ما يُمنع منهُ الجُنُب

  • يَحرُم على الجُنُب أداء الصَّلاة سواء كانت فَرضاً أو نافلة؛ لأنَّ الطّهارة تُعتبر شَرطاً من شُروط صحَّة الصَّلاة، ولما ورد عن النبيّ عليه الصّلاة والسّلام حيث قال: (لا تُقبَلُ صَلاةٌ بغير طُهور)،[2] والطّهور يشمل الحَدَثين الأكبر والأصغر؛ الوُضوء من البول والغائط والصّوت والريح، والاغتسال من الجنابة والحيض والنَّفاس.
  • يَحرم على الجُنُب أيضاً الطّواف حول الكعبة فَرضاً كان أو نافلة؛ لأنَّ الطَّواف في معنى الصَّلاة لقول النّبي -عليه الصّلاة والسّلام-: (الطّواف بالبيت صلاة إلّا أنّ الله أحلَّ فيه المَنطِق فمن نَطَقَ فلا يَنطِقُ إلا بخير)،[3] ينطبق على الذي يُريد الطّواف ما ينطبق على من يُريد الصَّلاة من طهارةٍ وستر عورةٍ وغير ذلك، ولذلك لا يصحّ الطّواف ممّن كان جُنُباً، وهذا عند المالكيّة.[4] والشافعية [5] والحنابلة،[6] أمّا عند الحنفيّة[7] فيُعتبر طواف الجُنُب صحيحاً ولكن عليه أن يذبح.
  • يَحرم على الجُنُب مَسُّ المُصحَف بيده، سواء أكان مُصحفاً جامعاً للقرآن، أم كان جزءاً، وذلك لقوله عزَّ وجلَّ: (لا يمسُّهُ إلا المُطهّرون)،[8] وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن: (أن لا يمس القرآن إلا طاهر ).[9]
  • يَحرُم على الجُنُب قراءة القرآن[10] لما رُوِي عن النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- (أنّه كان لا يحجزه شيء عن قراءة القرآن إلا الجَنابة).[11]
  • يَحرم على الجُنُب دخول المسجد واللّبث فيه، لقول الله عزَّ وجلَّ : (ولا جُنُباً إلا عابري سبيل حتّى تغتسلوا). [12]
  • يَحرم الاعتكاف في المَسجد للجُنُب لقول الله عزَّ وجلَّ : (ولا جُنُباً إلا عابري سبيل).[13]

موجبات الغُسل

ذَكَر الفُقهاء للاغتسال ستّة أسبابٍ، من توفَّر فيه واحداً منها فقد وَجَب عليه الغُسل، وهي:

  • خروج المنيّ بشهوة: فإن كان خروج المنيّ من نائم فلا يُشترط وجود الشّهوة؛ لأنّه في نومه لا يعي ما يحدث معه ولن يشعر بالشّهوة ولن يُميّزها، وهو ما يسمّى بالاحتلام، وقد اتّفق الفُقهاء على أنّ خروج المنيّ من موجبات الغُسُل، بل إنَّ الإمام النوويّ قد نقل الإجماع على ذلك، ولا فرق في ذلك بين الرّجل والمرأة في حال النّوم أو حال اليقظة.[14]
  • التقاء الختانين: أي مُجرّد حدوث الجِماع، سواء أنزَل أم لم يَنزِل، لقوله -عليه الصّلاة والسّلام-: (إذا جلس بين شُعَبِها الأربع، ثمّ جَهَدَها فقد وَجَبَ الغُسل وإن لم يُنزِل)،[15] وهذا من الأمور المُتّفق عليها عند الفقهاء.
  • انقطاع الحيض، وهو دمٌ أسودُ مُنتنٌ يُرخيه رَحم المرأة، ويخرج من القُبُل حال الصّحة، وانقطاعه شرطٌ لصحّة الغُسُل له، وقد أجمع العلماء على أنّ انقطاع الحيض من مُوجبات الغُسُل لقوله عزَّ وجلَّ: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).[16]
  • خروج دم النّفاس، وهو الدّم الخارج من قُبُل المرأة بسبب الولادة.
  • الموت لغير الشّهيد في المعركة والمقتول ظُلماً فلا يُغسّلان، والمراد وجوب ذلك على الأحياء؛ إذ لا وجوب بعد الموت من الواجبات المُتعلّقة بالبدن؛ أي يجب على الأحياء أن يغسلوا من مات.[17]
  • إسلام الكافر.

طريقة الغُسل من الجنابة

رُوِي عن السيّدة عائشة رضي الله عنها في ذكر غُسُل رسول الله -عليه الصّلاة والسّلام- من الجنابة قولها: (كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا اغتسلَ مِن الجَنَابَةِ، يبدأُ فيَغسلُ يدَيْه، ثم يُفْرِغُ بيمينه على شِمَالِه، فيَغسلُ فرجَه، ثم يَتوضأ وضوئَه للصلاةِ، ثم يأخذُ الماءَ، فيُدخِلُ أصابعَه في أصولِ الشَّعرِ، حتى إذا رأى أَنْ قد استبرأَ، حَفَنَ على رأسِه ثلاثَ حَفَنَاتٍ، ثم أفاضَ على سائرِ جسدِه، ثم غسلَ رجليه. وفي رواية: أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - اغتسلَ مِن الجنابةِ، فبدأَ فغسلَ كفَيْه ثلاثًا ثم ذكر نحوَ حديثِ أبي معاويةَ. ولم يَذْكُرْ غَسْلَ الرجلين)،[18] ويمكن تفصيل كيفيّة الغسل من الجنابة كما ذكرها ابن قدامة المقدسيّ في كتابه المُغْني، حيث قال: الكامل يأتي فيه بعشرة أشياء:[19]

  • النّية: إذ إنَّ النيَّة هي أساسُ كل عملٍ، ومردُّ كل عبادةٍ، وبها يصحّ العمل أو يَبطُل.
  • التّسمية: وهي نفسها البَسملة، أو قول الشّخص: بسم الله الرّحمن الرّحيم.
  • غسل اليدين ثلاثاً: وذلك للتخلّص من القاذورات قبل البدء بالغُسُل.
  • غسل ما به من أذى: ويُقصد به آثار الجِماع وما يَلتصق بالفرج منه، فيُسنّ لمن أراد الغُسُل من الجنابة أن يغسل موضع الجنابة حتّى يتخلّص من آثار الجِماع.
  • الوضوء: والمقصود به الوضوء للصّلاة، ويُسنّ أن يُؤخّر غسل القدمين حتّى ينتهي من الاغتسال.
  • أن يحثي على رأسه ثلاث حثيات، ويُخلّل أصول الشّعر حتّى يصل الماء إلى شعره شعرةً شعرةً.
  • يفيض الماء على سائر جسده: وهو الرّكن الأساسيّ في غسل الجنابة؛ فإن اكتفى به أجزأه ذلك؛ لأنّ المقصود في الغُسُل تعميم الماء على الجسم لإزالة النّجاسة وتحققّ الطّهارة.
  • أن يبدأ بشقّه الأيمن ويدلّك بدنه بيده، ثم ينتقل إلى شقّه الأيسر حتّى ينتهي من غسل جميع بدنه.
  • أن ينتقل من موضع غسله فيغسل قدميه: ويكون ذلك في نهاية الاغتسال حتّى يكون غسل القدمين بماءٍ طاهرٍ لم تُصبه نجاسةٌ.
  • أن يُخلّل أصول شعر رأسه ولحيته بماء قبل إفاضته عليه.

المراجع

  1. ↑ مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير (1979)، النهاية في غريب الحديث والأثر، بيروت: المكتبة العلمية، صفحة 302، جزء 1.
  2. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 224، صحيح.
  3. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 3836، أخرجه في صحيحه.
  4. ↑ أبو محمد عبد الوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي، المعونة على مذهب عالم المدينة «الإمام مالك بن أنس»، مكة المكرمة: المكتبة التجارية، مصطفى أحمد الباز، صفحة 571، جزء 1.
  5. ↑ الماوردي (1999)، الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 144، جزء 4.
  6. ↑ ابن قدامة المقدس (1994)، الكافي في فقه الإمام أحمد (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 92، جزء 1.
  7. ↑ السرخسي (1993)، المبسوط، بيروت: دار المعرفة، صفحة 120، جزء 4.
  8. ↑ سورة الواقعة، آية: 79.
  9. ↑ رواه الدارمي، في السنن الكبرى للبيهقي، عن عمرو بن حزم، الصفحة أو الرقم: 89/4، موصول الإسناد حسنا.
  10. ↑ د وهبة بن مصطفى الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته (الطبعة الرابعة)، سورية: دار الفكر، صفحة 537، جزء 1.
  11. ↑ رواه ابن باز، في فتاوى نور على الدرب لابن باز، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 429/5، ثابت.
  12. ↑ سورة النساء، آية: 43.
  13. ↑ سورة النساء، آية: 43.
  14. ↑ وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت (1427هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الأولى)، مصر: مطابع دار الصفوة ، صفحة 195، جزء 31.
  15. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 348.
  16. ↑ سورة البقرة، آية: 222.
  17. ↑ أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي ابن لطف الله الحسيني (2003)، الروضة الندية (الطبعة الأولى)، السعودية: دار ابن القيم، صفحة 183-187. بتصرّف.
  18. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم ، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 316.
  19. ↑ أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي (1968)، المغني، مصر: مكتبة القاهرة، صفحة 160، جزء 1.