مظاهر وحدة المسلمين في الحج

مظاهر وحدة المسلمين في الحج
(اخر تعديل 2023-08-06 01:31:13 )

عبادة الحج

يُعرف الحج بأنّه قصد بيت الله الحرام لأداء الحج الذي يعدّ ركناً من أركان الإسلام، ويُؤدّى بالقيام بأعمال خاصة من الطواف، والوقوف بعرفة، مع اشتراط الإحرام بنية الحج قبل ذلك، فيقال: أركان الحج اثنان؛ الطواف والوقوف بعرفة، ويُشترط على المسلم أداء الحج مرّةً واحدةً في العمر إن استطاع ذلك، وقد ثبت ذلك بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، كما أجمع العلماء على ذلك، وهو ما ثبت أيضاً بالمعقول، حيث قال الله تعالى: (وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)،[1] كما قال أيضاً: (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ).[2][3]

ومن أدلّة السنة النبوية ما رواه الصحابي أبو هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (أيها الناسُ ! قد فرض اللهُ عليكم الحجَّ فحجُّوا)،[4] وغيره من الأحاديث التي وردت في فرض الحج على كل مسلم، كما انعقد الإجماع من العلماء على مشروعية الحج، ودليل العقل يتمثّل بإثبات أن العبادات واجبة للقيام بحق العبودية، أو للقيام بواجب الشكر والحمد على النعم المختلفة، فالحج من الوسائل والطرق التي تحقّق ذلك، حيث يظهر في الحج التذلّل والخضوع لله تعالى، كما يمتنع الحاج بالإحرام عن الزينة والارتفاق، ويظهر بمظهر الشعث، كما أنّ الحج من العبادات المالية والبدينة التي لا تجب إلا بتوفّرهما، وذلك لاستعمال تلك النعمة بما يرضي الله تعالى شكراً له عليها.[3]

وحدة المسلمين في الحج

يُقصد بوحدة المسلمين اجتماعهم على أصول الدين الإسلامي والقواعد الكلية القائمة عليه، مع العمل والسعي لإعلاء كلمة الله تعالى، ونشر رسالة الإسلام، وفي ذلك تحقيقٌ لمعنى الخيرية للأمة الإسلامية التي أرادها الله سبحانه، حيث قال: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ)،[5] فالأمة الإسلامية لا تحقّق الخيرية إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله، حيث ذُكرت الآية بصيغة الجماعة للدلالة على أنّ تحقيق الخير لا يكون إلا باجتماع الأمة واتفاقها، ومن النسك التي يجتمع فيها المسلمون الحج، فهو من أعظم المواسم بالنسبة للمسلمين، ومن المقاصد التي يحقّقها توحيد المسلمين؛ فهم يؤمنون برب واحد، ويخضعون له متبعين كتاباً واحداً، وشرعاً واحداً، فبالحج يتجرّد المسلم لربه من كلّ شرك أو إثم عالق بالنفس، معلناً التوحيد لله تعالى، وداعياً إلى الإسلام عملياً، كما تظهر وحدة المسلمين في الحج بالعديد من الأمور والنسك القائمين بها، منها:[6]

  • بيان الوحدة في الأصل الإنساني، دون النظر إلى الحدود الجغرافية الفاصلة بين الناس، حيث قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).[7]
  • وحدة عقيدة المسلمين ودينهم دون تعدّد أو تناقض أو اختلاف، حيث قال الله تعالى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ).[8]
  • وحدة المسلمين في الحج بالزمان والمكان، فقد قال الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ)،[9] وقال أيضاً: (جَعَلَ اللَّـهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ)،[10]
  • وحدة المسلمين في شرائع الحج وشعائره من طواف، وسعي، ونداء، دون اختلاف أو تناقض.
  • وحدة الحجاج في هيئتهم وشكلهم ومظهرهم، فالحجاج يرتدون ذات الملابس عند إحرامهم للحج المتمثلة بالإزار والرداء الأبيض.
  • وحدة الحجاج في النداء والتلبية، وذلك بقول: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك).

دروس وعبر من الحج

تتضمن عبادة الحج العديد من الحكم والعبر والعظات الناتجة عن أداء المناسك المتعلّقة به، وفيما يأتي بيان البعض منها:[11]

  • يظهر في الحج حرص المسلم على أداء مناسك الحج على أحسن صورة وهيئة، فبعض الحجاج قد يسألون عن تساقط بعض شعر رأسه بسبب حكّه لرأسه، والبعض الآخر قد يسأل عن الجمرة التي أصابت الشاخص ثمّ ارتدّت عن الحوض.
  • شُرعت العبادات لتحقيق الصلاح والتهذيب في الإنسان، فقال ابن القيم في ذلك: (فإن الشريعة مبناها وأساسها الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها)، كما قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ*مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ*إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)،[12] كما قال أيضاً: (لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ)،[13] وقد بيّن ابن كثير أن المقصود من الآية أنّ الله تعالى شرع النحر لذكره عند ذبحها، فهو الخالق لعباده، والرازق لهم، حيث إنه لا ينال أي شيء من اللحوم أو الدماء، فهو الغني عمّا سواه.
  • شُرع الحج للتقرّب من الله تعالى بالعديد من الطاعات والعبادات، منها ذكر الله تعالى، وهو أول المقاصد الواجب تحقيقها في الحج، فالله تعالى أراد للقلوب أن ترتبط به في أيام الحج، ولأجل ذلك فالكثير من أعمال الحج قائمة على ذكر الله تعالى، منها: الوقوف بجبل عرفة، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (خيرُ الدُّعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ)،[14] وبعد ذلك يذهب الحاج إلى مزدلفة المشعر الحرام، ذاكراً لله تعالى، حيث قال: (فَاذْكُرُوا اللَّـهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ)،[15] وذلك ما كان من الرسول عليه الصلاة والسلام عندما حجّ، وكذلك قامت باقي مناسك الحجّ على ذكر الله تعالى.

المراجع

  1. ↑ سورة آل عمران، آية: 97.
  2. ↑ سورة الحج، آية: 27.
  3. ^ أ ب "الحج (التعريف والحكم وحكمة المشروعية)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-11-2018. بتصرّف.
  4. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1337، صحيح.
  5. ↑ سورة آل عمران، آية: 110.
  6. ↑ "الحج ووحدة الأمة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-11-2018. بتصرّف.
  7. ↑ سورة الحجرات، آية: 13.
  8. ↑ سورة البقرة، آية: 285.
  9. ↑ سورة البقرة، آية: 197.
  10. ↑ سورة المائدة، آية: 97.
  11. ↑ "عبادة الحج (دروس وحِكم)"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 5-11-2018. بتصرّف.
  12. ↑ سورة الذاريات، آية: 56-58.
  13. ↑ سورة الحج، آية: 37.
  14. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن جد عمرو بن شعيب، الصفحة أو الرقم: 3585، حسن.
  15. ↑ سورة البقرة، آية: 198.