المحافظة على البيئة في الإسلام

المحافظة على البيئة في الإسلام

معنى البيئة

البيئة في اللغة أصلها من الفعل بوأ، وجميع معاني الفعل يقصد بها الاستقرار والحلول والتمكّن والرجوع والنزول، فيُقال: باء إلى الشيء أي رجع، والباءة: النكاح؛ وقد سمّي بذلك لأنّ الرجل يستمكن من أهله، وأصل الباءة المنزل، فالبيئة في اللغة هي: الحال والمنزل، أمّا اصطلاحاً فهي: مجموع العوامل الكيميائية والحيوية والطبيعية التي تعمل على مجتمعٍ بيئيٍ أو كائنٍ حيٍ، وعرّفها البعض بأنّها: الموارد الطبيعية بما فيها من الأرض والهواء والماء والحيوان والنبات، وخاصةً العينات الممثلة للنظم الطبيعية التي يتوجّب حمايتها لصالح الأجيال من خلال الإدارة والتخطيط،[1] وعرّفت البيئة في الاصطلاح العلمي المعاصر بأنّها: كلّ شيءٍ يحيط بالإنسان ويؤثر على الصحة، فيشمل بذلك المدينة بكاملها شوارعها وأنهارها ومساكنها وشواطئها وآبارها، كما تشمل كلّ ما يتناوله الإنسان من شرابٍ وطعامٍ، وكلّ ما يُرتدى من اللباس، بالإضافة إلى العوامل الكيميائية والجوية وغير ذلك، ووصفها البعض بأنّها مجموعةٌ من الأنظمة التي تتشابك مع بعضها البعض لدرجة التعقيد، والتي تحدّد بقاء الإنسان، وتؤثّر عليه، وتتعامل وفق نظامٍ متكاملٍ متوازنٍ دقيقٍ.[2]

المحافظة على البيئة في الإسلام

حثّ القرآن الكريم المسلم على حماية البيئة والمحافظة عليها، وعدّ الإسلام ذلك واجبٌ دينيٌ، وأمر الله -تعالى- بالتعامل مع البيئة على أنّها ملكيةٌ عامةٌ يتوجّب على المسلم المحافظة على مكوناتها وثرواتها ومواردها، وأنّ الأرض وما فيها من نعم الله -تعالى- التي يجب على المسلم شكر الله عليها؛ لتثبت وتستمر ويزيده الله منها، أمّا إن لم يؤدها بواجبها ولم يشكر الله كان ذلك سبباً في زوالها واضمحلالها ، وحين خلق الله -تعالى- جعله خليفةً في الأرض، والأرض أمانةٌ يجب على الإنسان حمايتها، وسخّر الله الأرض للإنسان لإدراك كلّ ما تعلقت به حاجات الناس من غرسٍ وحرثٍ وبناءٍ، وكذلك جاءت السنة النبوية بالحثّ على المحافظة على البيئة وعدم الإضرار بها بأي شكلٍ من الأشكال، فالضرر بالإسلام منهيٌ عنه في جميع صوره، وقد أمر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بإماطة الأذى عن الطريق والأذى يشمل جميع الأنواع، كما إنّ إماطة الأذى عن الطريق من الإيمان، وجعل من حقوق الطريق كفّ الأذى، واهتمت السنة بتخضير الأرض والغرس والتشجير،[3] وعلى الإنسان أن يراعي الاعتدال والوسطية في الأرض، وركّز الإسلام على مبدأ مهم بقيام الإنسان بعمارة الأرض، والسعي في ذلك باجتهادٍ ونشاطٍ، والتعاون على البرّ والتقوى، والابتعاد عن إفساد الأرض في تربتها ومائها وهوائها والكون بكلّ ما فيه،[4] وبالنسبة للمياه فقد حثّت السنة النبوية على المحافظة على الثروة المائية، وعدم الإسراف بها، ومن صور ذلك: كراهية الإسراف بالماء عند الوضوء والزيادة عن ثلاثٍ، كما لا بدّ من المحافظة على الماء من التلوث، وذلك بالنهي عن التبوّل في الماء الراكد، وكراهة التنفّس في الإناء عند الشرب منه، وكراهية الشرب من فم الإناء،[5] ومن التوجيهات النبوية فيما يتعلّق بالبيئة عدم احتجاز الأرض، والحثّ على زراعتها واستصلاح الأراضي الجدباء، ونهى النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن قطع الأشجار المثمرة.[6]

من أدلة المحافظة على البيئة

وردت عدّة أدلةٍ من القرآن الكريم والسنة النبوية تحثّ على المحافظة على البيئة، وفيما يأتي ذكر البعض منها:[7]

  • سخّر الله -تعالى- الكون بما فيه لخدمة الإنسان، ولا بدّ منه المحافظة على ما فيه، حيث قال الله سبحانه: (وَما ذَرَأَ لَكُم فِي الأَرضِ مُختَلِفًا أَلوانُهُ إِنَّ في ذلِكَ لَآيَةً لِقَومٍ يَذَّكَّرونَ*وَهُوَ الَّذي سَخَّرَ البَحرَ لِتَأكُلوا مِنهُ لَحمًا طَرِيًّا وَتَستَخرِجوا مِنهُ حِليَةً تَلبَسونَها وَتَرَى الفُلكَ مَواخِرَ فيهِ وَلِتَبتَغوا مِن فَضلِهِ وَلَعَلَّكُم تَشكُرونَ*وَأَلقى فِي الأَرضِ رَواسِيَ أَن تَميدَ بِكُم وَأَنهارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُم تَهتَدونَ).[8]
  • قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما مِن مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلَّا كانَ ما أُكِلَ منه له صَدَقَةً).[9]
  • رُوي عن سعد بن أبي وقاص أنّه قال: (إنَّ اللهَ تعالى طيبٌ يُحِبُّ الطيبَ، نظيفٌ يُحِبُّ النظافةَ، كريمٌ يُحِبُّ الكرَمَ، جوَادٌ يُحِبُّ الجودَ، فنظِّفوا أفنيتَكم، ولا تشبَّهوا باليهودِ).[10]

مكونات البيئة

تحدّث القرآن الكريم عن مكونات البيئة، ومنها: السماء التي ذُكرت مئةً وعشرين مرةً، فهي مصدر الجمال والزينة للأرض، والسقف الذي يحيد الأرض من جميع الجوانب؛ ليحميها من الأشعة التي قد تشكّل الضرر على الناس، ومنها أيضاً السماء التي سخّرها بما فيها للإنسان، والأرض أيضاً من مكونات البيئة، وهي البيئة الطبيعية لجميع المخلوقات، وتأتي بثمارٍ عديدةٍ، وتتكون قشرتها من معادن عدّةٍ تدخل في حياة الإنسان، والماء من المكونات التي تعدّ أساس الحياة، ويتشكل منه جسم النبات والحيوان والإنسان، ولا توجد حياة أو حضارة دون الماء، وجعل الله -تعالى- الماء حقاً لبني آدم وجميع المخلوقات، والهواء من الكونات التي يمتلكها الجميع، وذكر الهواء في القرآن بلفظ الريح والرياح وهي الهواء المتحرك في جميع الطبقات التي تحيط بالأرض، والنبات لمكوّن الذي يعدّ مصدر الغذاء الذي قد يكون من منتجاتٍ حيوانيةٍ أو نباتيةٍ، والنبات هو المصدر الأول للأكسجين الذي لا يمكن لأحدٍ الاستغناء عنه، الحيوان جاء ذكره في القرآن، كما أنّ بعض السور جاءت مسماةً بأسماء الحيوانات، مثل: سورة البقرة والنمل والعنكبوت والنحل وغيرها، وذكرت من باب تنبيه الإنسان إلى أنّ في دراسة كلّ خلقٍ من مخلوقاته سبيلٌ علميٌ قد يقود الناس إلى الإيمان، وجعل الله هذه الحيوانات مسخرةً للإنسان وفيها منافع عديدةٌ، ومن خلال هذه المكونات تتضح حقائق عديدة، ومنها: أنّ أصل هذه المكونات طاهرةٌ ومباركةٌ ونقيةٌ وخلقها الله مسخرةً لمنفعة الإنسان، وعلى الإنسان أن يستمر في شكر الله -تعالى- عليها، التي قد تكون سبباً لعذاب الإنسان في حالة التكبّر والاستكبار على الله -عزّ وجلّ- كما حصل مع الأقوام السابقة.[11]

المراجع

  1. ↑ راغب السرجاني (27-7-2017)، "البيئة مفاهيم واصطلاح"، islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 30-3-2019. بتصرّف.
  2. ↑ سامح عبد السلام محمد (1-9-2013)، "مفهوم البيئة"، alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-3-2019. بتصرّف.
  3. ↑ صباح حداث، جيهان الطاهر محمد (4-8-2012)، "حماية البيئة في ضوء القرآن والسنة"، islammessage.com، اطّلع عليه بتاريخ 30-3-2019. بتصرّف.
  4. ↑ حسني حمدان الدسوقي (18-2-2014)، "آية الإنسان والبيئة في القرآن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-3-2019. بتصرّف.
  5. ↑ "المحافظة على البيئة والممتلكات العامة "، www.alssunnah.org، اطّلع عليه بتاريخ 30-3-2019. بتصرّف.
  6. ↑ "الحفاظ على البيئة في ضوء الإسلام"، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 30-3-2019. بتصرّف.
  7. ↑ "الإسلام والبيئة"، saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-3-2019. بتصرّف.
  8. ↑ سورة النحل، آية: 13-15.
  9. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1552، صحيح.
  10. ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم: 1742، صحيح.
  11. ↑ سامح عبد السلام محمد (8-9-2013)، "مكونات البيئة"، alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-3-2019. بتصرّف.