ترتيب الأولويات
ترتيب الأولويّات
يتنفّس الصّبح كلّ يوم معلناً استيقاظ يوم جديد، حاملاً معه أمانٍ ودعوات كثيرة ألّا يكون البارحة كاليوم؛ فنسعد به أكثر، ونقترب من أهدافنا أكثر، لكن هذه الأماني لن تتحقق من ذاتها؛ إذ ليس هناك في الواقع مارد أو جنّي يقطن في مصباح علاء الدين، ينتظركَ ليحققها لك، ويضيع معظمنا مشتتاً نفسه بين هذا وذاك: فرجلٌ يغيب عن منزله ومجالسةِ زوجته وأولاده، وينفق جلّ وقته في عمله ومستقبله المهنيّ، وامرأة ينازعها قلبها كلّ ليلة؛ أوَتترك طفليها اللذين لم يتجاوز كليهما ثلاث سنوات، تغيب عنهم تسع ساعات في اليوم، مُودِعةً إيّاهم في حضانات الأطفال التي تنفق جزءاً معتبراً من مرتبّها عليهم؟ أم تترك وظيفتها وتتخلّى عن طموحها الأكاديميّ والمهنيّ وتحبس نفسها في المنزل؟
إنّ صراع التوازن هذا بين الوظائف المختلفة، يشهدهُ الكلّ تقريباً في هذا العصر المتسارع، وسنحاول هنا تسليط الضوء على تنظيم هذا الخلل في الحياة عبر ترتيب الوظائف والمهمّات تبعاً لأولويّاتها.[1]
كيفية ترتيب الأولويّات
إنّ التخطيط للحياة لا يقلّ أهميّة أبداً عن التخطيط الذي يقوم به المدراءُ لشركاتهم، والمهندسون لطرق وأبنية المدينة، بل يحتلّ فوقهم درجة؛ إذ إنّ وضوح رؤيا الإنسان في حياته وسعادته بتحقيق ذاته ستجعله أقدر على أن يكون فعّالاً في عمله لبلده ومجتمعه، وبالانطلاق من هذه المقدّمة الأساسيّة، لننظر إلى حياتنا على أنّها طريق طويل يحتاج لرسم وبناء.
قبل البدء ببناء هذا الطريق، نحتاج أوّلا لتحديد مجموعة القواعد والمبادئ التي علينا اتّباعها، والرؤية التي نحملها لأنفسنا في هذا العالم، والمهامّ التي تترتّب لتحقيق هذه الرؤية. بعبارة أخرى؛ تحديد المنهج الذي سيقودنا للغاية التي نريد. هذا المنهج، أو كما يسمّيه صاحب كتاب إدارة الأولويّات ستيفن كوفي: "البوصلة"، فهو ما يوفر علينا عناء الذهاب لوجهة خاطئة، دالّاً إيّانا كيف نتصرّف في يومنا الواحد، ولمن نعطي الأولويّة في التنفيذ على المدى القصير والطويل، وتسهُل علينا المهمة بعد ذلك، فنوزّع الوقت الذي نملكه على وظائفنا ومهامّنا، متبّعين بذلك البوصلة التي حددناها لأنفسنا. ويُعزي ستيفن كوفي الصراع الذي يعيشه الناس في توزيع أوقاتهم إلى وجود فجوة بين البوصلة (المنهج)، والسّاعة (توزيع المهمات على الوقت المتاح)، وهذه الفجوة نشعر بها عندما ندركُ أنّ ما نقوم به كلّ يوم لا يقدمنا خطوات كثيرة نحوَ ما نعتبره أولويّة وضرورة في حياتنا.[2]
الحاجات الضروريّة لتوازن الإنسان
حتى نصل للرضا عن أنفسنا، هناك أربعُ حاجات إنسانيّة واجب إشباعها بصورة متوازنة، وهي كالتالي:[3]
- الحاجات المادّية.
- الحاجات الروحيّة.
- الحاجات الاجتماعيّة.
- الحاجات العقليّة.
إنّ أي نقص في واحدة منها، أو طغيان إحداها على الأخرى سيؤثّر بالضرورة على البقيّة،[3] وتحقيق التوازن بينها لا يعني توزيع الوقت على هذه الحاجات بطريقة منفصلة، فهي متداخلة فيما بينها، وليس لأحدها وجود مستقل عن الآخر، فمثلاً إذا أراد شخص تحسين دخله المادي بالانشغال بعمل لا يحبّه ولا يهواه، سيؤثر هذا بلا شكّ على حالته النفسية، ويكون الحلّ بأن يشتغل بما يحبّ حتى يحقق التوازن بين حاجاته الروحيّة وحاجاته المادّية.[4]
قراءة النفس
إنّ تحديد ما تحتاجه النفس في كل من المناطق السابق ذكرها يكون على أكمل صورة بمعرفة معالم النفس، ويتأتّى ذلك عبر قراءتها قراءةً سليمة، وبصورة مستمرّة، بمعدلّ نصف ساعة إلى الساعة يومياً مع مراعاة اختيار مكان هادئ لا يقاطعك فيه أحد،[5] كما أنّ قراءة النفس تتناول كل جوانب الحياة، وتكون بالإجابة عن الأسئلة التي تؤثّر في حياتنا بالضرورة، وذلك من مثل:
- على المستوى الرّوحي: كيف أرى نفسي وأصفها؟ وما أكثر ما أحب وما أبغض فيها؟ ما هو الهدف من وجودي على الأرض؟ وما هي المميّزات التي أملكها لأحقق ذاتي ودوري في الحياة؟[6]
- علاقتي الاجتماعية مع الآخرين: علاقتي مع أسرتي وأقاربي وجيراني وأصدقائي، هل هي قوية أم ضعيفة؟ هل هناك مشاكل معينة في الإطار الإجتماعي تؤثّر على نمط حياتي اليومي ويجب أن أحلها حتى أستطيع التقدّم في حياتي؟[7]
- على المستوى الأكاديميّ: هل أنا راضٍ عن تخصصي الحالي في المدرسة؟وهل هناك أي أثر سلبي من فشل أو غيره يؤثّر على أدائي الأكاديمي وأحتاج لعلاجه؟[8]
- على المستوى المهنيّ: هل أنا سعيد في وظيفتي؟ ما الذي يدفعني أن أصرّ على البقاء فيها؟ هل يستنزف الكثير من وقتي على حساب أدواري ووظائفي الأخرى؟[9]
- على المستوى المادّي: هل يتناسب دخلي الحالي مع احتياجاتي؟ أم يجب عليّ أن أبحث عن عمل كلّي جديد أو عمل إضافي بعد الدوام؟[9]
جدولة الوقت
إنّ من أشهر النماذج في توزيع المهمّات على الوقت هو نموذج إدارة الوقت حسب الطوارئ والأهمّية، وهو يعتمد على تقسيم المهامّ لأربع مناطق كالتاليّ، مع التمثيل البسيط عليهم:[10]
تحديد موعد مع طبيب الأسنان لعلاج الضرس الملتهب
تخطيط لنزهة عائليّة الأسبوع المقبل
الردّ على مكالمات هاتفيّة ليست ذات أهمّية
تصفّح مواقع التواصل الاجتماعي لأكثر من ساعة مع عدم وجود حاجة حقيقيّة
المثال التالي يشرح هذا التقسيم عمليّاً:
تعملُ سلمى في إحدى الوظائف المُعتبَرة، من السّاعة التاسعة صباحاً وحتّى الخامسة مساءً، ومع أنّ زوجها متعاون جدّاً إلّا أنّ رغبتها في أن تشاهد طفلتها التي رزقت بها منذ بضعة أشهر وهي تكبر أمام عينيها تجادلها كل صباح عندما تهمّ بالذهاب للعمل، وبعد الجلوس مع نفسها قررت توزيع الوظيفتين كالتالي:
المراجع
- ↑ ستيفن ر.كوفي (2007)، إدارة الأولويّات (الطبعة الخامسة)، المملكة العربية السعودية: مكتبة جرير، صفحة 15. بتصرّف.
- ↑ ستيفن ر.كوفي (2007)، إدارة الأولويّات (الطبعة الخامسة)، المملكة العربية السعودية: مكتبة جرير، صفحة 17. بتصرّف.
- ^ أ ب ستيفن ر.كوفي (2007)، إدارة الأولويّات (الطبعة الخامسة)، المملكة العربية السعودية: مكتبة جرير، صفحة 57+58+59. بتصرّف.
- ↑ ستيفن ر.كوفي (2007)، إدارة الأولويات (الطبعة الخامسة)، المملكة العربية السعودية: مكتبة جرير، صفحة 61. بتصرّف.
- ↑ د.عبد الرحمن ذاكر الهاشميّ (2012)، ورقات من كتاب ونفس: فقه النفس، صفحة 65+72. بتصرّف.
- ↑ د.عبد الرحمن ذاكر الهاشميّ (2012)، ورقات من كتاب ونفس: فقه النفس، صفحة 82-83. بتصرّف.
- ↑ د.عبد الرحمن ذاكر الهاشميّ (2012)، ورقات من كتاب ونفس: فقه النفس، صفحة 74. بتصرّف.
- ↑ د.عبد الرحمن ذاكر الهاشميّ (2012)، ورقات من كتاب ونفس: فقه النفس، صفحة 76. بتصرّف.
- ^ أ ب د.عبد الرحمن ذاكر الهاشميّ (2012)، ورقات من كتاب ونفس: فقه النفس، صفحة 79. بتصرّف.
- ↑ Lee Polevoi, "8 Tips for Effective Time Management"، quickbooks, Retrieved 2019-1-10. Edited.