كيف كان الرسول يقضي يومه

كيف كان الرسول يقضي يومه
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

الرسول محمد صلى الله عليه وسلم

شاء الله سبحانه وتعالى في عام الفيل أن يولد آخر رُسُله وأنبياءه، وهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشي صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في مكة بعد أن توفي والده وهو حمْلٌ في بطن أمه آمنة بنت وهب، وبعد ولادته أرضعته السيدة حليمة السعدية، ثم أعادته إلى أمه التي بقي معها إلى أن توفيت وهو ابن ست سنين، فكفله بعدها جده عبد المطلب، والذي استمر بالعناية به إلى أن توفّاه الله عزّ وجل، حينها انتقلت كفالته إلى عمّه أبو طالب الذي استمرّ بالدفاع عنه وحمايته والوقوف إلى جانبه قرابة الأربعين عاماً، إلا أنه أبى أن يدخل في الإسلام.[1]

كيفية قضاء الرسول يومه

كل الناس يحتاجون إلى تنظيم يومهم وملئة بالجدّ والعمل حتى يحققوا النجاح المرجوّ، فكيف بمن كانت على عاتقه مسؤولية عظيمة ومهمة كبيرة كرسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك فقد كان له نظام شديد الدقة في يومه وليله، وكان نظامه عليه الصلاة والسلام يقوم على توزيع وقته بشكل عادل بين حق الله وحق الأمة وحق أهله ونفسه، وكان همّ الأمة ومسؤولية الدين أكبر ما يشغله، فيقضي حتى أوقات سكونه وراحته في التفكير فيهما، وكان يعتني بأمور عامّة المسلمين ويعالج مشاكلهم ويبين لهم دينهم حتى عندما يكون في منزله، يأتيه الخاصّة من الناس فينقلون له ما يعجز العامة عن نقله له من حاجاتهم.[2] يبدأ صلى الله عليه وسلم يومه بصلاة الصبح في المسجد، فيصليها ثم يجلس في مكانه إلى طلوع الشمس وهو يذكر الله عز وجل، ويأتي أصحابه رضوان الله عليهم جميعاً فيشاركونه المجلس، ويحادثونه أحياناً عن بعض ما كان في الجاهلية، فيضحكون ويبتسم لهم عليه السلام، ثم يصلّي صلاة الضحى التي سنّها للمسلمين جميعاً، وكان يصليها أربع ركعات أو يزيد.[3]

ثمّ إذا كان في بيته نهاراً يعمل في خدمة أهله ومساعدتهم، وفي ذلك قالت السيدة عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا سُئلت عن حاله في بيته (كان بشرًا من البشرِ ؛ يَفْلِي ثوبَه، ويحلبُ شاتَه، ويخدمُ نفسَه)[4]، وكانت تقول أيضاً (كان يكونُ في مهنةِ أهلِه تعني خدمةَ أهلِه فإذا حضرتِ الصلاةُ خرجَ إلى الصلاةِ)[5] فإذا دخل وقت الصلاة خرج من بيته صلى الله عليه وسلم متجهاً إلى المسجد لأدائها، فإذا صلّى بالناس جلس وحدّثهم، ونصحهم، ووعظهم، وأرشدهم، وأجاب عن أسئلتهم، وأصلح بينهم، ثم يعود إلى بيته. فإذا حصل أمر ما أو شاء أن يخبر الناس بشيء معين وأراد منهم أن يجتمعوا، نادى فيهم "الصلاة جامعة"، فإذا اجتمع الناس أخبرهم بما أراد، وذكّرهم بما أراد، وقد كان من سنّته صلى الله عليه وسلم أن يقيل في منتصف النهار، وذلك ليتمكن من قيام الليل، وكان يحث عليه السلام المسلمين على هذه القيلولة. وفي سائر يومه كان صلى الله عليه وسلم يتفقد أحوال الناس، فيزور مريضهم، ويعين فقيرهم، ويجيب من دعاه منهم، ويمشي في حاجات المساكين، وينظر في أسواقهم، ويجالسهم في مجالسهم، ويظلّ معهم وحولهم حتى يقضي ما أهمهم، ويوضّح لهم الدين من أمر بمعروف ونهي عن منكر وإيضاح في التشريعات، حتى قال عنه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه (كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يُكْثرُ الذِّكرَ، ويُقلُّ اللَّغوَ، ويطيلُ الصَّلاةَ، ويقصِّرُ الخطبةَ، ولا يأنَفُ أن يمشيَ معَ الأرمَلةِ والمسكينِ ، فيَقضيَ لَهُ الحاجةَ)[6][3]

فإذا جاء الليل صلّى صلاة العشاء بالناس، ثمّ رأى إن كان هناك أمرٌ من أمور المسلمين يجدر التشاور فيه جلس مع كبار أصحابه وتحدثوا فيه، وإلا فإنّه يجلس مع أهله قليلاً، وفي ذلك قال ابن كثير في تفسيره "وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العِشْرَة دائم البِشْرِ ، يداعب أهله ، ويَتَلَطَّفُ بهم ، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته ، ويُضاحِك نساءَه ... ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها".[3]ثم كان عليه الصلاة والسلام ينام أوّل الليل، ويقوم بعدها يصلّي لله عز وجل ويتعبد بين يديه، يظلّ على ذلك إلى أن يؤذن بلال رضي الله عنه لصلاة الفجر، فيصلّي ركعتين ويمضي إلى المسجد ليصلّي بالناس.[3]

أهمية معرفة سيرة الرسول محمد

لدراسة ومعرفة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية كبيرة، نوضّحها فيما يلي:[7]

  • الاقتداء به صلى الله عليه وسلم، والتأسي بسنّته، ويكون ذلك بمعرفة أخلاقه وشمائله وما كان عليه في حياته من تواضع، وصبر، وعبادة وغير ذلك.
  • فهم القرآن الكريم، والوقوف على بعض أسباب نزوله، ففي سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت آيات كثيرة، يعكف المفسرون على دراستها وفهمها وتفسيرها، وذلك يستلزم معرفة سيرته صلى الله عليه وسلم.
  • أخذ الدروس والوقوف على العبر، فسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم تعدّ هدياً يُتبع، ومنهجاً يُسلك.
  • معرفة معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ورد في السيرة النبوية الكثير منها على لسان الصحابة رضوان الله عليهم.
  • معرفة وإدراك عظمة الإسلام، فقد كان في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم نموذج عمليّ ودقيق لتطبيق هذا الدين، قلب موازين العالم أجمع في فترة وجيزة، وهي فترة دعوته عليه الصلاة والسلام.[8]

بعثة الرسول محمد

اعتنى الله تبارك وتعالى بنبيّه عليه السلام منذ صغره، فأنشأه نشأة حسنة وأدّبه تأديباً عظيماً، حتى عُرف بين قومه بالأخلاق الرفيعة، والصدق، والأمانة، والحِلم، والمروءة، ثم إنّه حَبّب إليه الاختلاء بنفسه، فكان يذهب إلى غار حراء يختلي فيه أياماً وليالي، وكرّه إليه الأصنام والأوثان والخمر وغيرها من المنكرات. رعى عليه الصلاة والسلام الغنم وعمل في التجارة، وتزوج خديجة رضي الله عنها وكان له منها بنات وبنين، وقد شاء الله عزّ وجل أن يوحي إليه بالرسالة، فجاءه جبريل عليه السلام وهو في غار حراء، فقال له اقرأ، فردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أنا بقارئ، وتكرر ذلك، ثمّ في المرة الثالثة قرأ عليه جبريل عليه السلام أول ما نزل من القرآن (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ)[9]، وكان ذلك الموقف بداية بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.[1]

بدأ الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك رحلة الدعوة، فمكث في مكة المكرمة ثلاثة عشر عاماً وهو يدعو أهلها لعبادة الله عز وجل، وقد كان في بداية الأمر يدعو إلى الله سرّاً، ثمّ جهر بالدعوة بعد أن أمره الله تبارك وتعالى بالجهر، فآمن به قلّة من الأشراف، والأغنياء، والعبيد، والفقراء وكذّب به آخرون، ولمّا اشتدّ أذى المشركين للمسلمين يسّر الله عز وجل لقاء الرسول صلى الله عليه وسلم برهط جاؤوا من المدينة المنورة للحج، فأسلموا على يديه ونشروا الإسلام في المدينة المنورة، وبعد ذلك هاجر الرسول صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر رضي الله عنه إلى المدينة، وهناك استمرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بنشر الدعوة الإسلامية ودعوة الناس إلى عبادة الله عز وجل، ثمّ واجهوا الكفّار والمشركين في عدّة غزوات ومعارك، كما واجهوا المنافقين واليهود الذين كانوا يسعون لنشر الفتنة بين المسلمين، إلى أن يسّر الله سبحانه وتعالى لهم فتح مكة المكرمة.[1]

وفاة الرسول محمد

حجّ الرسول صلى الله عليه وسلم في السنة العاشرة للهجرة حجّة الوداع، وسُمّيت بذلك لأنّها كانت الحجة الأخيرة للرسول صلى الله عليه وسلم وفيها ودّع الناس، وفي هذه الحجّة بيّن الله تعالى أنّه أكمل للمسلمين دينهم كما جاء في الآية (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[10]، وبعدها في السنة الحادية عشر للهجرة مرض الرسول صلى الله عليه وسلم مرضاً شديداً، حتى جاء يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول، فتوّفى الله عز وجل نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وحزن المسلمون حزناً عظيماً، ثم صلّوا عليه صلوات الله وسلامه عليه، ودفن في بيت السيدة عائشة رضي الله عنها.[1]

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث " محمد صلى الله عليه وسلم"، www.islamqa.info/ar، 2001-4-11، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-4. بتصرّف.
  2. ↑ حسنين محمد مخلوف (2013-1-20)، "يوم الرسول -صلى الله عليه وسلم- وليله"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-4. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث "كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يقضي يومه ؟"، www.islamqa.info/ar، 2014-2-18، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-4. بتصرّف.
  4. ↑ رواه الألباني، في مختصر الشمائل، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 293، صحيح.
  5. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 676، صحيح.
  6. ↑ رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عبد الله بن أبي أوفى، الصفحة أو الرقم: 1413، صحيح.
  7. ↑ "من فوائد دراسة السيرة النبوية"، www.articles.islamweb.net، 2016-11-17، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-4. بتصرّف.
  8. ↑ الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن معلا اللويحق (2015-11-25)، "أهمية دراسة السيرة النبوية ومعرفتها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-4-4. بتصرّف.
  9. ↑ سورة العلق، آية: 1-3.
  10. ↑ سورة المائدة، آية: 3.